الراديوقصص نجاح

كفاءات عربية مهاجرة.. لقاء خاص مع د. عمر الرضا مستشار الطب النفسي

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة خاصة ومميزة من برنامج “طيور مهاجرة” مع واحد من أهم الكفاءات العربية الشابة المهاجرة، الدكتور عمر أحمد الرضا” مستشار الطب النفسي، وهو طبيب أمريكي من أصل ليبي يقيم في بورتلاند بولاية أوريجون.

حصل “الرضا” على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة بنغازي في ليبيا، كما حصل على شهادة الماجستير في الصحة النفسية العالمية وشئون اللاجئين وضحايا الصدمات من جامعة هارفارد، ثم دكتوراه في الطب النفسي من جامعة تنسي، وشهادة البورد (الزمالة الأمريكية) في طب النفس والأعصاب، وهو استشاري لدى منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات.

ترك “الرضا” بصمة راقية من خلال مشاركاته ضمن مبادرات إنسانية مهمة في مخيمات اللاجئين ومناطق الحرب، وشارك في عدة مشاريع وبرامج تدريب تتعلق بهذا المجال في الولايات المتحدة وخارجها، وهو مؤسس مشروع “ليبيا الشفاء”، و”سوريا الشفاء”، لإعادة التأهيل النفسي للناجين من الحرب، ومتخصص في العلاج باللعب والفن مع الناجين من الصدمة.

العودة إلى الجذور
في بداية الحلقة؛ أعادنا “د. عمر أحمد الرضا” إلى البدايات، حيث الوطن، ليبيا، والأسرة وما وفرته له ولإخوته من حنان وحب ورعاية، وتحدث عن المشكلات الصحية التي واجهت أخته في صغرها بسبب ورم سرطاني في الدماغ، وهو ما أدى إلى وفاتها، وفي نفس الوقت كان ذلك دافعًا له كي يمتهن الطب، كي يعالج مثل هذه المشكلات والتخفيف عن الأسر، ولكن شاءت الأقدار أن يتخصص في الطب النفسي، للتخفيف أيضًا عن مصابي الحروب والصراعات.

وأضاف “الرضا” أنه عاش في ليبيا في السبعينات والثمانينات، وخرج من البلد مكرهًا كلاجئ في عام 1999م، ولكنه لا يزال يتذكر دفء البيوت والكرم ولقاءات الأحباب في ليبيا، خاصة في المناسبات وليالي رمضان.

وبالرغم من أن ليبيا بلد غني، إلا أنه دائما كان هناك نقص في الخدمات الأساسية وفقر وتزاحم للحصول على المواد الغذائية، وحرمان من الممارسات السياسية.

حصل “الرضا” على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة بنغازي في عام 1996م، وبعد 4 سنوات اضطر للخروج من البلد، وحول هذا الأمر قال: “ورد اسمي في تقرير أمني يزعم أنني أقوم بنشاط سياسي، وهذا لم يكن صحيحًا بالمرة، فاضطررت للخروج عبر البحر بقارب نحو مالطا، وهناك قضيت 77 يومًا حتى حصلت على تأشيرة دخول بريطانيا، ومن ثمَّ قدّمت على اللجوء السياسي في بريطانيا التي مكثت فيها بين 1999م و2002م، ولكن تمّ رفضه، وحصلت على لجوء إنساني مؤقت”.

دخول أرض الاحلام
جاء “د. عمر الرضا” إلى أمريكا في شهر فبراير من العام 2002م، حيث تعرف على زوجته في بريطانيا، وهى مواطنة أمريكية من أصول ليبية، وبالتالي كان سهلًا أن يأتي إلى أمريكا، التي يصفها كثيرون بأرض الفرص أو أرض الأحلام، وتذكر “الرضا” صعوبة الحصول على التأشيرة في تلك الفترة بسبب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

وتحدث “الرضا” عن بعض المشكلات المؤسفة والصعوبات التي واجهته في بدايات قدومه إلى أمريكا، ومظاهر الكراهية التي لاقاها من البعض بسبب حجاب زوجته، أو لكونه مسلمًا، أو لأنه من أصول عربية، وذلك بالرغم من أن المجتمع الأمريكي مجتمع متقبل للغير ومبني على الهجرة.

العنصرية وكراهية الآخر
اليوم يتصدر ملف العنصرية محاور انتخابات الرئاسة الأمريكية، هى كانت موجودة، ولكنها الآن في ظل حكم الرئيس “دونالد ترامب” باتت أكثر وضوحًا.

وحول دور العرب الأمريكيين ومساهمتهم في تصحيح هذا الوضع؛ قال “د. عمر الرضا”: “إذا تعرض الإنسان لخطر أو تهديد، فإنه يحدث له نكوص عمري، وقد يقوم بتصرفات طفولية أو غير لائقة، ومن الناحية المجتمعية فإنه بسبب العنصرية والكراهية ووباء كورونا، وحتى الحرائق الموجودة لدينا في أوريجون الآن، فإن البعض يبدأ في النظر إلى غيره من القادمين من مجتمعات أخرى كأعداء”.

وتابع: “لا تزال هناك مشكلة في التواصل الاجتماعي بين الناس، وقد يكون بعضنا من المجتمع العربي هنا، لا نزال نخاف من الاندماج وطمث الهوية، كما أننا نخاف من الآخر، وهذا الآخر أيضًا قد يكون خائفًا منّا، بسبب جهله بنا، وأظن أن السبب الرئيسي في كل ذلك يعود إلى ضعف التواصل الاجتماعي بيننا، كما أن الإنسان نتاج لطفولته وللأحداث التي مر بها”.

العرب والطب النفسي
عن عائلته الحالية في أمريكا؛ قال “د. عمر الرضا” إن والد زوجته كان أيضا لاجئًا سياسيًا في الولايات المتحدة لظروف معينة، لذا فإن زوجته كانت تقيم بالولايات المتحدة منذ سنوات طويلة، وقد رزقه الله بثلاث بنات هن (رابحة وخديجة وفاطمة).

وحول النمو النفسي السليم للأطفال سواء في ليبيا أو أمريكا أو غيرهما، قال إن “الأطفال بحاجة إلى أن يؤمنوا بأن العالم مكان آمن، وأن البالغين يمكن الوثوق بهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية”.

وتابع: “في غياب هذا الشعور بالأمان، ينشأ الطفل مشوشًا ومشوهًا، وقد تبدو منه تصرفات غير سويّة، وقد يفكر في الانتحار، خاصةً إذا كان مهملًا أو مكسور القلب، فنحن ـ مع الأسف ـ نهتم بأطفالنا ماديًا، ونتجاهلهم عاطفيًا”.

وبالنسبة لمدى إهتمام الجاليات العربية باللجوء إلى الاختصاصيين النفسيين في حالة وجود مشكلة ما؛ قال “الرضا” إن أهالي المجتمعات العربية والإسلامية نادرًا ما يفعلون ذلك، ويلجأون إلى الاستشفاء بطرق أخرى، وبالنسبة للجاليات العربية هنا يحدث نفس الشئ، أعداد قليلة جدًا تلجأ إلى المتخصص، وربما يعود ذلك إلى سوء الفهم، فالبعض يظن أن اللجوء إلى المختص النفسي يكون فقط بسبب الجنون أو وجود ضعف بالإيمان.

بصمات إنسانية
حصل “د. عمر الرضا” على شهادة الماجستير في الصحة النفسية العالمية وشئون اللاجئين وضحايا الصدمات من جامعة هارفارد في عام 2006م، ثم دكتوراه في الطب النفسي من جامعة تنسي في عام 2009م، ثم شهادة البورد في طب النفس والأعصاب عام 2009م، وقد شارك في العديد من المبادرات الإنسانية المهمة في مخيمات اللاجئين ومناطق الحرب، في ليبيا وسوريا وبنجلاديش وغيرها.

وحول هذه المشاركات التطوعية، قال “الرضا” إنه “بالرغم من تلك النزاعات والمآسي، فهناك تركيز على الجانب الروحاني والشفاء المجتمعي النفسي، لذا فقد ركزت على علاج الأطفال، لاسيما العلاج باللعب والعلاج بالفن، ورفع كفاءة المختصين المحليين، وزيادة التثقفيف المجتمعي، وخلق مساحات آمنة تحترم الدين والعادات والتقاليد والخصوصية المجتمعية، إلى جانب خدمات استشفائية متخصصة، سواء كلامية أو دوائية”.

وتحدث “الرضا” عن زياراته إلى ليبيا والتي تجاوزت 6 زيارات، ومحاولاته تقديم الشفاء للمحتاجين، دون الانصياع للصراع السياسي والعسكري على الجانبين، كما تحدث عن زيارته إلى مخيمات اللاجئين السوريين، وكذلك في بنجلاديش.. حيث مخيمات اللاجئين الروهنجا الهاربين من بورما.

مآسي اللاجئين
حول أهم المشكلات التي تحتاج إلى لفت الانتباه إليها داخل مخيمات اللاجئين، قال “د. عمر الرضا” إن تلك المشكلات كثيرة، لكن ـ على سبيل المثال ـ في مخيم “كوكس بازار” في بنجلاديش، كان الروهنجا لديهم مشكلة كبيرة متعلقة بالهوية، فهم ليس لديهم أيّ أوراق ثبوتية عن هويتهم، فكانوا يتمنون أن يحصلوا على أوراق تثبت انتماءهم.

في سوريا؛ كان الأطفال في وضع متأزم جدًا، ليس لديهم أيّ شعور بالأمان، إلى جانب النقص الشديد في الاحتياجات الأساسية، أما الوضع الليبي فهناك القليل من المخيمات والتهجير، ومعظمه تهجير داخلي، لذا فقد كانت معظم الأعمال التي قمت بها هناك داخل المدن والقرى، وليس داخل المخيمات.

نبذ الكراهية وتعزيز التقارب
فيما يخص نبذ الكراهية والتطرف والتعاون من أجل تقريب وجهات النظر، فإن “د. عمر الرضا” من المعاونين في مجال إقامة حوارات لتقريب وجهات النظر وفض النزاعات، ومؤسس مشروع الترابط الأسري والمجتمعي. في هذا الصدد أوضح “د. عمر الرضا” أنه مساهم في العديد من هذه المشاريع، الخاصة بالترابط الأسري والنظم المجتمعية وتقويتها.

وأضاف “الرضا” أنهم يقيمون ورش عمل للتخلص من آثار الحرب على النظام الأسري والمجتمعي، وبرامج توعية للتركيز على العلاقة بين الأزواج وبين أولياء الأمور والأبناء، وبين أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، موضحًا الأسباب التي دفعته إلى تأليف كتابه “على عاتق الحبيب”، ثم كتابه الثاني “طفولة في زمن داعش”.

كما تحدث “الرضا” عن قصة مأساوية تتعلق بقتل داعش لابن أخته في بنغازي، لمجرد أنه قد خرج للبحث عن حليب لطفلته الصغيرة، وأوضح الأسباب التي قد تدفع البعض للانضمام إلى مثل هذه الحركات المتطرفة، كما تحدث عن ضرورة تعزيز مفاهيم الدين الصحيح لأبناء الجاليات، وجانب المعاملات والجانب الاجتماعي للدين الإسلامي، فالأطفال والشباب بحاجة إلى الإشباع العاطفي والنفسي والمعنوي قبل الإشباع المادي.

ألفة ومحبة وسعادة
ليس هناك حياة زوجية خالية من المنغصات والمشكلات، لكن بالإمكان التأسيس للألفة والمحبة والسعادة الزوجية داخل الأسرة، سواء في أمريكا أو أي مكان بالعالم، حول هذه النقطة قال “د. عمر الرضا”: “إذا كان بيتك غير آمن اليوم، فابدأ من اليوم تأسيس ذلك الأمان، والله (سبحانه وتعالى) ذكر ان الزواج ميثاق غليظ، وهو مبني على المحبة والرحمة، فالسكينة أمر مهم بين الزوجين، وهذا يحدث بأمور بسيطة بينهما، يجب الاعتناء بها”.

وأضاف: “يمكننا تلخيص هذه الأمور البسيطة في 6 نقاط، وهى (نظرة.. فابتسامة.. فسلام.. فكلام.. فموعد.. فلقاء)، نستعملها لتقوية العلاقات الأسرية، إلى جانب ضرورة الاهتمام باللقاءات الأسرية وقضاء وقت طويل بين أفراد الأسرة للتقارب والاطمئنان على مختلف الأحوال، خصوصًا الأحوال النفسية والعاطفية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى