الراديو

قصة نجاح في قلب بلاد الرافدين.. الشاعر والأديب علي لفتة سعيد

By فريق راديو صوت العرب من أمريكا

November 17, 2020

أجرى الحوار: مجدي فكري ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة جديدة ومميزة من برنامج “قصة نجاح”، حيث أخذنا الإعلامي مجدي فكري في رحلة أدبية وفنية من نوع خاص، رحلة إلى العراق، قلب حضارة بلاد الرافدين، وذلك عبر لقاء خاص مع الأديب والشاعر العراقي الكبير علي لفتة سعيد، حيث تناول الحوار رحلته مع الكتابة والإبداع، والتي بدأت مبكرًا مع الشعر في مرحلة الصبا، وتواصلت مع القصة والرواية والنقد الفني.

ضيف الحلقة وُلِدَ بمدينة سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار العراقية، وعاش حياة بسيطة، واستطاع أن يشق طريق الأدب بنجاح، وينتج العديد من الأعمال الناجحة في مجالات الإبداع المختلفة، والتي أهلته للحصول على الجائزة التقديرية للقصة العراقية لعام 1989، وجائزة الإبداع لعام 1998، وجائزة توفيق بكار للرواية العربية وغيرها من الجوائز والتكريمات.

من أبرز أعماله في مجال القصة: بيت اللعنة، اليوبيل الذهبي، مداعبة الخيال، ما بعد جلجامش، وغيرها، أما في الرواية فقد صدر له العديد من الإصدارات، منها: وشم ناصع البياض، اليوم الاخير لكتابة الفردوس، ومواسم الإسطرلاب ومثلث الموت ومزامير المدينة، و في الشعر صدر له: أثر كفي، ومدونات ذاكرة الطين، وغيرها، وكذلك له بعض الإصدارات في المسرح والنقد الأدبي.

حياة بين الحروف في بداية الحلقة؛ استرجع الإعلامي مجدي فكري مع الضيف، الأديب الأستاذ علي لفتة سعيد ذكريات الصبا والنشأة في العراق، حيث مسقط رأسه بمدينة سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار، وهى في الأصل مدينة الناصرية، مدينة نبي الله إبراهيم (عليه السلام)، وكان أباه عاملًا بسيطًا مكافحًا، أما والدته فقد توفاها الله وهو لا يزال بعمر العامين، وفي ظل هذه النشأة الصعبة وجد نفسه يتجه إلى الكتاب والحرف، متأثرًا بأخيه الأكبر الذي كان يكتب الشعر وكان كثير القراءة.

بحسب سعيد، فإن “في كل شئ حرف، حتى في اللوحة الفنية، فقد وجدت في الحرف ما أمسكه، فحركة الفراشات هى حرف، وحركة القرآن هى حرف، وحركة الإيمان هى حرف، وحركة الوجود والعبادة هى حرف، فمن الحرف نشأنا، وبالتالي فإن عشقي للحرف هو الذي أسس قصة نجاحي”.

ذكريات سوق الشيوخ وعن مدينته وذكرياته بها، قال: “مدينة سوق الشيوخ هى مدينة التعايش، فقد كانت في الماضي عندما أُسست على مرتفع أرضي وتسمى سوق النواشي، فمن أسسها كان اسمه “ناشي”، ولي إحدى القصص عنه باعتباره جدي الأكبر، وكانت مدينة سوق الشيوخ حلقة وصل تجارية بين بلاد الحجاز والعراق قديمًا، ومع الوقت توسعت، كما أنها كانت مسقط رأس العشائر العراقية”.

في سوق الشيوخ تعدّ تجارة السلع والبضائع المختلفة رائجة، والتي تأتي من دول ومناطق مختلفة، السعودية والعراق وإيران وغيرها، كما تجد هناك محلة النجادة، وهى مسقط رأسي، وكلمة النجادة من نجد، وهناك الحويزة وهى من إيران، وهناك حي البغادة وهم من بغداد، وهناك الصابئة وهم من أتباع الديانة الصابئية، فهذه المدينة تتمتع بالتعايش، لذا فحتى هذه اللحظة وبالرغم من كل ما حدث بالعراق فإن هذه المدينة خالية من نبذ الآخر.

عن تاريخ مدينة سوق الشيوخ، قال سعيد: “كانت محط الحروب على مدار التاريخ، سواء في الزمن العثماني، كما اسميّه في رواية العثمانلي، أو في عهد الاحتلال البريطاني، ما بعد ثورة العشرين وثورة الخمسة وثلاثين، وقد شاركت هذه المدينة برجالاتها وعشائرها، وبحسب الوثائق التاريخية فقد قتلوا الحاكم الإنجليزي”.

وأضاف سعيد: “كانت ولا تزال هذه المدينة مشهورة بكتابة الشعر الشعبي، وفي الوقت الحاضر يوجد بها الكثير من الشعراء، وبعضهم له باع طويل على الساحة العراقية والعربية، ومن أجمل ما في مدينة سوق الشيوخ أو محافظة ذي قار عموما، أن الجميع يقول أنا من الناصرية، اختصارًا وفخرًا، وقد سجلت بعض الشخصيات من مدينتي في أعمالي، مثل رواية السقشخي”.

الشعر أولًا عن أول كتاباته والتي ظهرت فيها موهبته الإبداعي؛ قال سعيد: “أنا كتبت الشعر أولًا، وكان ذلك في عام 1976، وكان ذلك عن القضية الفلسطينية والواقع العربي في ذلك الوقت، وكنت أتنبأ ـ رغم عمري الصغير حينها ـ أننا ماضون إلى حيثيات أخرى، وفي الواقع لا أتذكر تلك القصيدة حاليا، اما أول قصة نشرتها فقد كان ذلك عام 1980 وكانت عن الحرب مع إيران، لأنني أحب العراق حبًا جمّا”.

وعن سبب تحوله من الشعر إلى القصة، قال: “معلمي الذي قرأ قصيدتي أخبرني أن قصيدتي فيها فعل دراما، وهذا ما دفعني للذهاب إلى المكتبة المركزية بسوق الشيوخ لقراءة القصص والروايات، وكانت قصة النداهة ليوسف إدريس هى أول ما قرأت، وقد صدمتني لطريقة كتابتها وفكرتها، وهذا سبب تحوليّ إلى كتابة القصص والروايات، وفي الثمانينات كانت القصة هى المزدهرة”.

وتابع: “في عام 1991، وبعد أحداث الكويت، ازدهرت الرواية، فكتبت رواية مواسم الإسطرلاب، والتي ظلّت لـ9 سنوات، تحاول أن تجيب عن سؤال: من يصنع الديكتاتور؟، والتي أخذتها عن ميثولوجيا عراقية قديمة، وجعلتها وهمية لصناعة الحكاية، فهى رواية عربية بلا مدينة أو دولة أو أسماء، وقد مُنِعَت في حينها في العراق، ونُشِرَت في عام 2004 بعد تغيير النظام”.

حياة صعبة هناك مجموعة من التشابكات في حياة الأديب علي لفتة سعيد، وما مرّ به العراق، أثرّت على تشكيل وعيه ووجدانه ومشواره الأدبي، في هذا الصدد قال: “الإنسان هو تشكيل مجموعة من العناصر، سواء إيجابية أو سلبية، ولا يمكن أن يكون الإنسان العادي نبيًا أو قويًا أمام الأعاصير كتلك التي مرّ بها العراق، ولم يكن اليتم وحده هو السبب، فعندما تكون يتيمًا لـ20 عامًا، ثم تتلقفك الحرب لـ20 سنة، ثم الحصار لـ10 سنوات، فماذا تبقى من العمر؟”.

وتباع: “نحن في العراق أرض للبطولات، والشخصية العراقية تاريخيًا نجدها تميل للبطولة والحروب، على العكس مثلًا في مص، نجد أنه كان هناك ميلًا للبناء وتشييد الحضارات في زمن الفراعنة، ولعل هذا الميل للصراع هو السبب هو ما جعل العراق يتأخر كثيرًا في مجال العمارة والبناء كغيره من البلدان والحضارات، وهذه الإشكالية هى ما أناقشه في بعض رواياتي، فنحن نصنع جيوشًا لنقتل أنفسنا، وتحولت بوصلتنا إلى بوصلة طائفية”.

مشواره مع الرواية بدأ سعيد مشواره الأدبي مبكرًا، وفيما يخص إنطلاقته في عالم الرواية، والرواية الأقرب إليه، قال: “كل رواياتي قريبة مني، فقد نشرت مواسم الإسطرلاب وهى أيضا لم يكن بها أسماء، وإنما شخصيات ورموز، ونشرت قبلها وشم ناصع البياض، وقد حاولت في الرواية أن أجمع التغيرات الاجتماعية في العراق في عام 1990 حيث الحرب، فانا لا أواجه السلطة كسلطة، وإنما أواجه الفكرة التي تصنعها السلطة، وأنا أقول دائما أن الكاتب لا يجب ان يكون مع السلطة، حتى لا تنهار الثقافة”.

وعن الرواية التي تعدذ محورًا جديدًا في كتاباته، قال: “أن كل رواية تحتوي على أسلوب جديد، فالكاتب الماهر هو خيّاط ماهر، يستعمل النسيج ويشكله حسب ما يحتاج إليه ويريد، فكل روياتي تختلف ولا يوجد في اللعبة السردية أي تشابه على الإطلاق”.

أفكار وعناوين عن عناوين رواياته وأفكار أعماله الأدبية، قال: “روايتي (الصورة الثالثة)، هى عن الحرب، واستكمالًا لها كان الجزء الثاني وهى رواية (مزامير المدينة)، ثم (فضاء ضيق) التي تتناول تطور الشخصيات من منظور ديني، ثم (وشم ناصع البياض)، ثم (مواسم الإسطرلاب) التي تتحدث عن الديكتاتور، ثم (مثلث الموت) التي كانت إبان اشتغالي بالصحافة وتحدثت عما يجري في مثلث الموت بجنوب بغداد، حيث الصراع الطائفي والمذهبي”.

وتابع: “ثم رواية (السقشخي)، وتبعتها الروايات الثلاث، ثم نشرت رواية (حب عتيق)، وقبل أشهر قليلة، نشرت الجزء الثاني من حب عتيق، وهى (قلق عتيق)، والتي قد يكون لها جزء ثالث، وقد يكون اسمها (موت عتيق)، وقد تصدر لي خلال الفترة المقبلة رواية (البدلة البيضاء للسيد الرئيس)، والتي تتحدث عن فترة ما قبل الثمانينات في العراق”.

جوائز وتكريمات عن أهم الجوائز التي حصل عليها، وقيمة الجائزة للكاتب؛ قال سعيد: “الجائزة لا تشكل إبداعًا، ولكنها تشكل شهرة، فأنا قد فزت في القاهرة عن روايتي مواسم الإسطرلاب، ولم أحصل على جنيه واحد، ولكنني حققت شهرة كبيرة، وعندما نتحدث عن جوائز مثل كتارا أو البوكر، فإننا نتحدث عن الجائزة على أساس المبلغ، وعندما فزت مؤخرًا في تونس بجائزة توفيق بكار للرواية العربية، الكثير سالوني: كم المبلغ؟!، وأنا أعتبر هذا السؤال سائج جدًا”.

وتابع: “أنا أطبع رواياتي على حسابي الشخصي، وأهديها مجانا، وعندما أفوز بجائزة فغنها تحقق لي شهرة، ففي عام 1997 فازت مجموعتي القصصية (اليوبيل الذهبي)، وفي عام 1998 فازت مجموعتي (بيت اللعنة) بجائزة الإبداع العراقي، وهكذا توالت الجوائز، فأنا لا أبحث عن الجائزة كمصطلح نقدي، بل لأنها تعطيني ضوءًا آخر لعمل جديد، وقيمة معنوية وتاريخ”.

بحسب سعيد فإن “الجائزة تعطي الكاتب دافعًا للكتابةن وخوفًا في نفس الوقت، فعندما يفوز الكاتب يقول أنني قد وصلت إلى مرحلة ما، ونحن نعرف أن هناك بعض المسابقات والجوائز التي تقوم على أيدولوجيات معينة، فعلى سبيل المثال فإن روايتي (حب عتيق) التي فازت بجائزة في القاهرة، كانت قد رُفِضَت من قبل 3 دور نشر عربية في السابق، فقط لأنها لم تدغدغ ما يريدونه”.

سفر وأعمال قادمة عن أحب الدول التي يسافر إليها دائما، قال سعيد: “إن مصر هى أكثر الدول التي يحب ان يسافر إليها، وقد سافر بالفعل إليها بـ 7 مرات، فهى تبحث دائما عن الإبداع، وأهلها يبحثون دائما عن شئ جديد”.

وعن مشروعه الأدبي القادم، قال: “لدى الآن 4 مخطوطات جاهزة على الطباعة، وأخطط لطباعة روايتين في عام 2021، وروايتين في عام 2022، ولكن هناك مشروع نقدي آخر جديد أعمل عليه، تحت عنوان (النص الغاضب)، وسيكتمل في مطلع العام 2021″، وفي الختام وجه سعيد كلمة مختصرة للشعوب العربية وللجاليات العربية في أمريكا والخارج.