بعد استقالة رئيس الوزراء اللبناني.. هل فشلت المبادرة الفرنسية؟

يزداد المشهد في لبنان تعقيدًا يومًا بعد يوم، بسبب الخلاف المستمر بين القوى السياسية والذي يسفر في النهاية عن فشل الحكومات في أداء مهامها وكذلك فشل الجهود الساعية لتشكيل حكومة بديلة تساهم في حل مشكلات البلد المفعم بالأزمات.
في هذا الإطار جاء الإعلان عن استقالة رئيس الوزراء اللبناني المكلف مصطفى أديب، اليوم السبت، بعد فشل محاولاته لتشكيل الحكومة لمدة شهر تقريبًا.
فشل واعتذار
وقال أديب في كلمة متلفزة: “يأتي اعتذاري بعدما أصبحت التشكيلة الحكومية بالمواصفات المطلوبة محكومة بالفشل”، متمنيًا التوفيق لمن سيتبعه فيما وصفها بـ”المهمة الشاقة”، وفقًا لشبكة (CNN).
وأوضح أنه كان يسعى لتشكيل حكومة اختصاصيين تلتزم مع الكتل النيابية بالإصلاحات التي تسمح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ”تجييش” المجتمع الدولي لدعم لبنان.
وأضاف أن الكتل النيابية قابلت رؤيته بـ”ارتياح”، لكن التوافق الذي كان ظاهرًا حين تولى منصب رئاسة الحكومة، لم يعد قائمًا في المراحل الأخيرة لتشكيلها، ما دفعه للاعتذار عن المهمة.
ضربة لفرنسا
ووصف مراقبون استقالة أديب بأنها تمثل ضربة للمبادرة الفرنسية، والتي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طرحها بعد انفجار بيروت لحل الأزمة السياسية في البلاد، ودعا ماكرون لتسمية مصطفى أديب، السفير السابق في برلين، لتشكيل الحكومة بعد حصوله على إجماع من جانب الزعماء الطائفيين، وفقًا لـ”رويترز“.
ولذلك اعتبرت فرنسا أن الوضع الذي أدى إلى استقالة أديب يرقى إلى “خيانة جماعية” من قبل الأحزاب السياسية، التي تعهدت بدعم أديب، وقال مصدر دبلوماسي فرنسي “إنها نكسة لكننا لن نستسلم”، مؤكدًا أن بلاده لن تتخلى عن لبنان.
وكانت المبادرة الفرنسية تهدف إلى حشد الطوائف اللبنانية المختلفة خلف حكومة غير حزبية من أجل معالجة أسوأ أزمة تواجهها البلاد منذ الحرب الأهلية، وتضمنت خارطة الطريق الفرنسية اتخاذ الحكومة الجديدة خطوات للتصدي للفساد وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحريك مساعدات دولية بمليارات الدولارات لإصلاح الاقتصاد الذي انهار بسبب الديون.
الوزارات السياسية
وكان قد تم تكليف مصطفى أديب بتشكيل الحكومة في 31 أغسطس الماضي، وتعهد زعماء الطوائف المختلفة لفرنسا بالتجاوب معه من أجل خروج حكومة جديدة بحلول منتصف سبتمبر، لكن جهود أديب تعثرت بسبب الخلاف على التعيينات في الوزارات السيادية والمحاصصة الطائفية، لاسيما في منصب وزير المالية، الذي سيكون له دور رئيسي في وضع خطط الإنقاذ الاقتصادي.
وكانت حركة أمل الشيعية وحزب الله المدعوم من إيران قد طلبا أن يتم خصيص عدة وزارات لهما، بما في ذلك وزارة المالية، خاصة وأن الوزير السابق كان شيعيًا، في حين كان أديب يسعى لتغيير نظام المحاصصة وإنهاء سيطرة بعض الفصائل على وزارات معينة.
وفشل أديب في التوصل إلى اتفاق مع الفصائل الشيعية بشأن كيفية اختيار وزير المالية، فيما أبدى زعماء الشيعة مخاوفهم من أن يتم تهميشهم، وقالوا إن أديب لم يجر مشارورات بشكل كاف.
تدخل إيراني
ويرى مراقبون أن التدخل الإيراني ساهم في إفشال جهود تشكيل الحكومة اللبنانية، مشيرين إلى أن الفصائل المدعومة من إيران أرادت تعطيل تشكيل الحكومة في انتظار نتيجة الانتخابات الأمريكية في 3 نوفمبر المقبل.
ويقول محللون إن ذلك على صلة بفرض عقوبات أمريكية على وزير سابق من حركة أمل بالإضافة إلى مصالح تجارية مرتبطة بحزب الله.
وتملك الفصائل الشيعية، وتحديدا حزب الله وحركة أمل، اليد العليا في السياسة والاقتصاد في لبنان، بسبب نفوذهما في قطاعات هامة مثل الأمن والقطاع المالي، وكذلك بسبب عدم وجود كتلة سنية قوية، وفقًا لموقع “بي بي سي“.
ويرى مراقبون أن الحزبين الشيعيين سيسعيان إلى حماية مصالحهما، وأنه بدون ضغط دولي والتهديد بتجميد أرصدة السياسيين اللبنانيين في الخارج، فلن يقدم أي طرف تنازلات من أجل تغيير حقيقي.
مصير المبادرة الفرنسية
ووفقًا لموقع “بي بي سي” فإن مصطفى أديب كان الخيار الأفضل لتجاوز الأزمة السياسية في لبنان في وقت تشهد فيه البلاد أسوأ وضع سياسي واقتصادي في تاريخها، وقلما تتوافق القوى السياسية اللبنانية على أمر ما، لذا كانت الموافقة على تكليف أديب بتشكيل الحكومة من بين الحالات النادرة في الحياة السياسية اللبنانية.
وجاء هذا التوافق في إطار اعتراف من القوى السياسية اللبنانية بأنها لم تعد تملك خيارات لمعالجة الأزمة سوى التوافق وعدم إهدار مزيد من الوقت والفرص، لذا حظيت المبادرة الفرنسية بترشيح أديب بتأييد الكتل السياسية الأساسية وعدد من رؤساء الحكومات السابقين، وذلك تحت ضغط الشارع المنتفض والرئيس الفرنسي ماكرون.
وبعد استقالة أديب لا زالت القوى السياسية تؤكد أهمية التمسك بالمبادرة الفرنسية لحل الأزمة، حتى أن أديب نفسه قال في خطاب استقالته إن لبنان يجب ألا يتخلى عن المبادرة الفرنسية أو يبدد نوايا ماكرون الحسنة.
فيما قال زعيم حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري إن جماعته ما زالت تؤيد الخطة الفرنسية وتدعمها.
فيما وجه رئيس الوزراء السابق سعد الحريري انتقادات حادة للمسئولين عن فشل تشكيل الحكومة، متهما إياهم بالفشل في إدارة الشأن العام ومقاربة المصلحة الوطنية.
وقال الحريري “إن من يحتفل بفشل المبادرة الفرنسية سوف يأسف على إضاعته الفرصة.. نقول لهؤلاء ستعضون أصابعكم ندمًا لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء، ولهدر فرصة استثنائية سيكون من الصعب أن تتكرر لوقف الانهيار الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب”، وفقًا لموقع “الحرة“.
ويرى مراقبون أن المبادرة الفرنسية قد تكون تعثرت لكنها لم تسقط، مشيرين إلى أن القوى السياسية ستحاول إيجاد مخارج لإحياء هذه المبادرة، من أجل الحفاظ على استقرار البلاد وحل أزماتها، خاصة وأنه لا توجد حلول أخرى سوى الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وهو أمر قد ترفضه فرنسا لأنها تسعى لتسريع الحل حتى تتمكن من جلب مساعدات مالية عاجلة للبلاد.
ووفقًا لموقع “الحرة” يرى المراقبون أن فرنسا يمكنها إحياء المبادرة عن طريق ممارسة ضغوط كبيرة، أو فرض عقوبات على الطرف المعرقل وهو حزب الله وحركة أمل.