أزمة ديانة أم أزمة دولة؟.. ماكرون يجدد اتهامه للإسلام بالإرهاب

من جديد عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام كديانة، وذلك بعد أيام من تصريحاته المثيرة للجدل بأن الإسلام ديانة تعيش أزمة على مستوى العالم.
وجاء التصريحات الجديدة لماكرون عقب واقعة مقتل مدرس في ضاحية شمال غرب العاصمة باريس، قال ماكرون إنه كان ضحية “هجوم إرهابي إسلامي”، وأضاف أن الرجل “قُتل لأنه دعا إلى حرية التعبير”.
وأوضح الرئيس الفرنسي أن “الأمة بأكملها” مستعدة للدفاع عن المدرسين وأن “الظلامية لن تنتصر”.
À tous les enseignants de France. pic.twitter.com/YLlIVILTaN
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) October 16, 2020
ووفقًا لشبكة “بي بي سي” فقد ذكرت تقارير إعلامية أن المُدرّس عرض رسومًا كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد أمام الطلاب، وهي الرسوم التي كانت مجلة “شارلي إبدو” قد أعادت نشرها منذ فترة وأثارت أزمة كبيرة داخل المجتمع الفرنسي وخارجه.
وفي 9 أكتوبر الجاري نشر أحد الأشخاص مقطع فيديو قال فيه إن ابنته، وهي مسلمة، كانت واحدة من التلاميذ في الفصل، وإنها صُدمت واستاءت من تصرفات المعلم. وحث الرجل مستخدمي تويتر على تقديم شكوى للسلطات لشطب المدرس، وفقًا لـ”رويترز“.
وذكرت محطة بي إف إم تي في الفرنسية أن المهاجم الذي استهدف المدرس يبلغ من العمر 18 عامًا وولد في موسكو.
وقال مصدر في الشرطة إن شهود عيان سمعوا المهاجم يهتف “الله أكبر”، وتمكنت الشرطة من قتله بالرصاص، فيما تم استدعاء المدعي العام لمكافحة الإرهاب لتولي التحقيق في الهجوم الذي وقع بالقرب من مدرسة في منطقة كونفلانز سانت أونورين شمال غرب العاصمة.
وكان رجل يحمل سكينًا قد هاجم المعلم وقطع رأسه، وفر هاربًا، لكن الشرطة هرعت إلى مكان الحادث فور إخطارها بالهجوم، ولاحقت المهاجم الذي رفض تسليم نفسه، فأطلقت القوات عليه الرصاص، ومات بعد ذلك بفترة وجيزة.
من جانبه قال وزير التعليم الفرنسي، جان ميشيل بلانكير، إن “الوحدة والصمود” هي الرد على “وحشية الإرهاب الإسلامي”، وأضاف عبر حسابه في تويتر، إن قطع رأس المدرس يعد هجومًا على فرنسا، و”اغتيال حقير لأحد خدمها، وهو مدرس”.
وأضاف بلانكير أنه يرسل مواساته إلى أهل الضحية، مُعتبرًا أن الوحدة والصمود” هي الرد على “وحشية الإرهاب الإسلامي”، وفقًا لشبكة (CNN).
إصرار على الإساءة
وكانت قضية الرسوم المسيئة التي أعادت نشرها مجلة “شارلي إبدو” قد أطلقت العنان للانقسامات التي لا تزال تلقي بظلالها داخل المجتمع الفرنسي.
وأثارت الواقعة موجة من العنف خلال السنوات العديدة الماضية، وأسفرت عن هجوم شنه متشددون إسلاميون على مقر المجلة عام 2015 قتل فيه 12 شخصًا، بالإضافة إل حوادث تفجيرات وإطلاق نار وقعت في نوفمبر 2015 في مسرح باتاكلان ومواقع حول باريس، وفقًا لموقع “الحرة“.
وقبل ثلاثة أسابيع، هاجم باكستاني شخصين خارج المقر السابق للمجلة، التي أعادت في الآونة الأخيرة نشر الرسوم بالتزامن مع بدء محاكمة لمتواطئين مزعومين مع منفذي الهجوم على المجلة عام 2015.
وسبق أن أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم على مقر مجلة شارلي إبدو، وهدد بمهاجمتها مرة أخرى بعد أن أعادت نشر الرسوم.
وقالت المجلة الشهر الماضي إنها أعادت نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد لتأكيد حقها في حرية التعبير، ولإظهار أنها لن تصمت بسبب الهجمات العنيفة. وأيد هذا الموقف العديد من السياسيين والشخصيات العامة الفرنسية هذا التصرف، وفقًا لـ”رويترز“.
أزمة دولة أم أزمة ديانة؟
جدير بالذكر أن تصريحات الرئيس ماكرون الأخيرة حول أزمة الديانة الإسلامية كانت قد أثارت ردود فعل غاضبة كثيرة في العالم الإسلامي وأدنها الأزهر الشريف والاتحاد العالمي لعملاء المسلمين.
وكان ماكرون قد وصف الإسلام بأنه ديانة تعيش أزمة على مستوى العالم، وقال إنه يخطط لسنّ قوانين أكثر صرامة للتصدي لما سمّاه “الانعزال الإسلامي”، والدفاع عن القيم العلمانية.
وأضاف أن أقلية من مسلمي فرنسا، الذين يُقدر عددهم بنحو ستة ملايين نسمة، يمثلون خطر تشكيل “مجتمع مضاد”.
وعرض تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” لبعض الآراء المختلفة حول تصريحات ماكرون الأخيرة، والتي تنوعت بين معارضين ومؤيدين لهذه التصريحات.
وهاجم كثيرون تصريحات ماكرون، متهمين إياه بـ”العنصرية” و”كراهية الإسلام والمسلمين”. وتحت عنوان “لماذا يحمل الرئيس ماكرون كل هذه الكراهية للإسلام والمسلمين؟”، تقول صحيفة رأي اليوم اللندنية في افتتاحيتها: “منذ أن جاء ماكرون إلى قصر الإليزيه، وشُغله الشاغل دائما هو التطاول على الدين الإسلامي بطريقة استفزازيّة غير مسبوقة”.
وأضافت الصحيفة أن ماكرون “يدّعي أنه يفرّق بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، ولكنه في واقع الأمر يعادي الاثنين، ويتبنّى سِياسة “الإسلاموفوبيا” لأسباب انتخابية صِرفة بعد تراجُع أسهُمه مقابل اليمين واليمين المتطرف اللّذين تتصاعد حظوظهما وشعبيّتهما في أوساط الرأي العام الفرنسي هذه الأيّام”. وشددت الصحيفة على أن “الإسلام ليس في أزمة، وإنّما ماكرون نفسه هو المأزوم.
فيما رأت صحيفة القدس العربي اللندنية في افتتاحيتها أنه “يمكن قراءة تصريحات ماكرون ضمن سياق إعلان استطلاع أمس، أن زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان ستكون المنافسة الرئيسية للرئيس الفرنسي إذا أجريت الانتخابات الرئاسية الآن، بل إن لوبان، حسب نتائج الاستطلاع ‘ستكون الفائزة بالمركز الأول في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية' فهل يجب أن نقرأ تصريحات ماكرون ضمن هذا السياق التنافسي فحسب، أم أن علينا أن نعترف أنه لا يختلف اختلافًا كبيرًا عن لوبان؟”
وتحت عنوان “أزمة الإسلام أم أزمة ماكرون؟”، يقول حسن أبو هنية في موقع “عربي 21” اللندني: “لا يكف ماكرون عن تصدير أزمات فرنسا المزمنة وفشل سياساته بتنوير بلاده والعالم، في كل مناسبة أو بدون مناسبة، بأن الإسلام مصدر أزمات العالم وسبب مشكلاته”.
ووصف الكاتب تصريحات الرئيس الفرنسي بـ”العنصرية الفاضحة”، مؤكدا أنه “كلما اقترب ماكرون من موعد الانتخابات زادت عنصريته للاقتراب من اليمين المتطرف”.
مؤيدون لماكرون
في المقابل أكد آخرون دعمهم لتصريحات وتصرفات ماكرون، حيث قال محمد بوالروايح في الشروق الجزائرية: “لقد تعامل ماكرون بدبلوماسية عالية ولغة سياسية هادئة عند حديثه عن الإسلام وذلك بفضل المحفزات الإقليمية والدولية”.
وأضاف أن تصريح ماكرون بأن ‘الإسلام اليوم يواجه أزمة في كل العالم' مبنيٌّ على قناعته بأن من يمثلون الإسلام على كل المستويات لم يعد لهم أكثر من أي وقت مضى قبولٌ لدى الغرب لتمثيل العالم الإسلامي، وهذا يمثل فرصة ذهبية لفرنسا لتقدم نفسها على أنها البديل الذي لا مناص منه”.
ويؤكد الكاتب المصري خالد منتصر في صحيفة “الوطن” المصرية أن “ماكرون كل جريمته أنه كان صريحًا، وأنه لم يعط مسكنات، أو يدهن كريمات، أو يرتدى قناعا”.
وأضاف أن تصريحات ماكرون أثارت “غضب المسلمين في أنحاء العالم وسيظل هذا الغضب حائلاً بيننا كمسلمين وبين فهم تلك الأزمة التي نعيشها والتي جعلتنا أكثر الأمم تصديرًا للإرهابيين، وأكثر الدول في نسب الفقر والتخلف، وأقل الدول إسهامًا في الكشوف العلمية”.
ويضيف: “السبب هو فهمنا نحن كمسلمين لهذا الدين وفزعنا ورعبنا من تجديد الفكر الديني، وخوفنا المزمن من أن هذا التجديد سيضيع الدين إلى آخر تلك الأوهام، التي تنعكس بالضرورة على طريقة تفكيرنا في كل مناحي الحياة الأخرى”.
وفي موقع الإخبارية التونسية، رأى شارلز مهند مالك أن “فرنسا بهذه الخطوة تحمي الإسلام في التوقيت الصحيح. فقد قامت القيامة على ماكرون لأنه قال “الإسلام يعيش في أزمة”. ما كذب الرجل؛ تشخيصه حقيقي. نريده أن يكذب لنحبه؟ أي نعم الإسلام يعيش أزمة، والنظام الإسلامي الليبرالي قد يكون أنموذج يحتذى به فنمنع التطرف وتعود للإسلام النظرة التي نأملها جميعا، هذا تماما ما عاشته المسيحية منذ قرون”.