الراديو

مخرج “غاندي الصغير”: أقترح إنشاء منظمة للمثقفين العرب لتعريف العالم بقضايانا الإنسانية

صوت الظالم في عالمنا أقوى من صوت المظلوم والأنظمة الديكتاتورية تسجن مواطنيها في جمهورية الخوف

أجرى الحوار: ليلى الحسيني- أعده للنشر: هارون محمد

“غاندي الصغير”.. فيلم وثائقي سوري، يوثّق حياة الناشط السوري غياث مطر، الذي قُتِل على يد قوات النظام في 10 أيلول/ سبتمبر 2011، وأحدث مقتله صدى كبيرًا على الصعيدين المحلي والدولي.

فقد قامت قوات الأمن بتعذيب “غياث” حتى مات وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، قتلوه لأنه كان صاحب مبادرة سلمية، وواجه طلقات الرصاص والعنف بزجاجة مياه ووردة بيضاء.

قصة ملهمة

مات “غياث” وترك وراءه قصة استثنائية، رأى فيها المخرج السوري الأمريكي “سام قاضي” رسالة مهمة. وحمل “سام” على عاتقه مهمة تعريف العالم بقصة هذا البطل الذي تحلى بشجاعة مارتن لوثر كينج، وقيادة المهاتما غاندي، وقوة وإرادة جيش بأكمله، حتى أن صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قامت بإطلاق اسم “غاندي الصغير” عليه، واستحق بالتأكيد أن يتم عمل فيلم يحمل اسمه.

يعكس الفيلم حجم الدمار الذي شهدته بلدة “داريا” بريف دمشق، والذي يعتبر صورة مصغرة لما حدث من دمار في سوريا التي شوهت الحرب معالمها، ويسعى إلى إيصال صوت المقهورين، من خلال عرض قصة من شأنها أن تكون مصدرًا للإلهام.

وبالفعل حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، وتم عرضه أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي، والأمم المتحدة، والبرلمان الكندي، ومنظمة العفو الدولية في لندن. وفي العام الماضي كان أول فيلم سوري على الإطلاق يدخل المنافسة بشكل رسمي للحصول على جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي.

مخرج مبدع

جدير بالذكر أن المخرج الأمريكي “سام قاضي”، هو كاتب ومخرج ومنتج الدراما التي حصلت على إعجاب النقاد “ذا سيتيزنز” أو (المواطن)، بطولة كاري ايلويس (الأميرة العروس). وحصل على العديد من الجوائز التقديرية.

وقد أشادت منظمة “سينما من أجل السلام” بأعماله، من حيث حرصه على رفع الوعي بقضايا حقوق الإنسان من خلال أفلامه، وكذلك دفاعه عن القضايا الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا.

وحصل “سام” على جائزة “الخدمة الإنسانية” من منظمة الحياة للإغاثة والتنمية. وفي عام 2014 قامت مؤسسة SHOAH، التي أسسها المخرج المشهور ستيفن سبيلبرغ، بالإشادة بأعماله، واختارته كمحكم في مسابقة” سبوتلايت”.

فيلم “غاندي الصغير” كان محور الحوار الذي أجرته الإعلامية ليلى الحسيني مع المخرج “سام قاضي” عبر أثير “راديو صوت العرب من أميركا”، وتطرق الحوار إلى القضية السورية ومأساة النازحين واللاجئين السوريين التي تم تغييبها عن نقاشات الساحة الدولية.

القضية المنسية

* أهلاً بك “سام” معنا، ودعنا نبدأ حوارنا حول “القضية المنسية”، فالعديد من المراقبين يرون أن القضية السورية أصبحت غائبة عن المشهد السياسي الآن. وأنت الآن تتابع الوضع وتنقله عبر أعمالك المبدعة إلى الساحات العالمية، فكيف يرى مثقفو سوريا الوضع الآن؟

** أتصور أن أسوأ ما في القضية الآن هو تغييب السوريين عن قضيتهم، وعن صناعة أي قرار، أو حتى إبداء أي رأي في قضيتهم، فالسوريون غير مدعوين إلى طاولة الحوار، وهذه تعتبر مشكلة كبيرة. والاتفاقية الأخيرة بين تركيا وروسيا بشأن مدينة إدلب السورية لم يكن فيها أي ممثل عن سوريا، ولا في أي اتفاقية تمت في الفترة الأخيرة.

نقاء الثورة

* إذا تطرقنا لخطابك المميز الذي ألقيته على منصة TEDx المعروفة في ولاية كاليفورنيا، واستعرضت خلاله لقطات من فيلم “غاندي الصغير” تعكس حجم الدمار الذي شهدته بلدة داريا بريف دمشق، فلماذا كانت البداية من “داريا”؟

** تمثل “داريا” بالنسبة لي نقاء الثورة السورية. صحيح هناك مدن كثيرة انطلق منها الحراك الثوري بطريقة سلمية في أول 8 أشهر من عام 2011، ولكن الشهيد البطل “غياث مطر” كان في الحراك الذي تم بمدينة داريا، واشتُهِر بتوزيع الورود البيضاء والماء إلى أن وصل إلى الجيش السوري الذي كان يهاجمهم بالهِرَاوَات في البداية، ويطلق الأعيرة النارية في الهواء، ولكن بعدها تم إطلاق النار على المتظاهرين مباشرة، ومع ذلك كان غياث مطر وأصدقاؤه مُصرّين على المظاهرات السلمية.

ويجب على العالم أن يعلم ويتذكر، ويتذكر معهم الشعب السوري، وخاصة المثقفين الشباب، أن ثورتهم بدأت سلمية ومشروعة، وذلك لتأثرهم بمارتن لوثر كينغ وبالمهاتما غاندي، ولكن تم دفعهم وحشرهم في زاوية العنف والتسليح بعد سنة كاملة من النضال، وحتى بعد أن قضى غياث مطر نحبه بعد 6 أشهر من الثورة، وذلك بعد أن تم القبض عليه من قبل النظام السوري وتم تعذيبه وقتله وإرجاع جثته إلى أهله ليكون عبرة للآخرين.

وأتصور أن الثورة بدأت تنحرف عن مسارها بسبب مقتل غياث مطر وآخرين مثله، وأخذت اتجاهًا آخر من ناحية التسليح، وذلك عندما شاهد الناس كيف تتم تصفيتهم بدم بارد.

التحول للعنف

* أنت كمتابع للحدث، ومخرج مبدع، لم تحمل سلاحًا، ولكنك حملت قضيتك وقضية المواطن السوري إلى الخارج لتبين له حجم الدمار الهائل الذي أصبحت عليه سوريا بسبب الحرب، فهل ترى أن المواطن السوري تم دفعه إلى حمل السلاح؟

** نعم، تم دفعه لحمل السلاح، صحيح أنني لست موجود على الأرض هناك، ولكن بالنسبة للشعب السوري كان هذا خياره الوحيد، وهناك حوار مستمر إلى الآن بين الوسطاء حول ضرورة الحفاظ على السلمية، ولكني لا أستطيع وأنا في كاليفورنيا أن أقرر لهم أن يدافعوا عن أنفسهم بالسلاح أو أن يكملوا بالسلمية، فهذا القرار هم من يصنعوه.

وأعود لأؤكد أنه تم دفعهم وحشرهم في زاوية التسليح؛ لأنه بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية فإن المسلحين يتم مواجهتهم بصورة أسهل بكثير من الثوار السلميين الذين يقابلون السلاح بالورد والماء، لأن التعاطف العالمي والرأي العام العالمي يكون مع هؤلاء السلميين، ولا يمكن لأي شخص أن يقف ضدك، ولكن إذا كنت مسلحًا سيُقال عنك أنك إرهابي أو من المرتزقة.

وصوت الظالم قوي لأنه مدعوم من صوت الحكومات التي فيها الواسطة والأموال، على عكس صوت المظلوم الذي يكون خافتًا وغير مسموع، وهذا هو الحوار الذي أجريته في مسرح TEDx  في ولاية كاليفورنيا.

منصة TEDx

* لماذا اخترت منصة TEDx  في ولاية كاليفورنيا؟، وما الهدف من خطابك الذي وجهته في أهم منصة هناك؟

** لأنه مسرح عالمي وله متابعون من كل أنحاء العالم، ويقوم على مبدأ “Ideas worth Spreading with the word”  أي “أفكار تستحق المشاركة مع العالم”. وهناك يمكنك أن تتوجه إلى الشعوب المفكرة والمثقفة؛ لأنه للأسف لا يمكن التعويل على السياسيين حاليًا، وإنما على حركة الشعوب المثقفة، وعلى الأقل علينا أن نعطيهم فكرة صحيحة عما جرى في سوريا.

وعندما تمت دعوتي إلي هناك كنت سعيد جدًا، ولكنها مسؤولية كبيرة، فتواجدك في أي منصة عرض تعتبر مسؤولية مهما صغرت أو كبرت، ولم يكن هناك أهم من القضية السورية ومعاناة السوريين، خاصة بعد أن أصبحت أكبر قضية إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية.

جمهورية الخوف

* سام، لفت نظري أنك تحدثت عن سبب خروجك من سوريا واصفًا إياها بـ”جمهورية الخوف”، وكان لي حوار آخر مع بعض المثقفين والفنانين العرب ومنهم الفنان جهاد الذي ذكر لنا هذا الأمر أيضًا، فهل كان هذا جزءًا من اهتمامك بتسليط الضوء على مأساة السوريين الإنسانية، في مقابل ما يتم الترويج له من إرهاب ونظرية مؤامرة على سوريا؟

 ** لا ألوم أي إنسان غير سوري، فهو لا يعلم ما يحدث في سوريا، ولكني ألوم السوريين الذين عاشوا فيها وهم يعرفون حجم القمع والظلم وغياب العدالة في توزيع الثروات والمحسوبيات. وهذا أمر يعلم به الجميع، ولكن لا أحد يتحدث عنه، لذلك كانت تدعى بـ “جمهورية الخوف” في الداخل، فإذا كنت صامتًا فأنت في خير وسلام، والعكس إن كنت كاتبًا مسرحيًا أو مخرجًا أو صحفيًا أو كانت لديك فكرة.

* ليس فقط في سوريا سام، فللأسف في معظم المجتمعات العربية.

** صحيح، وهذا لا شك فيه، لذلك أشجع أي شخص يقدم على الحوار، لأننا في القرن الـ 21، فلابد أن تكون هناك مساحة للحريات، ولكن عندما تختفي مساحة الحريات هناك حلين، هما: إما على المثقفين أن يغادروا بلدانهم، وهذا ما يحصل للأسف في معظم الدول العربية، فمعظمهم خارج بلدانهم، أو أن يكونوا مسجونين في بلدانهم، وهذين الحلين غير مرغوب فيهما.

صوت المثقفين

* نحن اليوم نتحدث عن مآسي سوريا، ولكن هناك مآسي نشهدها في أوطاننا العربية، وبما أننا نتحدث عن سوريا اليوم، إذًا ما هو دور المثقف السوري؟، فما نشهده على الساحة الآن هو عنف متبادل فقط، فأين هو المثقف السوري من ذلك؟

** المثقفون سواء كانوا كتابًا أو صحفيين أو مخرجين أو ممثلين لهم دور هام في إبراز القضية ليكونوا صوت للإنسان السوري في الإعلام وفي الغرب. فإن لم نكن مدعوين إلى الطاولة فيجب أن يكون لنا صوت.

وما قمت به من خلال فيلم أو خطاب مسرحي في المسرحيتين هو مهم جدًا، وهناك أيضًا محاولات من فنانين آخرين.

وللأسف المثقف السوري الآن يتم تغييبه، والمنصات المتخصصة في إيصال الصوت ليست موجودة بشكل كبير. وهناك دول كثيرة الآن تحاسب المواطن على كل كلمة يقولها أو يكتبها، خاصة في الدول العربية، حتى وإن كان خارج بلده وأرد أن يتحدث عنها.

والكثير من المثقفين السوريين موجودين في دول عربية أخرى، ولا يستطيعون توصيل صوتهم عما يجري في سوريا. وأرى أن دورهم هو البحث عن منصات جديدة، وعن منافذ للتعبير عن الرأي تكون ممتازة وفيها طروحات.

وقد كنت بالفعل محظوظًا كوني في أميركا، ولي حرية التعبير والقيام بعمل مثل “غاندي الصغير”، الذي أصبح الفيلم السوري الأول في تاريخ مسابقات الأوسكار، والذي شارك بشكل رسمي في مسابقة أفضل فيلم أجنبي.

ومن خلال هذا العمل أصبحت قضية سلمية الثورة مؤرخة كوثيقة للتاريخ، حتى وإن لم يكن التفاعل معها الآن مباشر، ولكن بعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات سيتم الرجوع إلينا، فيجب علينا أن نوثق.

نصائح للوصول إلى العالمية

* أنا أؤمن مثلك تمامًا برسالة الفن ودعم الفنانين والمثقفين العرب في جهودهم لإيصال الصورة الحقيقية للحدث. فكما أشرت فإن فيلم “غاندي الصغير” وصل ترشيحه إلى أعلى جائزة في الأوسكار بسبب ما حمله من رسائل إنسانية، ولا ننسى فيلم “المواطن” الذي قدمته ونال إعجاب الكثير من النقاد، فكيف ترى دعم الأعمال الفنية العربية لكي تصل إلى العالمية؟، وكيف ندعم رسالة الفن لنوصل صوت المظلومين، المقهورين، المشردين، والفئة الأضعف في هذا العالم؟

** يجب أن يكون هناك تضافر في الجهود بين المثقفين، وهذا للأسف لا يتم مناقشته الآن بين المثقفين العرب وتحديدًا بين السوريين. فللأسف هناك أعمال قريبة جدًا من بعضها ولا يوجد توحيد للنص وتضافر المثقفين مع بعضها بما يجب طرحه وكيفية الطرح.

وأقترح بتكوين منظمة ثقافية غير نفعية تضم المثقفين العرب والسوريين لمناقشة القضية السورية وغيرها من القضايا الإنسانية في العالم.

فعندما نتحدث عن قضية لا تمسك مباشرة، فأنت تعتبر ناشطًا. فمثلًا ربما قد تكون سوري، ولكن ستكون ناشطًا حقيقيًا عندما تتحدث عن قضية تجري مثلًا في السودان أو عن قضية أخرى في العالم. وأتمنى أن  يكون هناك مجال لتجمع المثقفين والكتاب والمخرجين لنستطيع أن ننسق هذه الأعمال.

ونحن أيضًا نشكر برنامجك والبرامج الأخرى باعتبارها منصات للمثقفين العرب يتحدثون من خلالها. ولابد أن يكون الإنسان الواعي والمثقف دائمًا يبحث بطريقة ذكية عن منصات جيدة ويتم التواصل معها، وهذا ما نقوم به.

وأتمنى من الجميع أن يشاهد الحوار الأخير الذي كان في مسرح TEDx، والموجود على اليوتيوب https://youtu.be/PMkzQ47Fwl0 لأنها رسالة مهمة، ومن الضروري أن تصل إلى العالم.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لمتابعة اللقاء عبر اليوتيوب :

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وللاستماع الى اللقاء عبر الساوند كلاود :

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى