مليارات بروكسل.. كم منها يصل للسوريين وهل يكفي لإنهاء مأساتهم؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
في ختام مؤتمر بروكسل الرابع لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، تعهد المانحون بـ 5.5 مليار دولار لدعم العمليات الإنسانية وبرامج المرونة والتنمية في عام 2020، و بـ 2.2 مليار دولار للاستجابة للأزمة في عام 2021 وما بعده.
لمناقشة التوصيات والنتائج التي خرج بها المؤتمر استضافت الإعلامية “ليلى الحسيني” الدكتورة ناهد غزول، التي حضرت المؤتمر كممثلة عن غرفة عمان، في اللقاءات التحضيرية التي أقامتها رابطة الشبكات بتركيا، ثم في اللقاءات الرسمية لمؤتمر بروكسل، وألقت الكلمة التوافقية للسوريين في الداخل والخارج أمام المبعوث الأممي لسوريا، السيد “جير بيدرسون”، ومنسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، السيد “جوزيف بوريل”.
يُذكر أن “د. ناهد غزول” هى أكاديمية سورية، وزميلة باحثة في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، وناشطة إنسانية، وعضوة في البرلمان العالمي للتنمية البشرية، وجمعية المرأة النسائية الجامعية، كما أنها عضوة في غرفة المجتمع المدني بعمان التابعة للمبعوث الأممي لسوريا منذ إنشائها عام 2016.
طبيعة المؤتمر
* تدخل الأزمة السورية عامها العاشر، حيث تسبّبت في مستويات قياسية من الاحتياجات الإنسانية داخل سوريا وفي الدول المجاورة، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، وتهجير الملايين الذين يعاني معظمهم من الجوع وسوء التغذية، وتفاقمت الأزمة في ظل أزمة وباء كورونا المستجد “كوفيد-19”.
د. ناهد؛ هل لكِ أن تحدثينا قليلًا في البداية عن مؤتمر بروكسل الرابع لدعم مستقبل سوريا والمنطقة؟، من حضر؟، ومن ثمَّ لاحقًا سنناقش هذه المنح، وكم سيصل في الحقيقة للسوريين منها.
** هو مؤتمر دوري، وهذه هى النسخة الرابعة له، وهو مؤتمر مالي بامتياز للمانحين، يُقدم فيه الدعم لداخل سوريا، ولدول الجوار التي تستضيف اللاجئين السوريين، طبعًا أجواء المؤتمر هذه السنة كانت مختلفة عما قبلها، فقد كان هناك لقاء تحضيري أجرته شبكة الرابطات السورية في تركيا (SNL).
وبموجب ذلك كانت هناك عدة محاور تم طرحها من قبل الاتحاد الأوروبي، تتعلق بسبل العيش، وحماية المرأة والطفل، والتعليم والعدالة والصحة، وخرجت أوراق عمل مشتركة تحدد الأولويات بالنسبة للنازحين واللاجئين والسوريين في الداخل.
الحاضرون والجلسات
* وماذا عن الأطراف التي كانت حاضرة؟
** في اللقاءات التشاورية الأولى، كانت منظمات المجتمع المدني السورية، وغرفة دعم المجتمع المدني التابعة للمبعوث الأممي، ومختلف الفعاليات الإنسانية والإغاثية من كافة الأطياف، والإخوة الأكراد من أربيل ومن بيروت ومن عمان ومن تركيا، بالإضافة لبعض المشاركين من أوروبا.
وفي لقاءات 22 و23 يونيو، كان هناك ما يسمى باللقاء الحواري، حيث أداره الاتحاد الأوروبي مباشرة، وفيه كان هناك ممثلون من تركيا ولبنان والأردن، وللأسف في الأردن تغيب المنظمات السورية، نظرًا لأن القانون يمنع إنشاء هذه المنظمات، لذا قلما يوجد منبر للسوريين يتحدثون من خلاله، ولكن حضر رئيس الهيئة الخيرية الهاشمية ووزير التخطيط الأردني، ومن لبنان حضر أحد الوزراء، وتحدث عن أرقام مخيفة، حيث قال إنهم صرفوا 18 مليار دولار على السوريين، ومن تركيا تحدث أيضًا بعض المسئولين.
بعدها انتقلنا إلى المرحلة الأعلى، حيث نظّم مكتب المبعوث الأممي اجتماعات متواصلة من 25 إلى 29 يونيو، حضرها سوريون من الداخل؛ ممثلين للنظام والمعارضة، وكذلك من مختلف دول اللجوء، وكان المطلوب هو أن نخرج بورقة تفاوضية، والحقيقة الورقة التفاوضية كانت دائمًا تشكل حجر عثرة خلال المفاوضات التي كانت تتم في بروكسل، حيث دائمًا ما يريد أحد الأطراف أن يُقحم السياسة في الشئون الإنسانية أو طريقة تحديد الأولويات.
وهذا المؤتمر كان مؤتمر مالي بامتياز، وليس للنقاشات السياسية، وأنا كتبت للمشاركين في المؤتمر أن أوروبا كانت قد تنحّت جانبًا وأخذت موقفًا سلبيًا في إصلاح العملية السياسية، وتقوم بالتعويض عن ذلك بدفع مبالغ مالية لتخفيف المعاناة عن السوريين في الداخل وفي دول الجوار، ويجب على أوروبا أن تفعل دورها السياسي، لأن إعطاء المال ليس هو الحل.
أطراف فاعلة
* حثّ الأمين العام جميع من لهم نفوذ على مساعدة السوريين إلى الدفع باتجاه إيجاد أرضية مشتركة لحل النزاع، من هم الآن اللاعبون الحقيقيون وأصحاب النفوذ لإيجاد حل سياسي في سوريا؟
** أولًا، روسيا، لأنها هى من الأطراف المعطلة، نتيجة اختلاف الحل السياسي مع مصالحها الاقتصادية حاليًا، خاصةً وأنها هى الوحيدة الآن التي تستثمر في حقول النفط والغاز، وقد انسحبت منذ عدة أشهر من اتفاقية تحييد المنشآت الحيوية في سوريا، بمعنى أنها تريد أن تضرب المنشآت الحيوية مثل المنشآت الطبية والمدارس وخلافه، كما أنهم طوال الوقت يستخدمون “الفيتو” لتعطيل كل الحلول السياسية.
ثانيًا، أمريكا، فلا يكفي إطلاق قانون قيصر فقط لحل هذه المشكلة، ولكن قد يتسبب هذا القانون بطريقة أو بأخرى في زيادة معاناة السوريين بالداخل، الذين هم بالأساس يعانون بما يكفي، وهناك نقطة هامة بمؤتمر بروكسل ولكنها لم تؤخذ بعين الاعتبار، وهى فتح الـcross borders، بحيث يتم فتح مجال العمل بين الدول أمام المنظمات السورية والدولية الفاعلة، وإلا فإن الداخل السوري سيعاني من مجاعة حقيقية.
فساد وغلاء فاحش
* في ظل الغلاء الفاحش الذي تشهده سوريا، ووصول الدولار إلى 3000 ليرة سورية، كيف سيعيش المواطن السوري في الداخل؟، خاصةً وأن معظمهم دخلهم أقل من 55 دولارًا، وهناك من يقل دخله عن 30 دولارًا.
** بالتأكيد إذا كان الدبلوماسي دخله يكون من 50 إلى 70 دولارًا، فكيف ستعيش باقي الشرائح التي يقل راتبها عن ذلك بكثير!، يعيشون على رحمة الله، فحاليًا في الظروف الراهنة أخبرني أحد الأغنياء أن الآيس كريم أو البوظة أصبحت من الأمور المنسيّة، لم يعد أحد يستطيع شراءها لأطفاله، فبالكاد يستطيع الناس أن يوفروا قوت يومهم.
والأزمة تلقي بظلالها على دول الجوار أيضًا، فالعجز الاقتصادي الذي حدث في لبنان بسبب الحجز على رؤوس الأموال في الجنوب، وأكثر من 126 مليار دولار قد تمّ تهريبهم من قبل رجال أعمال سوريين، وتمّ وضعها في بنوك لبنانية وتم الحجز عليها، فهذه ربما هى أول كارثة تقصم ظهر هذا الاقتصاد، بالإضافة إلى تداعيات الحرب واللجوء والفساد المستشري هناك.
وبشكل عام، فإن الأوضاع الاقتصادية في سوريا متدهورة بشدة، والنظام لا يُلقي بالًا للمواطن وما يصيبه، فعلى سبيل المثال ومن قبل أن يدخل قانون قيصر حيز التنفيذ؛ توقف بيع الدواء في سوريا، ويتم حرق المحاصيل وتجريف الأراضي الزراعية، مع وعود بتعويض أصحابها، لكن ذلك لم يحدث.
والنازحون في إدلب يعانون، والخيام ممزقة ومكتظة، ويتم توزيع 50 ألف ربطة خبز على 2.2 مليون شخص موجودن هناك، ويتحجج النظام بعدم وجود طحين، وفي نفس الوقت يتم تصدير الخبز من سوريا إلى لبنان ليستخدم كعلف للدواب، هذا بخلاف تصدير الكهرباء إلى لبنان بينما يغرق الشعب السوري في الظلام بسبب تجار الحروب!
* هل هناك أمور أو حسابات سياسية تدخل في قضية تصدير الكهرباء وغيرها من سوريا إلى لبنان، خاصةً في ظل احتياج سوريا لها؟
** نعم، الأمر عبارة عن شراء ولاءات سياسية، وتحييد الدور اللبناني، والسماح بدخول عناصر حزب الله إلى سوريا، وما إلى ذلك.
حضور ونتائج
* بالعودة إلى المؤتمر؛ من حضر من الداخل السوري؟، وهل يمكن لكِ د. ناهد أن تلخصي لنا أهم نتائج المؤتمر؟
** من الداخل السوري حضرت بعض الشخصيات ـ بغض النظر عن ذكر الأسماء ـ التي تمّ تصنيفها على أنها من المجتمع المدني، حيث قام مكتب المبعوث الأممي لسوريا السيد “جير بيدرسون” باختيارهم، وهم مشاركون بشكل دائم في بروكسل، وكان هناك منظمتين تمثلان منظمات المجتمع المحلي لتحديد الاحتياجات المطلوبة.
أما بالنسبة للورقة التفاوضية أو التوافقية التي خرج بها السوريون، وعُرضت في الجلسة الأولى، فكانت تتعلق بـ5 بنود، أهمها الالتزام بالميثاق الدولي لحقوق الإنسان، وبالعهود والمواثيق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، كمدخل للعمل الإنساني في سوريا، ونحن كنا نرى أن الحل السياسي العادل والشامل القائم على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن هو المدخل الرئيسي لضمان مستقبل سوريا والسوريين وضمان وحدة أراضيهم وخروج القوات الأجنبية من كافة الأراضي.
أيضًا، كنا نطالب بخروج كافة المعتقلين، والكشف عن مصير المغيّبين لدى كافة الأطراف، أيضًا لضمان مستقبل عادل لسوريا.. فنحن بحاجة إلى عودة آمنة وطوعية إلى سوريا لكافة اللاجئين والنازحين إلى مسكنهم الأصلي، وأخيرًا.. فإننا نعيّ عمق الأزمة السورية، وعليه فنحن نعمل على تلافي الآثار الإنسانية لهذه الأزمة، ونعمل على ضمان وصول المساعدات بكل السبل الممكنة، ونحن نطالب بتحييد كافة المدنيين من كافة العقوبات.
تبني التوصيات
* هل تبنى مؤتمر بروكسل كل هذه التوصيات؟
** نعم، لأنه ولأول مرة يُطلب منا أن نناقش مبدأ العدالة، فبالرغم من أن هذا مؤتمر مالي، لكن إذا لم يتحقق مفهوم العدالة والعدالة الاجتماعية لن تصل المساعدات لمستحقيها، والأوربيون يريدون أن يعرفوا إلى أين ستذهب الأموال، وهل فعلًا هذه الأموال ستذهب في طريق تنمية مستدامة، أم ستكون فقط مجرد دعم مستمر دون أي نتائج.
هذا بالإضافة إلى تحييد المدنيين من كافة العقوبات، فهذه هى أول مرة يلتقي معنا ممثل الاتحاد الأوروبي عن شئون العقوبات المفروضة على سوريا، حيث التقى معنا بجلسة خاصة، من أجل أن يتحدث عن العقوبات وتأثيرها، وعن طموح الاتحاد الأوروبي من وراء العقوبات إلى إسقاط النظام والوصول إلى حل سياسي عادل.
وبالتالي؛ يمكنني القول إنه بالفعل تمّ تبني هذه التوصيات، وتم الأخذ بها، ونتمنى أن يتم العمل بها.
مستحقي الدعم
* من خلال متابعتي لردود الأفعال حول هذه المنحة البالغة أكثر من 7 مليارات دولار؛ أجد بعض السوريين غير متفائلين بما سيصل إلى المحتاجين من هذه المبالغ المالية، فكيف تردين على ذلك؟، فهناك من يقول أن هناك استقطاعات كبيرة من قِبل الأمم المتحدة وغيرها. فكم سيصل للسوريين برأيك؟
** للإنصاف لن يصل حتى 10%، بحسب رأيي الشخصي وعملي مع منظمات دولية، فحتى الأمس كانت اليونيسف تحتاج إلى 246 مليون دولار لدعم التعليم، أما باقي المبلغ فربما يُصرف جزء كبير منه كرواتب رفيعة المستوى للموظفين الكبار في هذه المنظمات، بخلاف الفساد والرشاوي، وما سيتبقى هو ما سيصل للسوريين.
وبصدق.. فإن ما يُعطى إلى دول الجوار هو ميزانية دول، علمًا أن اللاجئ في دول الجوار جائع، ومريض لا يُعالج، فالمفوضية في الأردن أغلقت أبوابها، وتقول إنها ليس لديها أيّ دعم، ولا تجيب حتى على الهاتف، فالسوريين في المشافي ينتظرون الصدقة حتى يتم علاجهم.
حقائق غائبة
* ألم يعي منظمو المؤتمر هذه الحقائق، وأنه لن تصل هذه الأموال إلى من يستحقوها؟
** مسؤولة الاتحاد الأوروبي لم تعقّب عندما ذكرتُ أمامها هذه الأرقام، وقلت أن 60% من هذه الأموال كأجور ومصاريف إدارية، و20% للفساد، و10% للمجتمع المضيف، و10% إلى اللاجئين، وأنا طالبت وقلت لماذا لا يقوم الاتحاد الأوروبي بعملية مراجعة لآلية صرف هذه الأموال، وأن يكون هناك تتبع لها للتأكد من وصولها للهدف المنشود.
فقالت المسؤولة شئ واحد، وهو أنهم لا يدركون أن هناك فساد، فأجبتها بأنني أدرك هذا الفساد، وإذا أردتِ أن أطلعك على حقائق كثيرة حول الأمر، فأنا أرى أن توجيه الأموال إلى دول الجوار هى أشبه بالترضية، كي يبقوا على اللاجئين على أراضيهم بدلًا من أن يجعلوهم يذهبون إلى أوروبا.
بالنسبة للداخل السوري؛ ربما يتم صرف الدعم بطريقة أفضل، لأن هناك فعلًا حاجة شديدة جدًا، لكن للأسف هناك آلة حرب، وهذه الآلة تدمر كل ما يُبنى، وتجعل الآمان غير موجود، والعدل غائب.
ودعيني أستذكر كلمات منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، السيد “جوزيف بوريل”، حيث قال “بعد 9 سنوات ماضية من الصراع هناك خطر بأن يصبح العالم مناعة ضد صور وأحداث المعاناة غير المقبولة، ولكن لا يمكن السماح بحدوث ذلك، ولا يمكن تجاهل محنتهم”.
وأضاف أنه من الواجب الإنساني استمرار دعم الشعب السوري، ولا يجب أن تمر الجرائم الجماعية التي ارتكبت في سوريا دون عقاب، ولا يمكن لأوروبا ان تدير ظهرها للشعب السوري.