طبيبك الخاص

العيادة النفسية – كيف تحقق الاستقرار النفسي في حياتك؟

استشارات نفسية يقدمها د. وجدي عطية – أعدها للنشر: هارون محمد

يتسم عالم اليوم بالإيقاع السريع في كل شيء، فمع صوت جرس منبه الاستيقاظ في الصباح أنت مطالب بعمل كل شيء في سرعة، فأمامك دقائق معدودة لكي تنتهي من حمامك وإفطارك وارتداء ملابسك، وكذلك الوصول لمكان عملك متجاوزًا عقبات الزحام وضغط الوقت لكي تكون هناك في الموعد المطلوب.

ومع تزايد ضغوط الحياة والسرعة الهائلة والصراع مع الوقت يسقط الكثيرون فريسة للتوتر والقلق والاضطرابات النفسية، وهو ما جعل الجميع يبحثون عن كيفية تحقيق الراحة والاستقرار النفسي وسط كل هذه الضغوط.

وتعني الراحة النفسية خلو الإنسان من الاضطراب أو القلق أو المرض النفسي، فهو يحتاج إلى أن يكون في حالة اتزان وانسجام وراحة نفسية وعقلية تنعكس على صحته ومعنوياته الشخصية، وطريقة تعامله مع أسرته ومع المجتمع المحيط به.

ويبقى السؤال المهم هو: كيف يمكن للشخص العادي التأكد من أنه مستقر نفسيًا، وأنه يتمتع بالنضج الانفعالي، ويمتلك الرغبة والحافز لتحقيق أهدافه في الحياة، متغلبًا على كل الضغوط الحياتية التي قد تقابله؟. وكيف يمكن أن يساعده استقراره النفسي في التعامل مع من حوله بطريقة إيجابية.

الدكتور وجدي عطية، أستاذ الصحة النفسية والسلوك بجامعة جورج واشنطن سابقًا، أجاب لنا على هذا السؤال، من خلال برنامج “العيادة النفسية” الذي يذاع عبر أثير “راديو صوت العرب من أمريكا”.

تقبل الرأي الآخر

في البداية يشرح لنا د. وجدي عطية أهمية تقبل الشخص للرأي الآخر، وأن يأخذ بعين الاعتبار آراء الناس فيه. فمثلًا عندما يقال لك أن أسلوبك اختلف، فعليك ألا تأخذ ذلك بأنه انتقاد وتجريح في شخصيتك، فربما يقصد من يقول لك ذلك خيرًا؛ فهو يدعوك لأن تنظر إلى نفسك أكثر من مرة، وتبدأ بالتفكير فيما قاله لك. وعند عودتك إلى المنزل، عليك أن تسأل نفسك: “لماذا قيل لي أن هناك شيء في تغير أو ليس جيدًا؟”، وهذا يوجب علينا مراجعة النفس باستمرار.

تحلى بثقافة الاعتذار

يلفت الدكتور وجدي أيضًا إلى نقطة مهمة جدًا وهي القدرة على الاعتذار. فعندما ينتقدك شخص في مرحلة ما لكونك لم تتصرف معه جيدًا، قل له “أنا أسف”، فهذه الكلمة تدل على فهمك لما قاله لك، وربما حدث هذا الانتقاد لك لأنك لم تكن لديك القدرة على السيطرة على نفسك في تلك اللحظة، أو أن ذلك حدث لأسباب أخرى.

استمع قبل أن ترد

في ثقافتنا العربية للأسف نحب الرد السريع، ولا نحب أن نسمع، فإذا هم شخص بأن يتحدث إلينا نقول له “أنا أعلم ما تريد قوله”، وهذا خطأ؛ لأننا يجب أن نستمع قبل أن نرد، وحتى إن لم تحب الكلام الذي يقال لك، فيجب عليك أن تأخذ نفسًا عميقًا وتفكر قبل أن ترد، وإذا لم يكن لديك رد، فقل له “عذرًا أنا أدرك أن الكلام الذي تقوله مهم جدًا، لكن هل يمكن أن نؤجل المناقشة فيه في الوقت الحالي”.

خذ وقتك في التفكير

إذا قيل لك شيء، أو طلب منك أحد رأيًا في شيء معين، فخذ وقتك في التفكير فيه ولا تتسرع في الرد عليه، وفكر فيه مرة أخرى عندما تكون هادئًا في المساء، فقد يكون ما قيل لك يحمل وجهة نظر صحيحة، فمثلًا يمكن أحيانًا أن تلبس قميصًا أو بدلة أو كرفاته، وتكتشف فيما بعد أن الكرفاته ليست جيدة، رغم أنك رأيتها في المرآة واقتنعت بها، والسبب في ذلك أنه ربما في اللحظة التي ارتديت فيها هذه الكرفاته كان هناك شيء في دماغك لم يكن يعمل بالشكل الصحيح، وهذا الأمر يتعلق بالملائمة (matching).

امتلك التقدير والفهم بشكل صحيح

التقدير والفهم الصحيح عاملان مهمان جدًا في العلاقات الإنسانية، وأهمها العلاقة بين الزوجة والزوج، وبين الأولاد ووالديهم، وبين الأشقاء والجيران وأصدقاء العمل. فوجود هذا المبدأ بشكل عام مهم جدًا في بناء العلاقات الإنسانية.

حافظ على التعاون والمحبة مع من حولك

كنت أعيش في أسرة مكونة من 9 أبناء والأب والأم، وفي نفس العمارة التي كنا نسكن فيها كان لنا جيران مسيحيون ومسلمون ويهود، وكنا نعيش كلنا كأسرة واحدة بسعادة. فلو تعبت ولم أستطع  الوصول إلى الدور الرابع الذي كنت أسكن فيه، كنت أدخل إلى الدور الأول، عند المدام كوهان، وأكل وأشرب، وكانت تعطيني بعض المال كمصروف، ثم أصعد إلى الدور الرابع.

كانت الحياة سهلة، وفيها حب وطمأنينة، وكنا نشعر بالأمان، فعندما تقرع باب منزلك، ولم تفتح لك والدتك أو والدك الباب فأنت لا تخاف لأنك تشعر أنك بين أهلك، لأن كل سكان العمارة كانوا عبارة عن أسرة واحدة.

عزز صحتك النفسية

إذا تأكدت من سلامة صحته النفسية، فيجب عليك أن تعزز هذه السلامة، ولا تعرض نفسك لمخاطر اعتلال صحتك النفسية، وهذا أمر مهم جدًا؛ لأن الطبيعة البشرية تتأثر بمتغيرات لا تحمل أنت مسؤوليتها. فمثلًا الجو اليوم جيد، وغدًا سيكون الجو بارد، وبعده سيكون الجو حار، وهناك متغيرات كثيرة جدًا تجعلنا أحيانًا عصبيين بدون سبب.

فكر بأسلوب مختلف

من المهم عندما نجد شيء يزعجنا أو نعاني من الضغوطات، أن نفكر في مواجهة ذلك بأسلوب آخر، وذلك كالآتي:

أولًا: خذ نفسًا عميقًا، وإن لم يفيدك ذلك من المرة الأولى فأعده مرة أخرى.

ثانيًا: فكر في المشكلة وقسمهما إلى جزيئات، فمثلًا إذا خرجت الزوجة بدون أن تخبرك تغضب جدًا، رغم أنها كل مرة تخرج بدون أن تخبرك، فلماذا تأثرت جدًا هذه المرة؟، حاول أن تتصل بها، لكي لتعرف السبب قبل أن تخلق مشكلة بدون أي داعي، فقد تكون الزوجة خرجت بدون إخبارك لأن شقيقها مريض، وهذا يعتبر شيء منطقي، وسيجعلك تدرك أنك قمت بتكبير المشكلة وهي لا تستحق كل هذا. وإن كانت هناك مشكلة تحتاج إلى حل، فعليك أن تحاول حلها بهدوء.

كن قدوة لأبنائك

القدوة شيء مهم في حياتنا، وسأعطي رسالة تبين كيفية استخدام ذلك في تربية أولادنا. فالأولاد يلاحظون معاملة الأب والأم مع بعضهما البعض ومع الجيران، ويتأثروا بما أعجبوا به من تعامل ويأخذوه، ويلفظوا ما لم يعجبوا به. فنحن مدرسين ومعلمين لأولادنا بدون أن نشعر. لذلك عندما تأتي بعد عدة سنوات لا تشتكي من أن أولادك لا يهتموا بك، بينما هم لم يلاحظوا اهتمامك بوالديك من قبل، فإن لم تكن أنت قدوة لهم فلا تلومهم.

وعلينا أن نفكر جيدًا، خاصة أن ما سنقوم به اليوم أمام أولادنا سنجده فيهم عندما يكبروا، لأننا قدوتهم، ولأنهم سيعتادون على ما يروننا نفعله. فلو أنت شخص يصرخ ويتعصب بدون سبب، ويأتي بعد ذلك ابنك ويصرخ ويتعصب دون سبب، فلا تسأله “لماذا تتعصب؟!”، فأنت تسببت له في صراع داخلي ولخبطة، فسيقول لك الابن “أنت طوال عمرك تصرخ وتتعصب، فلماذا أكون أن مخطئ إذا فعلت مثلك؟”.

وأنت اليوم أب لأولادك، وغدًا ستكون جد لأحفادك، ومن سيهتم بك عند كبرك هم أولادك وأحفادك. لذا فعليك أن تضع قواعد، وأن تكون قدوة لهم، بالأفعال وليس بالكلام، فيجب أن يروا قدوتك الحسنة بأعينهم، من خلال تعاملك مع والديك، واهتمامك بأقاربك وجيرانك، ويروا أنك تحرص على عدم رمي الورق في صناديق القمامة وليس في الشارع، لكي تسبب الضرر لغيرك.

وعندما تلاحظ قيام أولادك بشيء لم يعجبك فعليك التفكير مرتين، فهم إن كانوا تعلموا هذا الشيء منك، فلابد أن تبدأ بنفسك وتخبر أولادك بأنك كنت مخطأ، واحذر أن تقوم بالخطأ ولا تعترف به؛ حتى لا تعودوا عليه.

دعهم يتعلمون من سلوكك

هل يمكن لأب أن ينصح ابنه بعدم التدخين وهو يدخن؟، بالطبع لا، فنحن قدوة لأبنائنا. وأحيانًا يقول الأب “أنا تحدثت مع ابني لكي لا يدخن، وأقنعته بأني اعتدت على التدخين ولا أستطيع أن أقلع عنه”، لكن الحقيقة ان ابنك لم يقتنع، ويمكن له أن يدخن دون علمك، وبعدها سيقول لك “والله حاولت أتركها لكني لم استطع مثلك”، فكيف سترد عليه؟!.

عندما تضع السيجارة في فمك فاعلم أنها تؤثر على ميزانيتك، وعلى صحتك، فمن الممكن أن تسبب لك حرارة السيجارة مشاكل في الشفتين واللسان والحلق، وبالتأكيد ستؤثر على الرئة.

والمشكلة الحقيقية في اتجاه الشخص إلى التدخين في البداية، هو أنه يظن أن السيجارة ستجعل منه رجلًا، خاصة عندما يرى أصدقاءه يدخنون، وفي تقديرك الشخصي أن أصدقاءك أصبحوا بالتدخين رجال، وهذا خطأ. لذلك عندما نعلم أولادنا علينا أن نعلمهم بطريقة صحيحة.

فأنا مثلًا تخرجت وأنا في عمر صغير، وكنت أعمل في تخصص نساء وولادة، ولم أكن أشعر بقيمتي أمام زبائني، لأنهم يرونني صغيرًا، فنصحني شخص بأن أضع الغليون في فمي دون أن أدخنه، حتى يشع من يراني انني شخص ناضج فوجدته حلاً صحيحًا.

لكن أتي شخص مرة آخر وأخبرني بأن الغليون فارغ، ووضع فيه بعض التبغ، ثم أتى شخص ثالث ليشعل لي هذا التبغ لأدخنه. وفي نهاية الأمر اضطررت لأن أترك الغليون، لأن هذا الحل لم ينفع. فلا يوجد عذر لارتكاب خطأ من أجل حل بعض المشكلات، ونحن نعلم أن تدخين الغليون والسجائر مضر بالصحة. ومن جانب آخر فإن الأفيون والحشيش وغيرها من المخدرات لها أضرار كثيرة جدًا، فأنت تدخن في فمك دخان يحمل الكثير من المواد المضرة، أي أنه ليس هواء نقي، فمن الممكن أن يكون له تأثير على المخ.

وقد تسألني، هل هناك دراسات صادقة عن أخطار السجائر وأضرارها؟، نعم، هناك الكثير من الدراسات، ولكن البعض يشكك فيها لأنها تجارة يقف ورائها الكثير من المنتفعين على حساب صحتنا. لكن الله أنعم علينا بنعمة العقل، ومن السهل المقارنة بين استنشاقك لهواء نقي ودخان معدوم الأوكسجين لرئتيك.

تحكم في انفعالاتك

بعض الأشخاص يتميزون بسلوك معتدل، وقدرة على التعامل الحسن مع الآخرين، ولكن هذا الشخص قد يتحول إلى بركان من الغضب ولا يتحكم بمشاعره وانفعالاته إذا تعرض للإهانة أو إلى استفزاز، فهل هذا دليل على أنه بحاجة إلى علاج نفسي؟

لا استطيع الإجابة بنعم أو لا، لكنه قد يحتاج إلى طبيب نفسي إذا كانت انفعالاته مستمرة. فإذا تعرض لشيء خارج إرادته، فمعنى هذا أنه فقد السيطرة على نفسه، وبدأ بالتعصب والتشنج، ويزيد عمل دماغه، وهذا يساعد العضلات على التشنج، ويبدأ بضرب الذي أمامه، أو بضرب رأسه على الجدار وغيرها.

عندما تجد نفسك معرض لمناقشة خارج حدود الاحترام المتبادل، كارتفاع صوت شخص على آخر. فأنا شخصيًا أقول في مثل هذا الموقف: “في الحقيقة هذا ليس وقت مناسب للمناقشة، وبعد إذنك، هل من الممكن أن نؤجلها ونتقابل مرة أخرى؟، والغداء عندي بإذن الله”. فأنا هنا أتفادى هذه المواجهة التي لن تؤدي إلى نتيجة إيجابية، وعواقبها ستكون غير محسوبة.

وعندما يخرج الشخص عن شعوره فهو يفقد السيطرة على نفسه، ومن ثم يتلفظ بألفاظ غير معتادة، وتكثر مشاكله، ويحدث ذلك حتى في المناقشات العادية بين الزوج والزوجة، وبين الأب والابن. وعندما يبدأ الشخص برفع صوته، أنصحه بأن يأخذ نفسًا عميقًا، وأن يؤجل هذه المناقشة، وحاول أن تناقش ذلك عند تناول الطعام، لأنك لا تستطيع أن تأكل وتتحدث وتتشاجر في نفس الوقت، خاصة عندما يكون طعم الأكل لذيذ. وحاول أن تجعل الجو هادئًا؛ ليكون هناك تأثير مباشر على الكلام الذي يقال.

ولعل أفضل طريقة في معاملة أبناءنا هي الهدوء، كأن نقول لهم: “أنا حبي لك ليس له حدود، وانتبه لشيء مهم، فالذي أقوم به لك، أنت ستقوم به لي عندما تكبر، وستتحمل المسؤولية، وهذا الذي ستعلمه أولادك وما ستستمر في فعله”، وضع خطين تحت كلمة “الهدوء”، فالهدوء في المناقشات مهم جدًا، ورفع الصوت ممنوع؛ فعندما ترفع صوتك فأنت لن تسمع ولن تُسمع، وسيقال عنك أنك عصبي، ولا يمكن التعامل معك.

اهتم بالكبار ورعايتهم

أقول هذا الكلام لأننا نربي الجيل الذي سيهتم بنا عندما نكبر، فاليوم معدل الأعمار كبير ولا يوجد من يموت بعمر 80 أو 85 سنة، فأنا لدي والدي أكبر من هذا العمر ما شاء الله، ورغم أن ذاكرتهم لا تعمل جيدًا، ولكن جسدهم سليم.  والسبب في ذلك هو التطور في الرعاية الصحية والبيئة والتعليم.

ومن تلك الأسباب أيضًا توافر أماكن صحية جيدة جدًا ممنوع التدخين فيها. كما يوجد تشجيع للناس على ممارسة الرياضة، ومن الكلام الجيد الذي يُقال في ذلك: “لا يجب أن تحمل الأثقال، وإنما عليك أن تخرج وحرك قدميك”.

ومن الجميل عندما تذهب إلى دار مسنين أن تجد الأشخاص يتمتعون بمستوى جيد من الصحة والحركة، والاشتراك في الأنشطة المختلفة، مثل مشاهدة المسرح وسماع الموسيقي أو حتى الرقص، وكل هذا فقط لتحريك العضلات، ولتجديد الدورة الدموية.

لكن المشكلة أننا ليس لدينا في ثقافتنا العربية مثل هذا المفهوم عند التعامل مع كبار السن. فقد جرت العادة أننا عندما نذهب لزيارة الوالدين أو الأجداد نقبل أيديهم فقط ونذهب، ولا يوجد أي فعل أو حركة معهم.

وأتمنى من الجميع عندما يذهبون إلى والديهم ألا يقبلوا أيديهم فحسب لأخذ البركة، فهذا وحده لا ينفع، لكن عليكم اصطحابهم إلى أماكن مختلفة، تحدثوا إليهم حتى وإن كان يسمع ولا يرد عليك، واتركوا النكد خارج باب البيت، وادخلوا على والديكك بأخبار جميلة تفرحهم، فهم لا يتحملون النكد.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

* نذكركم بالبريد الإلكتروني الخاص بالدكتور وجدي عطية لإرسال أسئلتكم واستفساراتكم، وهو [email protected].

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى