كورونا بين اللقاحات والشائعات.. متى نعود للحياة الطبيعية؟!

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورًا سلبيًا في زمن كورونا، بالرغم من تسهيلها التواصل بين الناس، فالشائعات والأخبار المفبركة تدور على قدم وساق، لاسيما مع بدء الموجة الثانية للوباء، خاصةً في ظل تحذير كبار المسؤولين الطبيين من أن العالم قد يشهد أعدادًا ضخمة من الإصابات.
يرى لديفي سريدهار، أستاذ الصحة العامة في جامعة إدنبرة باسكتلندا، في مقال كتبه بصحيفة الجارديان، أنه “مع بدء المزيد من عمليات الإغلاق المحلية، فإن الحقيقة المرة هي أنه لا عودة إلى الحياة الطبيعية”.
وأضاف أنه “بدلًا من إخبارك بأكاذيب مطمئنة وما تريد أن تسمعه، سأخبرك ببعض الحقائق غير السارة، لقد تغير العالم بشكل أساسي خلال الأشهر الـ9 الماضية، ولا توجد نسخة عادية من الواقع في أي مكان في العالم، حتى لو حاول الساسة إقناعك بخلاف ذلك”.
الدكتور زاهر سحلول، أخصائي الأمراض الصدرية والعناية المشددة في حوار خاص مع الاعلامية ليلى الحسيني، ألقى الضوء على اّخر مستجدات فيروس كورونا، وما يثار حول الموجة الثانية ومخاطرها، وكذلك دور السوشيال ميديا والأخبار المضللة في استمرار تفشي المرض، وماذا نتج عن تسييس أزمة كورونا في أمريكا بعد أن تعدى حاجز الإصابات فيها مليوني إصابة.
لا عودة للحياة الطبيعية
* د. زاهر؛ نبدأ من العنوان العريض.. لا عودة إلى الحياة الطبيعية، فقد استمعت البارحة إلى حوار للدكتور أنتوني فاوتشي على CNN، حيث قال إنه من غير المتوقع أن تكون هناك كبسة ذر تعيد الحياة إلى طبيعتها، وإنما انتقال تدريجي لمدة سنة أو أكثر، فكيف تنظر إلى الأمر من هذه الزاوية؟
** بدايةً فإن ارتفاع نسبة الوفيات ومعدل دخول المشافي ونسبة الإصابات كان متوقعًا، ولكن كان من المأمول أن يلتزم الناس بالإجراءات الوقائية المعروفة التي ذكرناها أكثر من مرة، ولكن للأسف الشديد فإن تسييس الموضوع وانتشار الأكاذيب والحملات المضللة أدى إلى وجود قسم كبير من الناس غير مقتنعين بلبس الكمامات.
مما شاهدناه خلال الـ10 أشهر الماضية، يمكننا القول إن بعض الأنشطة يمكن عودتها طبيعيًا، ولكن بعضها للأسف لن يعود كما كان، مثل موضوع العمل أو السفر، هذه الأمور قد تتغير بشكل لا رجعة فيه، وبعض الأعمال قد تستمر بشكل أونلاين من المنازل.
أوبئة عبر الزمن
* هذا الوباء لم نشهد مثيلًا له منذ الأنفلونزا الأسبانية، فهل الوباء الحالي سيستمر معنا لسنة أو سنتين أم ماذا؟
** خلال الـ100 سنة الماضية تعرض العالم لأربع جائحات، وهذه هى الجائحة الرابعة خلال القرن الماضي، وقبل القرن الماضي كانت هناك جائحات كبيرة مثل جائحة الموت الأسود (الطاعون)، والتي أدت إلى وفاة ثلث سكان العالم، أما جائحة الأنفلونزا الأسبانية فقد توفي فيها تقريبًا من 20 إلى 50 مليون شخص حول العالم، وفي الولايات المتحدة توفي 500 ألف شخص على الأقل.
لكن نتوقع في جائحة كورونا أن يكون الوضع أفضل، نظرًا لوجود تطور كبير في الطب، وصارت هناك عناية مشددة وأدوية مختلفة، وغيرها من الأمور التي لم تكن موجود منذ 100 سنة، حين حدثت الأنفلونزا الأسبانية.
لكن رغم هذا التطور الطبي الهائل، وخاصةً في أمريكا، التي تعدّ أكبر دولة في العالم تنفق على الرعاية الصحية، حيث تنفق 7500 دولار لكل شخص، إلا أن أداءها كان سيئًا للغاية في مواجهة الفيروس المستجد، والسبب ببساطة يرجع إلى فشل القيادة على كل المستويات، سواء القيادة السياسية مثل الرئيس، أو القيادة الصحية مثل الـCDC.
السبب الرئيسي
* هل يمكننا أن نرجع السبب الرئيسي لعودة ارتفاع الإصابات والوفيات في أمريكا إلى عدم الإلتزام بالإجراءات الوقائية؟
** الدراسات والمحللون الصحيون يشيرون إلى أن الانتشار الحالي سببه عدة أمور؛ منها عدم إلتزام الناس بالإجراءات الوقائية، والتراخي الكبير في عقد التجمعات والأفراح وغيرها، وعدم ارتداء الكمامات.
إلى جانب الحملات المضللة المنتشرة على السوشيال ميديا، مثل أن الفيروس يشبه الأنفلونزا، أو أن الفيروس حرب من الصين، أو أنه مؤامرة من أمريكا، أو أنه مؤامرة من الحزب الديمقراطي لإفشال ترامب، وغيرها من المزاعم والأكاذيب، وكل هذه الإشاعات المضللة أدت إلى تراخي الناس في اتباع الإجراءات الوقائية، مستهينين بخطورة الفيروس.
دقة المعلومات
* هل يمكن أن توضح لنا مدى خطورة تلقي الأخبار من السوشيال ميديا، دون الانتباه إلى مدى صحتها من مصادرها؟، وما مدى خطورة ذلك على تأخر تجاوزنا لهذه الأزمة؟
** في الحقيقة فإن الحملات المضللة والأكاذيب خطيرة جدًا، ليس فقط فيما يخص كورونا، وإنما في كل شئ، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن الناس باتوا يأخذون كافة أخبارهم ومعلوماتهم من فيسبوك وتويتر وكافة وسائل التواصل الاجتماعي، دون التأكد من مصداقية الخبر أو المعلومة.
فمنذ 15 عامًا تقريبًا، لم يكن للسوشيال ميديا هذا التأثير الهائل، وكان الناس يلجأون إلى الصحف لمعرفة الأخبار، والآن نجد أن حوالي 60% من الشعب الأمريكي يستقي أخباره من السوشيال ميديا فقط، دون متابعة الصحف أو وسائل الإعلام الأخرى التي تلتزم إلى حد كبير بمصداقية المعلومة، فالسوشيال ميديا تعتمد على الإثارة من أجل انتشار الأخبار.
تسييس الوباء
* كيف ترى الأمور الآن في ظل التسييس المستمر لموضوع كورونا؟، خاصةً وأننا قد سمعنا الرئيس دونالد ترامب في تجمع انتخابي له يطالب أنصاره بالضغط على حاكمة ميشيجان لفتح الولاية، بالرغم من تفشي الفيروس!، وما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟
** في الواقع فإن تسييس الأمور خطير جدًا، فلو إلتزمنا بالإجراءات الوقائية وطبقها الرئيس ترامب على كل الولايات، مثل باقي الدول كبريطانيا وتايوان ونيوزيلندا وأسبانيا، لكنا في حال أفضل، لكننا رأينا على العكس تمامًا، فهناك ولايات مثل جورجيا وتكساس وغيرها رفضت تطبيق الإجراءات، وفي المقابل انتشر الوباء فيها بشدة.
وأنا أتعجب جدًا من أن هناك 92 مليون شخص انتخبوا الرئيس الذي أدت إجراءاته وقراراته إلى وفاة أكتر من 250 ألف شخص بالولايات المتحدة، وذلك بسبب إهماله وتسييسه للأمور، ونشره لنظرية المؤامرة، ودعوته الناس لرفض ارتداء الكمامات، بدلًا من الدعوة لتحجيم الجائحة.
* بخصوص تعامل الحزبين الجمهوري والديمقراطي مع الجائحة، هل يمكن أن يؤثر ذلك مستقبلًا على التعامل مع الوباء؟
** من الممكن أن يؤثر بالفعل، لكننا سنجد أن الديمقراطيين يلتزمون بالعلم والحقائق، سواء فيما يخص كورونا أو تغير المناخ أو غيرها من الأمور، أما الجمهوريون فإنهم يأخذون منحى ضد العلم وضد الحقائق، وذلك بالرغم من أن الولايات المتحدة كانت تعتبر هى الدولة الأولى في العالم من ناحية العلم، والآن أصبحنا نعتبر من أسوأ الدول في الإقتناع بالعلم.
حقائق حول اللقاحات
* بالانتقال للحديث عن اللقاح.. هل هناك لقاح الآن جاهز وكافي لعلاج المصابين؟، وهل هو آمن؟، خاصةً في ظل انتشار نظريات المؤامرة حول اللقاح؟
** الحقيقة الموجودة الآن لدينا هى أن شركة فايزر وغيرها من الشركات في المرحلة النهائية حول اللقاحات التي تطورها، وكما علمنا خلال الأسبوع الماضي فإن لقاح فايزر وبيونيتك قد أثبت فعاليته بنسبة 90%، وهذا اللقاح سيكون جاهز ومعه لقاحات أخرى بنهاية هذا العام.
والشركات قد بدأت بالفعل في تأمين عدة ملايين من الجرعات، والتي ستعطَى في البداية للعاملين في المجال الصحي، وكذلك لأصحاب الحالات الحرجة وكبار السنّ، وأصحاب الأمراض المزمنة.
ومع ربيع العام المقبل سيكون لدينا كميات تكفي قسم كبير من الشعب الأمريكي وفي مختلف دول العالم، ونحن لدينا الآن أيضا حوالي 20 شركة تنتج لقاحات مشابهة، بحيث سيكون هناك خيارات مختلفة للقاحات كورونا.
وطبعًا من المعروف أن اللقاح يمرّ بمراحل طويلة ودقيقة قبل أن يُعطَى للناس، حتى نتأكد أن اللقاح سليم ولا يؤدي لتأثيرات جانبية، ونتأكد كذلك أنه فعّال، فالسلامة والفعالية هما أسس أيّ لقاح.
وفي ظل انتشار الجائحة تمّ تسريع هذه المراحل التي يمر بها اللقاح حتى يُنتَج بأقصى سرعة، لذا فإن التأثيرات طويلة المدى للقاح لا أحد يعرفها حتى الآن، لأن تجربتنا مع الفيروس لا تتجاوز 10 أشهر.
من المؤسف جدًا هى تلك الحملة التي بدأت ضد اللقاح، وهى منتشرة على السوشيال ميديا، حيث تزعم أن اللقاحات خطرة، ويمكن أن تؤدي إلى وفيات وأمراض، وهناك إشاعات أن أنتوني فاوتشي سينتفع من اللقاح، وأن الهدف من اللقاح هو السيطرة على الناس والدول من قِبَل الـCIA، ومن المؤسف ان البشر لديهم تقبل لنظريات المؤامرة لأسباب نفسية عديدة.
ولكن في العموم، علينا أن نأخذ اللقاح، فما من دولة يمكنها أن تجيز تناول اللقاح لشعبها دون أن تتأكد من سلامة اللقاح وفعاليته، وبشكل عام لن تعود الأمور إلى طبيعتها بشكل كامل حتى مع ظهور اللقاح في القريب العاجل.