الراديو

التطبيع مع إسرائيل.. لماذا نرفضه ولماذا نؤيده؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

أثار إعلان توقيع اتفاق للسلام وتطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل ضجة كبرى داخل العالم العربي وخارجه، وما بين مؤيد ومعارض للخطوة الإماراتية التي وصفها البعض بالشجاعة ورآها البعض الآخر غير مبررة يبرز السؤال: لماذا نرفض التطبيع مع إسرائيل، ولماذا نؤيده؟

فلماذا يرفض الرافضون طالما أن دولًا عربية وإسلامية عديدة سبقت الإمارات إلى التطبيع مثل مصر والأردن وباكستان وإندونيسيا، وحتى تركيا التي تتشدق بالقضية الفلسطينية رغم علاقاتها ومصالحها المشتركة مع إسرائيل؟

ولماذا يؤيد المؤيدون رغم أن هذا يعتبر تخليًا عن القضية الفلسطينية وتفريطًا في حقوق الشعب الفلسطيني المهدرة حتى الآن، وتخليًا عن المبادرة العربية للسلام المطروحة منذ عام 2002؟

هذه الأسئلة وغيرها ناقشتها الاعلامية “ليلى الحسيني” مع الدكتور “عاطف عبدالجواد”، الإعلامي والمحلل السياسي والخبير في العلاقات العربية ـ الأمريكية، في فقرة خاصة من “ما وراء الحدث”.

محطة أخيرة للتطبيع
* د. عبدالجواد؛ من المؤكد أن التطبيع الإماراتي ـ الإسرائيلي لم يأتِ بين عشية وضحاها، فقرارات إقامة العلاقات بين الدول لا تأتي عشوائية، بل هى المحطة الأخيرة على درب التقارب، سريًا كان أو علنيًا، فهل تتفق معي في ذلك؟

** نعم، بدون شك، وكان واضحًا للجميع في هذه الحالة معظم الخطوات التي سبقت هذه المحطة الأخيرة، وبالتحديد جاء وباء كورونا فدلّل لنا على مدى التعاون بين إسرائيل والإمارات في هذا المجال، إذن بدون شك كانت هناك خطوات سابقة من التعاون الوثيق، وتمّ تتويجها الآن بالإعلان عن التطبيع علنيًا.

تطبيع متسلسل
* لماذا يرفض الرافضون طالما أن دولًا عربية وإسلامية عديدة سبقت الإمارات إلى التطبيع، مثل مصر والأردن وباكستان وإندونيسيا، وحتى تركيا التي تتشدق بالقضية الفلسطينية رغم علاقاتها ومصالحها المشتركة مع إسرائيل؟

** الرافضون والمؤيدون كلاهما مخطئ، فالرافضون يرفضون لسبب بسيط، وهو أنه ليس هناك مقابل، فعلى ماذا حصلت الإمارات من إسرائيل مقابل هذه الهدية باهظة الثمن؟، وعلى ماذا حصل الفلسطينيون في المقابل؟، وهل تمت هذه الخطوة بشكل إنفرادي؟، أم أنها جزءًا من استراتيجية شاملة؟، أيّ أنه قد تمّ التفاوض بشانها مع الجامعة العربية والجانب الفلسطيني وباقي الدول العربية، على أن يؤدي هذا الاعتراف إلى شئ مفيد بصورة عامة للدول العربية.

ولكن في الغالب، وأنا لا أتعجل الأمور الآن، فربما تصبح واضحة بشكل أكبر في المستقبل، أنه ربما هناك شئ مخقيّ لا نعلمه، ولكن مما نراه اليوم فإن هذه الخطوة عشوائية، وعلينا أن نعترف أن هذا ليس غريبًا، فمعظم قرارات الدول العربية هى عشوائية.

موقف متحول
* أعود مجددًا للسؤال: لماذا هذا الانفراد؟، فعندما قامت موريتانيا بالتطبيع مع إسرائيل قامت الإمارات بانتقادها، وبشدة، ووصفت الاتفاق بأنه خرق للإجماع العربي، وأنها خطوة تضعف التضامن وتشتت المواقف، فما الذي تغير اليوم؟

** هناك نقطتان في وضع الإمارات حاليا؛ النقطة الأولى.. أن الإمارات تسعى الآن إلى تشكيل تحالف اقتصادي وعسكري قوي مع إسرائيل لتشكيل قوة موازنة لمواجهات التهديدات والتحديات التي تراها الإمارات من وجهة نظرها في المنطقة، مثل تهديدات إيران، واحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، النقطة الثانية.. أنه يمكن أن يعود هذا التحالف على الإمارات بالفائدة الاقتصادية خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط.

لكن من ناحية أخرى، نجد أن الإمارات تبرر هذه الخطوة بأنها في صالح القضية الفلسطينية، حيث تزعم أن من شأن هذا التطبيع إيقاف ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، ولكن مما قاله ترامب ونتنياهو فإن إسرائيل لا تعتزم وقفًا مستديمًا للضم، وإنما فقط “تعليق” أو وقف مؤقت للضم.

طوق نجاة أم إنجاز؟!
* د. عبدالجواد؛ أعود معك إلى المؤيدين، حيث يقولون أن هذا تخليّ عن القضية الفلسطينية وحقوقه المهدرة حتى الآن، وتخليًّا عن المبادرة العربية للسلام، والمطروحة منذ عام 2002م، ولكن هناك من يرى أن اتفاق الإمرات وإسرائيل هو طوق نجاة لترامب ونتنياهو، وليس إنجازًا تاريخيًا للعرب. فكيف ترى ذلك؟

** بدون شك فإن هذا الإتفاق يشكل هدية كبرى لنتنياهو بالتحديد، لأنه يواجه وضعًا داخليًا سيئًا، في ظل الاتهامات التي تلاحقه والمظاهرات المعارضة ضده، لكن بالنسبة لترامب فإن هناك مكسب ولكن بدرجة أقل، فالناخب الأمريكي لا يهتم كثيرًا بالشئون الخارجية، إلا فئة الإنجيليين، وهى فئة مهمة بالنسبة للرئيس ترامب.

تهديدات إيرانية
* تقديم التطبيع المجاني بعد عشرات السنوات من الإصرار على عدم التفريط في هذه الحقوق، فهل ترى أن الخطر الإيراني الذي أشرت إليه كافٍ لأن نقوم بهذه الخطوة، فـ”روحاني” حذّر الإمارات من تبعات فتح المنطقة لدخول إسرائيل إليها، وقال إن إيران سوف تتصرف معها بشكل مختلف.

من جانبها قالت الخارجية الإماراتية في إطار ردها على ذلك، بأنه خطاب غير مقبول وتحريضي، ويحمل تداعيات خطيرة على الأمن وعدم الاستقرار في منطقة الخليج العربي، فهل هذا هو السبب وراء القيام بخطوة التطبيع وإتمامها؟

** بدايةً، هذا ما قد تراه الإمارات، فدول الخليج ترى تهديدات إيرانية ضدها، وهذا ليس كلامي، بل كلام دول الخليج وعلى رأسها الإمارات، وكذلك كلام الولايات المتحدة، لكن من ناحية أخرى يجب ان نشير إلى أن إيران ليس ملاكًا من الملائكة، فهى ترسل تهديدات كثيرة إلى الدول الخليجية وكذلك صوب إسرائيل.

وبشكل عام، فإن السياسة لا تقوم على الأخلاقيات، على خلاف العلاقات الشخصية بين الأفراد، فلا يمكن أن نصف دولة بأنها منافقة وأخرى على أنها أمينة، فعلى المستوى الدولي هناك المصالح التي لا تدخل الأحلاق فيها. لذا يجب أن نتخلى عن فكرة مواصلة وصف سلوك الدول كما نصف سلوك الأفراد، فالمسألة مسألة مصالح، ولابد أن هناك وراء القرار الإماراتي أسبابًا.

ولكن المشكلة الكبرى ـ من وجهة نظري ـ ليست في القرار في حد ذاته، وإنما في إذا ما كانت الإمرات قد حصلت على مقابل يعادل هذه المكافأة الكبيرة.

مواقف متباينة
* في إطار حديثنا عن المواقف، ماذا عن موقف قطر وتركيا، لماذا كل هذه الغضب التركي من العلاقات بين الإمارات وإسرائيل؟، فلا يمكن أن يكون السبب هو التطبيع لأن تركيا لديها علاقات تجاوزت هذا الموضوع ومنذ زمن، وأيضا قطر، وعلى الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين تل أبيب والدوحة، إلا أن المحادثات بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي. إذن إذا لم نسميّه نفاقًا، فماذا يكون؟

** هذا دليل على آخر على أن السياسات أو المواقف التي تتخذها الدول ليست مبنية على استراتيجيات شاملة واضحة ومدروسة، وإنما هى قرارات ومواقف عشوائية، ودعيني أقول أنه على سبيل المثال فإن تركيا وقطر وما إلى ذلك تتخذ قراراتها أيضا على ضوء وضع آخر، وهو المقاطعة أو الغضب الذي تواجهه من جانب مصر ومجموعة من الدول الخليجية، وبالتالي فإن موقفها يحتوي على نوع من الانتقام.

* هناك تساؤلات حول الصمت السعودي إزاء إقامة علاقات بين إسرائيل والإمارات، وفي تصريح لـ”كوشنير”، كبير مستشاري البيت الأبيض، قلّل من هذا الصمت وأبدى قناعته من أن الرياض ستتوصل إلى التطبيع الكامل مع إسرائيل، على اعتبار أنه أمر حتميّ. فكيف تبرر الصمت السعودي؟

** الصمت السعودي هو صمت الانتظار والصبر وتحاشي الغضب وردود الفعل السلبية، وهو أيضا نو من أنواع بالونة الاختبار، فإذا كانت السعودية تنظر في المستقبل القريب أو البعيد في خطوة كهذه، فإن الاعتراف الإماراتي بإسرائيل أشبه ببالونة الاختبار، كي تتعلم منه السعودية عندما تبدأ في تطبيع علاقاتها بإسرائيل.

فالوضع بالنسبة للسعودية سيكون أشد، نظرًا لأن السعودية تمثل رمزية كبيرة جدًا مقارنة بالإمارات، لأن السعودية هى بلد الحرمين، والمسلمون والعرب بصورة عامة يتطلعون إليها بصورة خاصة لمكانتها في وجدانهم وحياتهم.

غياب الدور العربي
* هل يمكن أن نقول أن قرار التطبيع أصبح مرهونًا بما ستقرره كل دولة على حدا، خاصةً وأن الوضع الدولي تغير وأصبحنا نتعامل مع أمر واقع، ولكن كيف سينعكس ذلك على تاريخ الامة العربية؟

** أولًا، ليست هى أمة عربية، إلا من ناحية ظاهرية، والدليل على ذلك هو ما نراه الآن، قرارات كل دولة تأتي بشكل عشوائي، ثانيًا فإن النسيج العربي الذي يمكن أن نشير إليه يتمثل في جامعة الدول العربية، فأين هى جامعة الدول العربية؟، لا وجود لها!

هل كان هناك تنسيق بين الإمارات وفلسطين والجامعة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب؟!، لا، لم يكن هناك أيّ تنسيق. ولو نظرنا إلى وضع العلاقات بين الدول العربية وبعضها البعض سنجد حروب باردة بين الدول العربية وبعضها.

وبشكل عام، فأنا لست من معارضي التطبيع بشكل عام، ولكن أرغب في أن يكون هناك مكاسب يمكن الحصول عليها في مقابل التطبيع. بالتأكيد سيكون هناك تحديات أمنية، ولذلك يأتي السؤال: ما هو المقابل لهذا التطبيع؟، فعلى سبيل المثال.. أنا كنت أتصور أن تقوم الإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن بشرط دخول الفلسطينين إلى القدس الشرقية وإقامة عاصمة لهم فيها، وكان هذا هو الموقف الأمريكي منذ العام 1993م.

مكاسب غائبة
* ما هى المكاسب التي يمكن أن تحققها الإمارات من التطبيع مع إسرائيل، مقارنة بما حققته الدول التي سبقتها في هذا الأمر؟، فأنا لا أرى مكاسب حقيقية إلا لمصر، فالسادات استطاع على الأقل أن يسترجع سيناء.

** في مصر يمكننا أن نجد تبريرًا معقولًا وقويًا، فالسادات عندما طبّع واعتراف بإسرائيل، استطاع استرجاع الأرض المحتلة في شبه جزيرة سيناء، وهذا أمر يمكن القبول به كتبرير، ولكن ما أبحث عنه هنا.. ما هو المقابل الذي ستحصل عليه الإمارات؟، ما هو العائد الذي سيعود عليها؟، خصوصًا وأن هذه الخطوة لن توقف إجراءات إسرائيل لضم أراضي الضفة الغربية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى