انفجار بيروت يطيح بحكومة حسان دياب.. ولكن ماذا بعد؟

طالت تداعيات انفجار بيروت المروّع حكومة حسان دياب، التي اضطرت لتقديم استقالتها، اليوم الاثنين، وذلك بعد موجة احتجاجات غاضبة، أعقبت الانفجار الذي دمر ثلثي العاصمة اللبنانية، وأوقع مئات الضحايا وآلاف المصابين.
وقَبِل الرئيس اللبناني، ميشال عون، استقالة الحكومة، وطلب منها الاستمرار بتصريف الأعمال لحين تشكيل الحكومة الجديدة، وفق بيان نقله التلفزيون اللبناني.
مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور شقير: الرئيس عون شكر دياب والوزراء وطلب منهم الاستمرار بتصريف الاعمال ريثما تُشكل الحكومة الجديدة
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) August 10, 2020
وكان حسان دياب قد تولى رئاسة حكومة لبنانية جديدة في يناير الماضي، وذلك بعد استقالة حكومة سعد الحريري في 17 أكتوبر الماضي على خلفية احتجاجات طالبتها بالاستقالة أيضًا.
أزمة إنسانية
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه محافظ بيروت أن حصيلة القتلى جراء الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت يوم الثلاثاء الماضي تفوق 200 شخص. وأوضح المحافظ مروان عبود أن عشرات الأشخاص، منهم الكثير من العمال الأجانب، مازالوا مفقودين، وفقًا لموقع “بي بي سي“.
فيما قدر عدد المصابين بأكثر من 6 آلاف شخص، وتشريد نحو 300 ألف آخرين، ويعيش مئات الآلاف من اللبنانيين في منازل دمرت بشدة، كثير منها بلا نوافذ، أو أبواب، وبلا مياه أو تيار كهربائي.
وحذرت وكالات الأمم المتحدة من حدوث أزمة إنسانية إذا تأخر وصول المساعدات الطبية والأغذية إلى لبنان.
وكان مانحون دوليون قد تعهدوا بمساعدات قيمتها 297 مليون دولار إلى لبنان، وذلك في قمة عُقدت عبر الإنترنت أمس الأحد، وأكدوا أن التمويل يجب أن “يصل مباشرة إلى اللبنانيين”.
استقالة الحكومة
وكان رئيس الوزراء اللبناني، حسان دياب، قد أعلن اليوم الاثنين، استقالة حكومته، وكشفت وزيرة الدفاع اللبنانية، زينة عكر، لشبكة (CNN) أن استقالة الحكومة لا تعني أنها المسؤولة عما جرى، مؤكدة أنها كانت الحكومة الوحيدة الخالية من الفساد منذ الحرب الأهلية.
وجاءت استقالة الحكومة تحت ضغط الشارع اللبناني، حيث شهدت العاصمة اللبنانية أمس ليلة ثانية من الاشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين غاضبين من أسلوب تعامل الحكومة مع الكارثة.
ولم تفلح استقالة عدد من النواب والوزراء في تهدئة غضب المحتجين الذين رأوا أن الانفجار كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، في أزمة طويلة الأمد ناجمة عن الانهيار الاقتصادي والفساد وهدر الموارد وسوء الإدارة، فخرجوا إلى الشوارع مجددًا مطالبين بتغيير شامل.
واستقال 3 وزراء رسميًا قبل إعلان استقالة الحكومة وهم وزيرة الإعلام اللبنانية منال عبد الصمد، ووزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار، ووزيرة العدل في لبنان ماري كلود نجم. وقالت مصادر وزارية وسياسية إن وزراء آخرين كانوا سيحذون حذوهم، وبينهم وزير المالية.
كما أعلن عدد من النواب في البرلمان استقالتهم وعلى رأسهم النائب مروان حمادة، وتلته تريسي شمعون سفيرة لبنان في الأردن، التي استقالت من منصبها احتجاجًا على ما وصفته بـ”الإهمال والسرقة والكذب”.
كما تقدم عدد آخر من النواب باستقالاتهم وهم: هنري الحلو، إفرام نعمة، ميشال معوض، بولا يعقوبيان، سامي الجميل، نديم الجميل، إلياس حنكش، وذلك احتجاجًا على طريقة إدارة الحكم في البلاد في أعقاب الانفجار.
حديث عن الفساد
وفي كلمة له بعد تقديم استقالة الحكومة، قال رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب إن الانفجار القوي الذي هز بيروت وفجر مشاعر الغضب لدى المواطنين كان نتيجة للفساد المستشري.
وأضاف: ”نحن اليوم نحتكم إلى الناس، إلى مطلبهم بمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة المختبئة منذ سبع سنوات، إلى رغبتهم بالتغيير الحقيقي“. وفقًا لـ”رويترز“.
وقال دياب: “نريد أن نفتح الباب أمام الإنقاذ الوطني الذي يشارك اللبنانيون في صناعته، لذلك، أعلن اليوم استقالة هذه الحكومة”.
ودعا رئيس الوزراء اللبناني، يوم السبت الماضي، إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة على خلفية التوترات التي تشهدها الساحة اللبنانية، قائلًا “نريد حلا وطنيا، لقد تسلمنا المهمة في وقت استثنائي، ما حدث كان نتيجة الفساد وسوء الإدارة التي قادتنا إلى هنا”.
وتعهد دياب بمحاسبة المسؤولين عن التفجير. وفي هذا الإطار قرر مجلس الوزراء اللبناني مؤخرًا إحالة التحقيق في الانفجار إلى المجلس العدلي، وهو أعلى سلطة قانونية في البلاد ولا يمكن الطعن على أحكامه. ويتولى المجلس عادة أهم القضايا الأمنية.
ماذا بعد؟
استقالة الحكومة، كان مطلبًا من مطالب المحتجين الطامحين إلى تغيير شامل يطال كل النواحي في البلاد، لكن كثير من اللبنانيين يتشككون في إمكانية حدوث تغيير حقيقي في بلد يهيمن عليه النظام الطائفي منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها 15 عامًا، من عام 1975 إلى عام 1990.
ويتطلب نظام الحكم أن يتشاور الرئيس عون مع الكتل البرلمانية بشأن شخصية رئيس الوزراء المقبل، وهو ملزم بتعيين المرشح الذي يحظى بأكبر قدر من الدعم بين أعضاء البرلمان.
وكان ميشال عون قد كلّف حكومة دياب بتسيير الأعمال لفترة مؤقتة، حيث ستتم الدعوة لإجراء استشارات نيابية ملزمة، ستسمّي خلالها الكتل النيابية من يرونه مناسباً لتولي رئاسة الحكومة، ومن يحصل على عدد أكبر من الترشيحات سيكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وفقًا لموقع “بي بي سي“.
وحتى الآن فإن الاسم الوحيد المطروح هو سعد الحريري، ولكن هناك تساؤلات حول مدى اقتناع اللبنانيين بعودته لرئاسة الحكومة، وهل سيقبل هو رئاسة حكومة يشارك فيها ممثلون عن حزب الله.
ويتطلع الكثير من اللبنانيين أن تكون الحكومة المقبلة حكومة تكنوقراط، بينما دعا الرئيس اللبناني ماكرون إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان.
لكن تجارب اللبنانيين السيئة مع حكومات الوحدة الوطنية التي لا تهتم سوى بتقاسم السلطة وتمثيل القوى السياسية على مختلف أطيافها، ثم تعاني البلاد من تصارع هذه القوى وتعطيلها لأي محاولة للإصلاح وسط غياب التوافق بين أعضائها.
ولعل هذا ما يجعل اللبنانيين يميلون إلى المطالبة بحكومة تكنوقراط تكون قادرة على حل مشاكلهم وإخراجهم من الأزمات الكثيرة التي تعاني منها البلاد وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية.