بين رئيسين وفيروس.. الأمريكيون يحتفلون بعيد شكر استثنائي

بدأ الأمريكيون اليوم الخميس الاحتفال بعيد الشكر وسط أجواء مختلفة لم يسبق لها مثيل من قبل، فالفيروس القاتل “كورونا” لا زال ينتشر، وارتفعت إشارات التحذير من خطره بعد الارتفاع الملحوظ في عدد الإصابات والوفيات به خلال الأيام الماضية.
واستجاب البعض لهذه التحذيرات فقرروا الاحتفال في منازلهم وإتباع الإجراءات الاحترازية اللازمة، بينما تحداها آخرون وأصروا على السفر للاحتفال مع العائلة ووسط تجمعات في أجواء مغلقة أو مفتوحة.
ولأن هذا العام شهد إجراء أكثر الانتخابات الرئاسية إثارة في التاريخ الأمريكي، فإن عيد الشكر سيكون عيدًا استثنائيًا أيضًا، حيث يحتفل به الأمريكيون وهم منقسمين بين رئيسين، أحدهما منتخب سيبدأ ولايته قريبًا، والثاني انتهت ولايته لكنه يرفض الاعتراف بالنتائج.
لكن الأمريكيين الذين أدلوا بنحو 150 مليون صوت للاختيار بين الرئيسين وانقسموا بينهما، قرروا فيما يبدو تجاهل الانقسام وتنحية الخلافات جانبًا ولو بشكل مؤقت للاستمتاع باحتفالات عيد الشكر.
عيد تاريخي
وعيد الشكر هو مناسبة مهمة لشكر النعم، وللشكر على حصاد العام الذي يشرف على نهايته، وله جذور دينية وثقافية، وتقام له احتفالات مشابهة في أماكن مختلفة من العالم، وفقًا لموقع ويكيبيديا.
وهو إجازة وطنية في الولايات المتحدة وكندا، ويتم الاحتفال به في الولايات المتحدة يوم الخميس الرابع من شهر نوفمبر من كل عام، وفي كندا يوم الاثنين الثاني من شهر أكتوبر.
وفى هذا اليوم يتقدم الأمريكيون بالشكر لله لإنقاذ الأمريكيين الأوائل من المجاعة والهلاك، ويعتبر من أهم المناسبات التي تلم شمل الأسر والأصدقاء، حيث تنشغل النساء والرجال بإعداد ما لذ وطاب من الأطعمة المتنوعة التي يأتي على رأسها الديك الرومي.
احتفال في المنزل
ولأن هذا العام هو عام مختلف من حيث انتشار جائحة كورونا فإن الأمريكيين سيضطرون للاحتفال بعيد الشكر في المنزل بسبب الوباء، وبعد أن كان التجمع العائلي الكبير هو السمة الرئيسية للاحتفال كل عام، سيتم الاحتفال العائلي عن بعد عبر الفيديو.
وفي هذا الإطار ألغى العديد من الأشخاص خطط السفر وسيتواصلون بدلاً من ذلك مع أحبائهم عبر تطبيقات التواصل مثل FaceTime أو Zoom.
ووفقًا لـ”رويترز” فقد تم تقليص عرض Macy's Thanksgiving Day الشهير في نيويورك، والذي كان يضم بالونات الشخصيات العملاقة التي أسعدت الأطفال كثيرًا على مدى ما يقرب من قرن من الزمان.
وقالت سوزان ترسيرو، المنتج التنفيذي للعرض: “فعلنا هذا حتى نتمكن من الحفاظ على سلامة الجميع في المنزل”.
بين رئيسين
يحتفل الأمريكيون بعيد الشكر وعين كل منهم على الرئيس الذي صوت له في الانتخابات، فيما اختلفت خطط الرئيسين الحالي دونالد ترامب والمنتخب جو بايدن للاحتفال بالعيد، لكنهما اتفقا على الاحتفال به في المنزل.
ويقضي الرئيس المنتخب بايدن عطلة عيد الشكر في بلدة ريهوبوث بولاية ديلاوير، حيث يقيم هو وزوجته جيل. وكان من المقرر أن يستضيف بايدن ابنته آشلي وزوجها كيرين لتناول وجبة العيد، لكن هذا لن يحدث هذا العام الذي سيشهد وفقًا لـ”رويترز” انفصالًا نادرًا عن تقليد بايدن الممتد لعقود من الزمن في التجمع مع العائلة.
وكان بايدن قد صرح من قبل أنه حرصوا طوال 40 عامًا على السفر للاحتفال بعيد الشكر مع العائلة، باستثناء العام الذي أعقب وفاة ابنه في عام 2015، وهذا العام 2020 بسبب كورونا.
ولم ينس بايدن أن يعلن تضامنه مع الأسر التي فقدت أكثر من 260 ألف شخص بسبب فيروس كورونا، قائلًا إنه يعلم أنه من الصعب الاحتفال وهناك كرسي فارغ في الأسرة.
أما الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب فقد دأب على الاحتفال بالعطلات في منتجع فلوريدا مار لارجو، وفي العام الماضي فاجأ الجميع عندما قام بزيارة مفاجئة إلى أفغانستان، وتناول عشاء عيد الشكر مع القوات الأمريكية هناك.
لكن هذا العام من المقرر أن يبقى ترامب للاحتفال بالعطلة في البيت الأبيض، وكان قد قام أمس بالعفو عن ديك رومي في الطقس السنوي الذي يقوم به للمرة الأخيرة في ولايته.
وعلى عكس بايدن، الذي ناشد الأمريكيين للاحتفال بالعطلة بأمان من خلال ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي، حث ترامب الأمريكيين على “التجمع” خلال عيد الشكر.
وقال ترامب في بيان: “أشجع جميع الأمريكيين على التجمع، في المنازل وأماكن العبادة، لتقديم صلاة الشكر لله على بركاتنا العديدة”.
Thanksgiving has always been a special time for the Biden family. And while I know this isn’t the way many of us hoped to spend the holiday, the small act of staying home is a gift to our fellow Americans. pic.twitter.com/4mHOEFIcjV
— Joe Biden (@JoeBiden) November 26, 2020
تحدي الوباء
وفي الوقت الذي التزم فيه البعض المنزل وحافظوا على الإجراءات الاحترازية، قام كثيرون بتحدي التحذيرات وتجاهل نداءات مسؤولي الصحة والمسؤولين المحليين بالبقاء في منازلهم خلال عطلة عيد الشكر.
فرغم النصائح الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض، سافر ما يقرب من 5 ملايين أمريكي جوًا من يوم الجمعة إلى الثلاثاء، وفقًا لإدارة أمن النقل، على الرغم من أن هذا أقل من نصف العدد الذي سافر خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وتم فحص ما يقرب من مليون مسافر يوميًا عند نقاط التفتيش الأمنية بالمطارات خلال الأسبوع الماضي، وكان إجمالي عدد الأحد الماضي 1.047 مليون، وهو أعلى رقم منذ الأيام الأولى للوباء في منتصف مارس.
فيما كشف مسح وطني أجراه مركز ويكسنر الطبي بجامعة أوهايو أن ما يقرب من 40% خططوا لحضور تجمع خلال موسم العطلات.
ورأت “رويترز” أن هذه النسبة تشير إلى أن العديد من الأمريكيين يرون أن الاجتماع السنوي أمام الديك الرومي والبطاطا المهروسة وفطيرة اليقطين مهم جدًا بما يكفي لتجاهل خطر العدوى المحتملة بفيروس كورونا.
إحدى المسافرات عبرت عن ذلك بقولها: “نحن نعلم أننا نجازف، لكننا نريد أن نرى الأسرة، فقد مضى وقت طويل دون أن نجتمع بهم”.
تاريخ الاحتفال بعيد الشكر
في مقال له استعرض محمد المنشاوي، الكاتب الصحفي المتخصص في الشئون الأمريكية، تاريخ الاحتفال بعيد الشكر في أمريكا، مشيرًا إلى أن الاحتفال بعيد الشكر يعود إلى أوائل القرن السابع عشر عندما بدأت هجرة الأوروبيين إلى القارة الأمريكية هربا من اضطهاد الكنيسة الإنجليزية لهم.
وقال إن بعضهم هاجر من بريطانيا إلى هولندا، ومن ثم إلى الساحل الأمريكي على متن قارب خشبي اسمه ماى فلاور. وكانت الرحلة طويلة وشاقة، مات فيها الكثيرون منهم، ووصلت الرحلة في النهاية إلى الشاطئ الشرقي لولاية ماساتشوستس في شهر نوفمبر من عام 1621.
غير أن وصولهم تزامن مع دخول فصل الشتاء الذي يتميز بالبرد القارس والأمطار الغزيرة، علاوة على الثلوج التي أهلكت الكثيرين ممن جهلوا طرق الصيد والزراعة أثناء فصل الشتاء،
ومن المثير للدهشة أن نجاة الأمريكيين البيض الأوائل جاءت على يد اثنين من الهنود الحمر الذين تعرضوا إلى الإبادة على أيديهم فيما بعد، والاثنان هما ساموسيت وسكوانتو اللذان شرعا في تعليم الأوروبيين البيض صيد الطيور والحيوان والسمك وزراعة الذرة.
من هنا قرر الأمريكيون الأوائل الاحتفال بالنعمة ووجهوا الدعوة إلى الهنود الحمر والقبائل التي ينتمون إليها للاحتفال بما أسموه حينذاك عيد الشكر، وتناولوا فيه الديك الرومي وطيورًا أخرى.
وتحول الاحتفال بالنجاة من الهلاك إلى حدث سنوي، حتى أعلنه الرئيس أبراهام لنكولن في الثالث من أكتوبر عام 1863 عيدًا رسميًا للبلاد، وأطلق عليه “عيد الشكر”، ويتم الاحتفال به في الخميس الأخير من شهر نوفمبر من كل عام.
وجاء قرار لينكن استجابة للكاتبة الصحفية سارة جوزيفا هايلي، التي طالبت على مدار ثلاثين عاما بجعل عيد الشكر عيدًا قوميًا.
واستمر تحديد موعد الاحتفال بقرار رئاسي كل عام، حتى تم تثبيته كعيد قومي في عهد الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت عام 1942، بعد قرار من الكونجرس صدر عام 1941.
توحيد الأمريكيين
وعلى مدى عقود من الزمن نجح عيد الشكر في توحيد الأمريكيين وعبور كل الحواجز والوصول للجميع من كل العرقيات والجنسيات، حيث يحتفل به الجميع، المسيحيون والمسلمون واليهود وغير المنتمين للأديان بالصورة نفسها.
ومع الوقت تم تخفيف العنصر الديني من احتفالات عيد الشكر ليكون أكثر شمولا للمهاجرين من جميع الديانات. وبدأت تظهر احتفالات أخرى أكثر علمانية مثل إقامة مباراة كرة قدم أمريكية بين فريقي ييل وبرنستون عام 1876، وفقًا لموقع “بي بي سي” ومع نهاية القرن التاسع عشر، أُدخلت فكرة الاستعراضات والمواكب إلى الاحتفال. وكان أشهرها في فيلادلفيا عام 1920 حيث شارك 50 شخصًا، وظهر شخص يرتدي زي بابا نويل في نهاية الموكب.
كما بدأ الموكب الأشهر، الذي يُقام في مدينة نيويورك، في عام 1924. واستُخدمت المناطيد والبالونات الكبرى منذ عام 1927
مراسم الاحتفال
في هذا اليوم تغلق جميع المحال والأسواق والمؤسسات الحكومية والخاصة، وتجتمع العائلة ويلتئم شمل الأسر والأصدقاء في كل أنحاء الولايات المتحدة.
ويسافر في هذا العيد أكثر من 45 مليون أمريكي جوًا وبرًا داخل وخارج الولايات المتحدة، وتقدم الأكلات والأطباق الخاصة بهذه المناسبة على مائدة عامرة تحتوى على الوجبة الأساسية المتمثلة في الديك الرومي.
الديك الرومي
ويُعد الديك الرومي المشوي المكون الأبرز في مائدة عيد الشكر، وعادة ما يتوسط المائدة، مع أصناف جانبية أخرى من اللحوم المشوية، والبطاطس، والخضروات المشوية، والحلوى التي يدخل اليقطين في مكوناتها.
لكن الديك الرومي غاب عن السنوات الأولى من الاحتفال. فعند خروج سكان المستعمرات للصيد، كانوا يستهدفون البط والإوز البري، وغاب الديك الرومي عن المشهد آنذاك.
ووفقًا لموقع “بي بي سي” فقد وقع الاختيار على الديك الرومي لاحقا بعد تعميم الاحتفال بعيد الشكر في القرن التاسع عشر.
ويرجع سبب اختيار الديك الرومي إلى حجمه الكبير الذي يكفي العشاء لعائلة كاملة. بجانب عدم الاحتياج له للتفريخ والحصول على البيض، مما جعل سعره أقل نسبيًا.
وتقدر جمعية الديك الرومي الأمريكية أعداد الديوك التي يلتهمها الأمريكيون كل عام خلال موسم الاحتفالات، والذي يمتد لأسابيع حتى حلول رأس السنة الجديدة، إلى ما يقرب من 12 مليون ديك رومي.
وحسب الإحصائيات وصلت أعداد الديوك في الولايات المتحدة عام 2003 نحو 269 مليون طائر، وتخطى العدد حاليًا أعداد سكان الولايات المتحدة البالغ 325 مليون نسمة، وهو ما يعني توافر ديك رومي أو أكثر لكل مواطن أمريكي.
وفي عيد الشكر يتبع البيت الأبيض تقليدًا طريفًا منذ 1989، حيث يقوم الرئيس الأمريكي بالعفو عن ديك رومي رئاسي ليلة عيد الشكر، ويعتقه من الذبح أمام حشد كبير من الصحافيين والمصورين الذين يلتقطون صورة الديك الرومي المحظوظ، والذي يتم نقله بعد ذلك إلى المزرعة الرئاسية ليقضي ما تبقى من حياته هناك.
https://t.co/fps08npGqJ pic.twitter.com/e7giu2jEG1
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) November 25, 2020
التسوق
ورغم أن الطقس الرئيسي في عيد الشكر هو اجتماع العائلة حول مائدة الديك الرومي، إلا أن الجانب التجاري لم يغب عن الاحتفالات، خاصة وأن توقيت عيد الشكر يرتبط ببدء موسم التسوق لأعياد الكريسماس التي تحل قبل نهاية ديسمبر.
ومنذ البداية كان قرار الرئيس روزفلت بتثبيت موعد عيد الشكر يهدف إلى زيادة فترة موسم التسوق الخاص بعيد الميلاد بحيث يبدأ مبكرا. حتى أن روزفلت قرر في بعض السنوات أن يكون عيد الشكر في الخميس الثالث من نوفمبر لكسب وقت أكبر للتسوق.
ومع بداية موسم عيد الشكر تفتح المحال والأسواق أبوابها منذ ساعات الصباح الأولى وحتى منتصف الليل، وتعج الأسواق بالحركة والنشاط.
أما اليوم الذي يلي الاحتفال بعيد الشكر فيعرف باسم الجمعة السوداء (Black Friday)، وهو أكثر الأيام التي يقبل فيها الأمريكيون على التسوق والشراء، حيث تقدم المحال التجارية والشركات ومواقع التجارة الإلكترونية تخفيضات كبيرة في الأسعار، لجذب أكبر عدد ممكن من المستهلكين.