الركن الخامستغطيات خاصة

رحلة الحَج عبرَ التاريخ.. بدأت بـ37 يومًا على ظهر الإبل وانتهت بـ3 ساعات في الجو

راديو صوت العرب من أمريكا

إعداد: مجدي فكري- تقديم: مروة مقبول

بسم الله الرحمن الرحيم” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”

كان هذا أمر الله سبحانه وتعالى لنبيّه الخليل إبراهيم، بأن ينادي في الناس بالحج، وحينها سأل إبراهيم ُ عليه السلام ربَه وقال: يا رب، وكيف أبلغ الناس، وصوتي لا ينفذ إليهم؟، فقال تعالى: “نادي.. فإنما عليك النداء، وعلينا البلاغ” .

فقام إبراهيم لينفذ أمر ربه، ووقف على مكان مرتفع (قيل على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على جبل الصفا، وقيل على جبل أبي قبيس)، ونادى بصوت مرتفع: “يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه”.

ويقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب. كما يقال إن كل شيء سمع النداء من حجر ومدر وشجر، وكل مَن كتب الله أنه سيحج إلى يوم القيامة أجاب قائلاً: “لبيك اللهم لبيك”.

وكان إبراهيم عليه السلام، بأمر من الله، قد ترك  زوجتَه السيدة هاجر وابنَه إسماعيل عليه السلام، وحدهما في واد ٍ قفْر لا زرع فيه ولا ماء، في صحراء مكة القديمة، مع القليل من الغذاء والماء.

ومع مرور الوقت نفد الماء، فأخذ الطفل في البكاء، ولم تكن أمه تُطيق رؤيته يبكي، فذهبت تبحث عن الماء، فصعدت جبل الصفا، ثم نزلت وسعت حتى جبل المروة فصعدته، ثم نزلت وسعت إلى جبل الصفا، ثم المروة، وفعلت ذلك سبع مرات.

فلما وصلت جبل المروة في المرة الأخيرة، سمعت صوتًا، فقالت: “أسمعُ صوتَك فأغثني إن كان عندك خير، فقام صاحب الصوت، وهو جبريل عليه السلام، بضرب موضع البئر، فانفجرت المياه من باطن الأرض، ومن هنا بدأت بئر زمزم في الظهور للوجود.

وبسبب وجود الماء، بدأت القبائل في الاستقرار في مكة المكرمة، وكانت أول قبيلة تسكن مكة هي قبيلة جُرهُم، وعندما كبر إسماعيل عليه السلام تزوج من هذه القبيلة وبدأ يعيش معهم.

وكما جاء في القرآن الكريم، أن إبراهيم عليه السلام قام ببناء الكعبة هو وابنه إسماعيل، وتم وضع الحجر الأسود في الزاوية الشرقية من الكعبة.

وبعد أن أتم سيدُنا إبراهيم وابنْه إسماعيل بناء الكعبة، ونادى نداءَه الذي ملأ الأفاق، وأذّنَ في الناس، أصبحت الكعبة وجهة الناس للحج، فبدأت القبائل تحجُ إليها، وأصبحت قبلة لكل العرب.

وقبل الإسلام كان العرب يعبدون الأوثان، وكانت الكعبة مركز عبادتِهم، حيث كانت مليئة بالأصنام وصور الملائكة. وخلال موسم الحج السنوي، يزور الناس الكعبة من الداخل والخارج. وكانت قبيلة قريش هي المسئولة عن خدمة الحجاج.

وكان العرب في الجاهلية يطوفون بالكعبة دون السعي بين الصفا والمروة، وبدون التجمع في عرفة، وكان بعضهم يطوفون عَرايا حول الكعبة

وبعد البِعثة المحمدية وفتح مكة، في العام الثامن للهجرة، تغير مفهوم الحج، وتغيرت طقوسُه، حيث أزال النبي الكريم كل الأصنام والأوثان والصور التي كانت تحيط بالكعبة المشرفة، وطهّر البيت الحرام من كل شائبة كانت تشوبه.

وحج النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في العام العاشر من الهجرة، وسُميت بـ”حجة الوادع”، والتي ألقى فيها خطبتُه الشهيرة التي عُرفت بـ”خطبة الوداع”، ومنذ ذلك الوقت حرص المسلمون على أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج.

وكان الحجاج  قديمًا يجتمعون في عواصم سوريا ومصر والعراق للذهاب إلى مكة المكرمة في مجموعات وقوافل تضم عشرات الآلاف من الحجاج. وتولى الحكام المسلمون مسؤولية الحج، حيث كان تنظيم قوافل الحجاج يتم برعاية الدولة.

وقد رصد المؤرخ إبراهيم عناني، عضو اتحاد المؤرخين العرب، تطور رحلة الحج عبر العصور الإسلامية المختلفة، ففي العصر الفاطمي، منذ أكثر من ألف سنة، كان الهدف الأول من الحج هو تجهيز كسوة الكعبة، ثم كسوة أخرى لمقام الرسول عليه الصلاة والسلام.

واهتم الفاطميون بالاحتفالات، فاعتبروا الاستعداد للحج عيد كبير، وكانوا يستعدون له قبل هذا اليوم بأربعة أشهر، لأن الحج كان يبدأ في 14 شوال، وكانت الرحلة بواسطة الجمال تستغرق 37 يومًا.

وتم عمل دار تسمى “دار الكسوة” وهي خاصة بإعداد كسوة الكعبة، ولا يبدأ الحجاج رحلتهم إلا ومعهم الكسوة. وكان المنادي ينادي في الناس بمن يرغب في الخروج إلى الحج فيذهبون إلى “داعي الدعاة”، وهو بمثابة وزير الإعلام، ليقوم بحصر أسماءهم، حتى يتم عمل الترتيبات اللازمة لتلك الرحلة.

أما في العصر المملوكي، فكانت “شجر الدر”، وليس “شجرة الدر”، هي أول امرأة تكون على رأس المحفل المتوجه إلى مكة، حيث ذهبت مُحمّلة بالهدايا لفقراء مكة، وبصحبتها الكسوة والحجاج أيضًا”.

ولتيسير رحلة الحج، تم بناء طريق على بعد 900 ميل، يمتد من العراق إلى مكة والمدينة المنورة، وذلك في عام 780 م، خلال حكم الخليفة العباسي الثالث أبو عبد الله محمد المهدي، والد الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد، وقد سميت في وقت لاحق “درب زبيدة”، على اسم زوجة هارون الرشيد.

ويُجمع المؤرخون أن بغداد ودمشق والقاهرة كانت هي نقاط التجمع الرئيسية للحجاج من كل البلدان، فكانت قافلة دمشق تضم حُجاجًا من سوريا والعراق وإيران ومناطق الأناضول، أما قافلة القاهرة فكانت تضم حجاجًا من مصر وليبيا والمغرب العربي والسودان، ومناطق الصحراء الكبرى، وبعض دول إفريقيا.

وكان الحج إلى مكة المكرمة عبارة عن رحلة برية تتم باستخدام الإبل كوسيلة للتنقل. غير أن العديد من حجاج البلاد البعيدة، كالمغرب العربي وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا، اضطروا إلى استخدام طرق بحرية مختلفة للوصول إلى الحجاز.

وسافر الحجاج من المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب وليبيا) عبر البحر الأبيض المتوسط، للوصول إلى قوافل القاهرة والانضمام إليها. وكان بعض الحجاج القادمين من أفريقيا يعبرون البحر الأحمر للوصول إلى الحجاز، ثم إلى مكة.

وبعد وصول العثمانيين إلى السلطة، كان سلاطين الإمبراطورية العثمانية يهتمون بإدارة برنامج الحج، وخصصوا ميزانية سنوية لذلك.

وخلال هذه الفترة، كانت دمشق والقاهرة هما النقطة الرئيسية التي تغادر منها قافلة الحج وتعود إليها.

وكانت هذه القوافل تضم الآلاف من الجمال التي تحمل الحجاج والتجار والبضائع والمواد الغذائية والمياه. وهناك الكثير من الناس ذهبوا في رحلة الحج سيرًا على الأقدام. وقدم الحكام القوات اللازمة لضمان أمن قوافل الحج، وكان لكل قافلة قائد يسمى “أمير الحج”، وكان مسئولاً عن حماية حجاج القافلة، وتأمين الأموال ولوازم الرحلة، ويرافق الرحلة طبيب وطهاة وغيرهم.

وخلال هذه الفترة، ارتفع عدد الحجاج  من 20 ألف إلى 60 ألف شخص سنويًا.

وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (بعد عام 1850)، بدأ استخدام البواخر في رحلة الحج إلى مكة المكرمة، وزاد عدد الحجاج المسافرين عن طريق البحر. ومع افتتاح قناة السويس في عام 1869، تم تقصير وقت السفر للحج.

وفي البداية، كانت شركات السفن البريطانية تحتكر هذه الأعمال، وقدمت القليل من التسهيلات للحجاج. وفي عام 1886 اعتمدت حكومة الهند آنذاك بعض اللوائح لتحسين رحلة الحج من الهند إلى الحجاز.

 أما في أوائل القرن العشرين، فقام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ببناء سكة حديد الحجاز بين دمشق والمدينة المنورة، مما سهل رحلة الحج، حيث سافر الحجاج بسهولة نسبية ووصلوا إلى الحجاز في أربعة أيام فقط، لكن القطار توقف بعد ذلك، خلال الحرب العالمية الأولى .

وبعد عقد تم إبرامه بين حكومة المملكة العربية السعودية وشركة الخطوط الجوية المصرية في عام 1936، قدمت شركة الخطوط الجوية المصرية أول خدمة طيران للحجاج في عام 1937.

وانتهى استخدام الإبل كوسيلة للنقل في رحلة الحج فعليا في عام 1950. ووفقا لإحدى الإحصائيات، فقد شهدت مواسم الحج من 1946 حتى 1950 وصول نحو 80 في المائة من إجمالي الحجاج الأجانب عن طريق البحر، و10 في المائة عن طريق البر، و7 في المائة عن طريق النقل الجوي.

وقد ظلت أعداد الحجاج تزداد عامًا بعد عام، حتى وصلت إلى أكثر من مليوني حاج سنويًا، يسافر معظمهم عن طريق الجو، بينما النسبة الأقل عن طريق البحر، ونسبة قليلة أيضًا عن طريق البر.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

للاستماع الى الحلقة عبر ال  Soundcloud

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وللاستماع الى الحلقة عبر اليوتيوب :

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى