الراديوقصص نجاح

عالمة الأدوية الدكتورة ميس عبسي.. قصة نجاح عربية في قلب لندن

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة مميزة من برنامج قصة نجاح، استضاف خلالها الإعلامى “مجدى فكرى” عالمة الأدوية “د. ميس عبسي”، حيث دار اللقاء معها حول نشأتها في حلب بسوريا وتخرجها من كلية الصيدلة، ثم رحلتها إلى بريطانيا، حيث تخصصت في دراسة علوم الأدوية والصيدلة، وحصولها على شهادتي الماجستير والدكتوراه في علوم الأدوية من جامعة مانشستر.

كما تضمن اللقاء الحديث عن الصعوبات التي واجهتها في بريطانيا، والأحلام التي تسعى لتحقيقها، وتطرق الحديث أيضًا عن علاقتها بالوطن الأم سوريا، وكيف تتواصل معها، وكيف ترى تطور البحث العلمي في مجال الصيدلة بالوطن العربي، وآخر التطورات في اللقاحات العالمية التي يتم إنتاجها لمواجهة كورونا.

بطاقة تعارف
وُلِدَت “د. ميس عبسي” وعاشت في سوريا قبل أن ترحل إلى إنجلترا لتبدأ قصة نجاح غاية في التميز، حيث تعمل الآن هناك في الكلية الملكية في لندن، وتقوم بتدريس علوم الفسيولوجيا والأدوية، وتتركز أبحاثها على علوم القلب والأوعية الدموية وبيولوجيا الأدوية، وخلال السنوات الماضية امتلكت خبرة واسعة في الأبحاث والتدريس والدراسات العليا.

حصلت على زمالة أكاديمية التعليم العالي من بريطانيا، وتم تكريمها من عدة مؤسسات، ففي عام 2011م تم اختيارها ضمن 15 باحثة على مستوى العالم للحصول على جائزة اليونيسكو ـ لوريال لأبحاث النساء، وذلك في مجال أبحاث علوم الحياة، وسمحت لها هذه المنحة أن تعمل كباحثة زائرة لجامعة مانشستر ببريطانيا.

كما حصلت أيضا على منحة من الجمعية الأوروبية لأمراض التنفس، مما أتاح لها المجال لزيارة جامعة فاندربيلت بالولايات المتحدة، للعمل على تطوير عدد من المهارات البحثية، وتأسيس مجالات للتعاون مع أحد أهم مراكز البحث في العالم، وكذلك منحة باحث علمي متميز من جامعة جنيف بسويسرا.

وقد عملت أيضًا في سوريا لمدة أكثر من 3 سنوات، وقامت بتأسيس مركز متميز للبحث العلمي، وتمت ترقيتها لمنصب رئيس قسم علم الأدوية والسموم في كلية الصيدلة بجامعة حلب.

البداية من حلب
في بداية الحلقة وبعد الترحيب بالدكتورة “ميس عبسي”؛ جرى الحديث عن بداياتها في مدينتها حلب العريقة، حيث قالت إنها تفتخر بكونها سورية الأصل، فسوريا مهد الحضارات بلا منازع، كما أن مدينتها حلب تعدّ من كبريات المدن السورية، وهى مركز التجارة والأموال والعمارة في سوريا، وتاريخها عريق جدًا، وبها عدد كبير من الآثار.

أما عن دور الأسرة في حياتها وتأثيرها على شخصيتها؛ فقالت: “نشأت في أسرة متوسطة الحال، والدتي كانت مُدرّسة، وأبي كان موظفًا، وكان لدي 3 أخوات، كانت أسرتنا صغيرة وملتزمة بالعادات والتقاليد، أسرة محافظة لكن بدون تزمت، فقد كانت لدينا حرية مناقشة الرأي والتعبير، وهذا ما ساهم في صقل شخصيتي بهذا الشكل”.

وأكدت “د. ميس”، من خلال تجربتها الشخصية، أنه على كل شخص يسعى نحو النجاح، أن يقارن نفسه من أين انتهي ووصل، وأين كان في بداياته، وألا يقارن نفسه بالآخرين.

ذكريات الطفولة والشباب
في الجزء الثاني من الحلقة؛ تحدثت “د. ميس” عن ذكريات طفولتها وشبابها في مدينة حلب العريقة ودروبها وشوارعها، حيث قالت إنه “بالرغم من عدم وجود الوسائل التكنولوجية الحديثة المتوافرة الآن، إلا أن الحياة كانت أبسط، وكانت العلاقات الاجتماعية أقوى بكثير، وخلال وقت فراغي كنت أركز على هواياتي، خاصة الشعر والرسم”.

وتابعت أنها كانت تعشق الذهاب إلى المدينة القديمة، حيث تستهويها المناطق التاريخية القديمة، حيث القلعة وسوق المدينة، كما أنها قضت جزءًا كبيرًا من طفولتها في بيت جدها، الذي وصفته بأنه كان مثقفًا جدًا وقارئًا كبيرًا للكتب والموسوعات، وكذلك عند جارهم الذي كان مؤلفًا لكتب الإعجاز القرآني، وهذه الأشياء كان لها عظيم الأثر على شخصيتها فيما بعد.

وأضافت: “منذ صغري وكنت أحب العلم والمطالعة بشكل كبير، الشعر والنثر والكتب العلمية وكل الكتب، ومنذ دخولي إلى المدرسة وحتى تخرجي من الجامعة، كنت الطالبة الأولى وفي كل سنة”.

كما تحدثت عن الصعوبات التي واجهتها إبان تلك الفترة، حيث كانت تخضع سوريا لعقوبات أمريكية، لكنها بالرغم من كل ذلك كانت تسير بخطى واضحة نحو هدفها.

وذكرت أن أهم طموحاتها أن تتعمق في مجال العلاجات والأدوية، لكن كان من الصعب عليها أن تتخرج لتعمل في صيدلية، حيث كانت ترغب في استكمال مسيرتها العلمية في هذا المجال، وأن تتعمق أكثر في علم الدواء والصيدلة.

مسيرة نجاح
عن دراستها للصيدلة وخطواتها نحو النبوغ والتفوق في هذا المجال، قالت: “درست في كلية الصيدلة بجامعة حلب، واجتهدت بشكل كبير لمدة 5 سنوات، حيث كنت خلالها أنا الطالبة الأولى، بالرغم من ضعف الإمكانيات وعدم توافر الإنترنت وأساليب التدريس التلقينية، وعقب التخرج حصلت على منحة للدراسة بالخارج في جامعة مانشستر، حيث سجلت للماجستير في علم تأثير الأدوية الجزيئي”.

وتابعت أنها واجهت صدمة في بداية انتقالها للدراسة في مانشستر، سواءً بسبب اختلاف طريقة التدريس، أو المناهج وطريقة البحث عن المعلومات، أو اللغة، أو الثقافة والتقاليد المختلفة، بالإضافة إلى البعد عن الوطن، وغيرها من الصعوبات، لكنها في النهاية استطاعت أن تتغلب عليها، وتحولها إلى دافع للتفوق.

وأضافت أنها أنّهت الماجستير في وقت قياسي، وكانت الطالبة الأولى، وحصلت على تقدير امتياز وتكريم، كما أنّهت أيضًا الدكتوراة في وقت قياسي قبل الوقت المخصص لذلك، وعقب ذلك عادت إلى سوريا، حيث قضت فيها 3 سنوات، كان آخرها في 2011، حيث عادت مجددًا إلى بريطانيا بسبب الحرب.

خلال الأعوام الثلاث التي قضتها في سوريا كان طموحها أن تصنع نقلة نوعية في مجال التدريس والبحث العلمي، حيث أسست مركزًا علميًا، كان الأول من نوعه، في تأثير الأدوية الجزيئي، وكان مجهزًا بأحدث التجهيزات، كما بدأت في عقد اتفاقيات تعاون مع جامعات غربية، في سويسرا وبريطانيا، وذلك بالرغم من صعوبة الأمر في البداية، ولكن للأسف مع بداية تحسن الأمور، بدأت الحرب، واضطرت للعودة مجددًا إلى بريطانيا.

إصرار على التفوق
فيما يتعلق بالمجال العلمي الذي تخصصت فيه، وهو أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الضغط والسمنة، قالت إن “أمراض الأوعية الدموية وداء السكري في تصاعد كبير في وطننا العربي، لكن هذا الشئ يمكن تجنبه من خلال العودة إلى زيادة الحركة والرياضة، والعودة إلى النظام الغذائي الصحي، والتخلي عن تقليد النظام الغذائي الغربي الخاطئ”.

في عام 2011م، تمّ اختيارها ضمن 15 باحثة على مستوى العالم للحصول على جائزة اليونيسكو ـ لوريال لأبحاث النساء، وعن هذه الجائزة وأهميتها وتأثيرها على مسيرتها العلمية، قالت: “قدمت في هذه المسابقة في آخر يومين، وقد تعرضت للاستنكار من بعض الأشخاص بجامعة حلب، حيث استنكروا أن أتنافس مع نساء باحثات من كبرى الجامعات حول العالم، لكن هذا الأمر زادني تصميمًا وإصرارًا على المشاركة، والحمدلله أنني قد فزت بالجائزة”.

وعن هذا التكريم قالت إنه يعنيّ لها الكثير، وهو دافع ومثال على ضرورة المحاولة مهما كان الأمر، فلو كنت استمعت للآراء التي استنكرت مشاركتها لما كانت لتصل إلى هذا التكريم، وقد كان لهذا التكريم تأثير كبير لها على الصعيد الشخصي والمهني.

علوم الصيدلة وكورونا
وعن سبب تراجع علوم الصيدلة والعلوم الطبية في الوطن العربي، قالت: “مشكلتنا ليست في الطاقة البشرية، فلدينا في الوطن العربي شباب ذكي جدًا، لكن للأسف يصطدم بالواقع الملئ بالبيروقراطية، وهذه البيروقراطية هى التي تقتل البحث العلمي والتقدم الأكاديمي، بالإضافة إلى ذلك فإن موضوع التمويل يمثل عقبة أيضًا أمام الباحثين، بالرغم من أن بلادنا فيها ثروات ضخمة، لكن سوء التوزيع والتخطيط يهدران هذه الثروات”.

وتابعت: “من المؤسف أيضًا أن العقلية العربية تسعى إلى الربح السريع، لكن ثمار البحث العلمي لا تظهر إلا بعد سنوات، وربما تحتاج إلى جيل كامل، فهذا استثمار طويل الأمد”.

وعن أدوية فيروس كورونا المستجد؛ قالت: “خلال أشهر سيكون متوفر إما علاج لأعراض المرض، أو لقاح للوقاية منه، لدينا الآن تقريبًا 160 لقاح، وحاليًا قد وصلت 10 منها إلى المرحلة الأخيرة.

وسواء كان القضاء على كوفيد-19 باللقاح أو بالعلاج أو من خلال تطور المناعة الطبيعية ضد المرض، ففي نهاية الأمر فإن تضافر هذه الأمور الثلاثة إلى جانب الإجراءات الوقائية، تدل على أننا نسير في الطريق الصحيح للمرض”.

هوايات وذكريات
بالنسبة لأوقات الفراغ والاستجمام بعيدًا عن متاعب العمل، قالت: “أوقات فراغي ليست كثيرة، ولكن أحاول دائما ان أجد وقتًا من أجل الاستمتاع بالطبيعة، أذهب إلى المتنزهات أو الجبال، أحب المشي والتصوير والرسم والشعر وتربية النحل وهواية جمع المشروم، وخلال الأجازات الطويلة أحب السفر خارج بريطانيا، من أجل الشعور بمتعة السفر والتعرف على ناس جدد وثقافات مختلفة”.

وعن علاقتها بالوطن الأم، سوريا، قالت: “من المؤسف أنني قد تركت في سوريا بيتي وأهلي وعملي وأقاربي وأصدقائي وذكرياتي، وعلى الصعيد الشخصي كانت هناك صعوبات كثيرة بسبب الحرب، حيث توفت والدتي بسبب السرطان، وتوفت أختي في أمريكا، ومعظم هذه الصعوبات كانت تؤثر فيّ، ولكنني في كل مرة كنت أتعامل معها على أنها دافع لي نحو الأمام”.

وعن زياراتها للدول العربية؛ قالت: “قبل 2011م كانت معظم زياراتي لدول غربية، ولكن بعد الحرب في سوريا بدأت السفر إلى الدول العربية، حيث زرت لبنان عدة مرات، وزرت الإمارات ومصر والجزائر، ولكل دولة طابعها الخاص، وأخطط أن أزور باقي الدول العربية”.

رسالة أخيرة
وفي ختام الحلقة، وجهت الدكتورة ميس رسالة للجالية السورية والعربية في أمريكا؛ قالت فيها: “ثقْ بنفسك واصغْ لطموحك، لا يوجد شئ اسمه Dead Line، المهم أن تبدأ وأن تبدأ اليوم، والأهم من كل ذلك هو ألا تقارن نفسك بالآخرين، ولكن قارن نفسك مع نفسك، لتعرف من أين انطلقت وإلى أين وصلت”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى