الراديو

لا سنية أو شيعية.. “ثورة الحسين” ثورة إصلاح ضد حاكم ظالم

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

لقاء هام وجريء أجرته الإعلامية ليلى الحسيني مع فضيلة الدكتور “شادي ظاظا”، مدير الجامعة الأمريكية الإسلامية في ديترويت، بمناسبة احتفالات العالم الإسلامي بذكرى “عاشوراء”.

أهمية اللقاء وجرأته تكمن في حساسية الموضوع الذي تناوله، وهو ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (رضي الله عنهما)، في الأحداث التي عرفت تاريخيًا باسم “ثورة الحسين”.

هذه الأحداث التي تشهد إلى يومنا هذا خلافًا واختلافًا في التناول بين طوائف السنة والشيعة، في ظل إصرار البعض تزكية مشاعر الكره والعنصرية والخلاف، وتحويل الاحتفاليات والمناسبات الدينية والروحية إلى مظاهر وقشور فقط، دون اهتمام بالجوهر والحقيقة والدروس المستفادة، التي نحن في أشد الاحتياج لها.

ليلى الحسيني ناقشت كل ما يتعلق بهذه المناسبة التاريخية بكل صراحة وشفافية وحيادية مع فضيلة الدكتور شادي ظاظا، والذي أكد لراديو صوت العرب من أمريكا أن استرجاع  ذكرى استشهاد الإمام الحسين تدل على حيوية هذه القضية واستمراريتها في القلوب وأنها تحرك الملايين من المسلمين والبشر من مختلف الأديان.

وشدد الدكتور شادي ظاظا على أن “ثورة الحسين” كانت ثورة إصلاح.. لا ثورة سنية أو شيعية، مؤكدًا على ضرورة تعليم أبنائنا في أمريكا حقيقة هذه الأحداث، ولماذا خرج الحسين ثائرًا على حاكم ظالم، وألا نقتصر في تناولنا لها على القشور والمظاهر فقط، كما هو الحال في جميع احتفاليات الأمة العربية والإسلامية، ونترك أبناءنا دون أن يعرفوا جوهر وما وراء الاحتفال بهذه المناسبات العظيمة في حياة الأمة الإسلامية.

ذكرى أليمة

* يعتبر العاشر من محرم، أو يوم عاشوراء، من الأيام المستحب صيامها عند أكثر أهل العلم، وقد ورد في ذلك الكثير من الأحاديث التي تذكر فضل يوم عاشوراء وأجر صيامه، ويعتبر عاشوراء في تاريخنا الإسلامي محطة أليمة أصابت الإمام الحسين، ابن بنت رسول الله، الذي قال عنه رسول الله (ص) “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة”.

لذلك كانت فاجعة كربلاء فجيعة كبرى على كل المسلمين، أصابتهم في الصميم، وأصبح العاشر من محرم ذكرى أليمة تمر علينا كل سنة، وقد انضم إلينا “د. شادي ظاظا”، ليحدثنا عن درس كربلاء كثورة ضد الطغيان والظلم، وكونه يوم تذكرة لجميع الأمة الإسلامية، وتأكيد على أهمية الوحدة بين المسلمين، وما سيؤول إليه حالنا في حالة التفرقة، تفضل د. شادي.

** يوم عاشوراء له بُعد تاريخي، قبل حتى بعثة النبي (عليه الصلاة والسلام)، فمما ذُكِرَ في الأثر، أن يوم عاشوراء استوت فيه سفينة نوح (عليه السلام) على  جبل الجودي، وفيه رُفِعَ إدريس إلى السماء، وفيه رد الله على يعقوب بصره، وفيه نجى الله موسى من فرعون.

ونجد في صحيح البخاري أنه عندما قدم النبي إلى المدينة مهاجرًا، وجد اليهود يصومون اليوم العاشر من محرم، فسألهم: ما سبب الصيام؟، فقالوا: هو يومٌ أنجى الله فيه موسى ومن معه، وأغرق فرعونَ ومن معه، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن نصومه، فقال لهم النبي: “أنا أحق وأولى بموسى منكم”، فصامه وأمر بصيامه.

هذا هو البعد التاريخي لهذا اليوم، وبسبب هذا الحديث يصومه المسلمون إتباعًا لسنة النبي (عليه الصلاة والسلام) هذا اليوم، ويُصام يومًا قبله، ويومًا بعده، ويُقال إن هذا اليوم من أفضل الأيام صيامًا بعد شهر رمضان.

ومن الأحداث العظيمة التي وقعت في يوم عاشوراء استشهاد الإمام الحسين (رضي الله عنه)، وأُعِدِمَ غدرًا من أهل الكوفة، الذين تخلّوا عنه، وصار شهيدًا دفاعًا عن الحق وعن الإسلام، ويضرب أروع مثال للتضحية والفداء والصبر لإعلاء كلمة الحق.

لكن نحن نريد لهذا اليوم أن يكون يوم وحدة في حياة المسلمين، لا يوم تفرقة، ولا يدور خلاف فيه، وأن نُحيّ هذا اليوم بفرح، وإتباعًا للسنة، والمعول عليه أن نستفيد من هذا الحدث، ببعده التاريخي الذي ذُكِرَ فيه نصوص، وأيضًا بذكر ما حدث، وأهل السنة يحرصون على إحياء ذكرى عاشوراء، حيث استشهاد الإمام الحسين سنة 61 هجرية.

ثورة وعيّ

* نريد أن نقف هنا عند وصف الحدث ـ كما وصفه بعض الأئمة ـ بأن ثورة الحسين كانت ثورة وعيّ، وثورة حق ضد الظلم، فيها الكثير من التضحية. فكيف لنا أن نجعله نحن اليوم ثورة سنية ـ شيعية ضد الظلم، وأن يكون لنا وقفة أمام هذه المعاني الكبيرة وراء استشهاد الإمام الحسين؟

** مما لا شك فيه أن استشهاد الإمام الحسين كان من أجل إعلاء كلمة الحق، وهو حدث كبير جدًا، وجدير بالاعتبار، ففيه الثبات على مبدأ الحق، فالإمام أبوعبدالله الحسين بن علي انتصر لمبادئ الخلافة الإسلامية وحقق الشورى بين المسلمين، انطلاقًا من قول الله تعالى: “وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ”، فالشورى هي مبدأ من مبادئ الدين.

لذلك خرج الإمام الحسين ووقف في وجه يزيد بن معاوية، ليعيد الخلافة إلى سيرتها الأولى، فاستُشِهدَ في سبيل الله، والآن نحن نحيي هذه الذكرى ونأخذ الدروس المستفادة من معركة كربلاء ومواقف الإمام الحسين، حتى يتعلم المسلمون ويستفيدوا منها ما يجنبهم تلك المذلات في حياتهم المعاصرة، وأن يقوموا بتطبيق تلك القيم النبيلة التي أرساها الحسين وورثها عن جده النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأيضًا الاعتبار من قصة موسى وفرعون للتعلم منها.

وما نأخذه من هذه الدروس والعبر، نجد أحيانا من يطرح خلافًا بين أهل السنة والشيعة، لذلك نحن نحيّ فضل الإمام الحسين، وجلالة نسبه، وهو سبط رسول الله، وقد تحدث عنه نبينا فقال هو سيد الشهداء، وقوله: “حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا”، وهذه القيم نجلّها ونحترمها، لكن لا نتفق مع بعض السلوكيات التي تُمَارس لتكرار الحزن واجترار آلام الأمة، ولكن نستفيد من الدروس لنعزز هذه القيم النبيلة في حياة المسلمين.

معاني عظيمة

* نحن نحتفل بهذه الذكرى الأليمة، لكن ربما المعاني العظيمة وراء هذه القيم غائبة، إذ تغيب عن الشارع الأمريكي هنا، لذلك نحب أن نلقي مزيدًا من الضوء على معاني هذه الثورة العظيمة ضد الظلم، والتي قامت من أجل إحقاق الحق، إذ لم يخرج الحسين من أجل الجاه أو الملك، فهل نستفيض أكثر في هذه المعاني، دكتور؟

** الإمام الحسين وقف لينصر الحق، وهذا درس نحتاجه في كل يوم في حياتنا المعاصرة، كم من الظلم قد وقع في عديدٍ من البلدان وخرست بعض الأصوات التي كانت ترفع قيم الحق، وذلك بسبب مصالح دنيوية، فالإنسان لابد أن يقف عند نقطة معينة، وأن يغير ما بداخله، فصاحب القضية والمبادئ السامية لا يتغير بتغير المصالح، وإنما يدافع عن الحق أينما كان، وهذه هي القيم التي حملها الإمام الحسين.

لذلك فنحن اليوم في المجتمع الإسلامي، قضيتنا هي قضية الحق، سواء كان صاحب الحق مسلمًا أو غير مسلم، سواء من عرقنا أو طائفتنا أو ما ينافي مبادئنا وعقيدتنا أو غيرها، فطالما يمتلك صوت الحق، يجب أن نضحي من أجل إعلاء كلمة الحق، خاصة وأننا في بلد مثل أمريكا، بُنِيَت على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة بين أبناء الأمة جميعًا.

ونحن إذ ننتمي إلى منهج عظيم، هو المنهج الإسلامي، فلابد أن نقف نفس الوقفة وأن نتقلد هذه القيم في حياتنا، فاختلال الموازين يتنافى مع صوت الحق الذي نحمله والمنهج الوسطي الذي يدعو إلى المحبة والمساواة بين أبناء الأمة، منعًا للنزاع أو الخلاف بين أبناء الأمة الواحدة.

جوهر الذكرى ودروسها

* هنا نودَّ أن نركز على ما تناولناه مع حضرتك قبل فترة، وهى وثيقة المدينة المنورة التي أسست إلى إرساء قيم الإخاء والمساواة والعدالة الاجتماعية وغيرها من المناسبات الدينية والروحية، سواء لنا كمسلمين أو غير مسلمين، خاصةً وأننا في المناسبات صرنا نركز على الشعارات والمظاهر، ولا نركز على الجوهر، ولا نسأل أنفسنا لماذا نعيد إحياء ذكرى هذه المناسبات؟

** مع ضعف العلم يغيّب جوهر الحدث، فإذا عَلِمَ الناس أصل هذا اليوم أحيوا الجوهر واستفادوا منه في حياتهم، وعلموا لماذا نحتفل به، لكن تزييف الجوهر جعل الناس تنشغل بمظاهر لا تقدم ولا تؤخر، وتحولوا بعيدًا عن المعاني العظيمة التي تكون وراء هذا الحدث، وللأسف البعض ينجرون وراء النعرات التي تسئ للحدث نفسه.

لذلك لابد من التوعية ونشر العلم، ولابد أن يعود أبناء الأمة إلى أصول دينهم ومنهجهم، وأن يعلموا العمق التاريخي في كل حدث يمرون به، مثل يوم عاشوراء، من أجل أن معرفة ماهية هذا اليوم، وما على المسلم أن يتقلده، وكيفية انعكاس ذلك كدرس مستفاد على حياته وحياة بيته وأبناءه ومجتمعه، وإرساء القيم الإنسانية في حياتنا من حب ووفاء وإخاء.

وكذلك التعلق بأصحاب القيم والمسيرات العظيمة، هؤلاء الذين خرجوا وضحوا بأنفسهم في سبيل الحق، مثل الإمام الحسين، وكذلك سيدنا موسى الذي ذهب وضحى بنفسه من أجل بني إسرائيل، ويصادف يوم عاشوراء يوم نجاته من فرعون، الذي جعله الله عبرة إلى قيام الساعة، وقد عزز النبي الكريم هذه الحادثة وأمر الأمة أن تتذكرها، ليتعلموا الثقة بالله، وأن الله لا يترك من توكل عليه إلى غيره، ولا يترك ضعيفًا ناداه.

ثورة حق .. وليس خلافً سني ـ شيعي

* ذكرنا أن ثورة الإمام الحسين كانت ثورة وعيّ، فإلى أي مدى يعرف أبناؤنا أن هذا ليس خلاف سني ـ شيعي؟، خاصة وأن الإمام الحسين لم يكن سنيًا أو شيعيًا، كان رجل حق، وثورته كانت ثورة المظلوم على الظالم، انتصار الدم على السيف، فثورته كانت اختيار، حيث اختار الشهادة مُضحيًا بنفسه على عتبة الحرية، فكم من أبناءنا يعرف هذه الحقيقة؟

** المعول عليهم هنا هم العقلاء والحكماء من أهل السنة وأهل الشيعة، بأن يتشاركوا ويعملوا سويًا من أجل إظهار هذا الوعي الذي تتحدثين عنه، فللأسف طيلة السنوات والقرون الماضية كانت هناك ممارسات من الطرفين أدت إلى إرساء جهل بهذا اليوم وبحقيقته التاريخية.

فعند أهل السنة غيّبوا ذكر الحدث الجليل الذي استشهد فيه الإمام الحسين، وأخذ شكل آخر متطرف عند أهل الشيعة، فأقاموا المآتم وضربوا أنفسهم بالسلاسل والسيوف، حتى أصبحت هناك ثغرة عند أبناء الأمة لفهم حقيقة هذا اليوم وما جرى فيه.

والمعول عليه أن نعمل سويًا كرجال دين من أهل السنة ومن أهل الشيعة لنشر الوعي وتعليم الناس حقيقة هذا اليوم بوسطية وبتوازن، من دون تطرف أو إفشاء أي نوع من أنواع الخلاف أو النزاع، أو تفرقة أبناء الأمة الواحدة، ففي النهاية كلهم مسلمون تجمعهم كلمة التوحيد.

فلا نريد لقومية معينة أن تدخل وتستثمر هذا الخلاف السني ـ الشيعي، وتطرح فيه روح النزاع، ويكون هناك تطرف وأفكار ضيقة جدًا تؤدي إلى فشل أبناء الأمة الواحدة، فلابد من الحكماء بأن يظهروا على الساحة وأن يوحدوا الأمة، كما أمر الله تبارك وتعالى في قرآنه “إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً”.

والفكرة المطروحة عند البعض بأن أهل السنة هم من قتلوا الإمام الحسين، هي فكرة مغلوطة، فأهل السنة هم أولى بالحسين وأهل البيت من غيرهم، وهم يدينون إلى الله تبارك وتعالى بحبهم وتعظيمهم وإجلالهم لأهل البيت وللإمام الحسين، يعترفون بفضلهم، لذكر النبي (عليه الصلاة والسلام) لهم. ونحن نريد أن نحافظ على المودة بين السنة والشيعة من أجل مصلحة هذه الأمة ومستقبلها.

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى