الراديو

ضيف برنامج ” سوا علي الهوا” د. هاني البواردي يقول أنا مهتم بتدوين تاريخ العرب في أمريكا منذ مجيئهم إليها في منتصف القرن 19

إتجاهات جديدة في دراسة الهوية العربية الأمريكية و أهمية التدوين و التأريخ و دور القومية في حياة أوائل المهاجرين العرب إلى أميركا و غيرها من المواضيع التي تتعلق بحياة العرب المهاجرين في أمريكا ناقشتها الأستاذة ليلى الحسيني مع الدكتور/ هاني بواردي  ضيف برنامج ” سوا على الهوا ”

د. هاني البواردي ، بروفيسور في قسم علوم الإجتماع و التاريخ و هيئة التدريس مركز الدراسات العربية الأمريكية في جامعة ميشجان – ديبربورن.

قام بتدريب بعض الطلاب الذين سوف يدونون التاريخ الشفوي مع أعضاء من المجتمع العربي الأمريكي و هذه المقابلات ستكون نموذج عن العرب الامريكيين و نواة لأرشيف مقابلات فيديو لمهاجرين في كل أنحاء الولايات المتحدة.

أيضا قام د. بواردي بعرض قسم من مجموعته الخاصة من أوراق تاريخية في المتحف العربي الأمريكي تحت عنوان ” من سوريا إلى فلنت و هيلين بارك ” بالإضافة إلى مجموعة من اللوحات التاريخية.

د. بواردي لديه مجموعة نادرة من الوثائق التاريخية عن أوائل المهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فهو يؤمن بأن للتاريخ دائما عبق خاص.

*** وعندما طلبت منه الاعلامية ليلى الحسيني أن يقوم بتقديم نفسه قال :

” أنا مهاجر جاء الى أميركا طلبا للعلم .. كنت في البداية مهتما ً بقصص المهاجرين الأوائل و دونت تاريخهم في مجموعة محفوظة في جامعة ميشجان في مدينة فلنت ، وكانت هذه بداية بحث طويل في عدة جهات . كنت محظوظا ً أن بعض المهاجرين نقلوا أوراق أهلهم الشخصية إلي ّ و عندما اتطلعت عليها وجدت انها وثائق مهمة جدا .. حيث لم يتم تدوين خبرات العرب القديمة ، كما أنها ليست من ضمن تاريخ العرب في أمريكا بشكل عام . كانت لدي رغبة في مشاركتة عملهم السياسي المنظم قبل الحرب العالمية الأولى . ”

يقول د. بواردي أن المهاجرين الأوائل الى أميركا كان يطلقون على أنفسهم ” النزالة”  و تعني ” الغرباء العابرين “حيث جاءوا منفردين مثل ” الحاج علي” الذي حضر ومعه بعض الجمال خلال الحرب الأهلية الأمريكية 1860. و بعده جاء بعض المبشرين عن طريق الإرساليات (البعثات) الأمريكية . جاءوا بأعداد قليلة جدا  ثم بدأت تلك الأعداد في التزايد و تكوين هجرات منظمة في عام 1876 عندما أقيم المعرض الدولي بفيلادلفيا .

جاء إلى معرض فيلادلفيا الدولي عدد لا باس به من المهاجرين من عدة مناطق في ” سوريا الكبرى”  أو ” سوريا الطبيعية”  و ليس سوريا الموجودة حاليا و إنما هي منطقة تمتد حدودها إلي الشمال حتى جبال طوروس وسيناء في الجنوب ، إلى الشرق حيث البحر الأبيض المتوسط  ، والغرب إلى حدود العراق حاليا. قاموا بعرض بضائعهم هناك ، وعرفوا وقتها أن هذه الأرض بها مجال واسع للتجارة والحصول على فرص عمل أفضل.  نشروا هذه الاخبار و بالتالي بدأت الهجرة بشكل منظم حيث جاء ما يقرب 200 ألف متحدث باللغة العربية من كافة الطوائف و الأديان  من جميع انحاء الوطن العربي و من سوريا علي وجه الخصوص. و تزامن هذا مع هجرة اعداد كبيرة جدا من جنوب شرق اوروبا الي الولايات المتحدة الامريكية و وصل عدد المهاجرين الي 14 مليون مهاجر في سنة 1876 و حتى الحرب العالمية الأولى من روسيا و بولندا و ايطاليا أغلبهم من اليهود. لهذا كان عدد العرب قليلا ً جدا مقارنة بأعداد المهاجرين من الدول الأخري.

و يقول د. بواردي أنه في عام 1924 تم إصدار تشريعات و قوانين مبنية علي  أساس التمييز العنصري للحد من الهجرة من جميع أنحاء العالم ما عدا من دول شمال غرب أوروبا و لهذا لم يهاجر الكثير من العرب إلى امريكا في الفترة بين 1924 الي 1965

بعد الحرب العالمية الثانية أرادات الولايات المتحدة الأمريكية أن تفتح أبوابها ليكون لها دور أكبر بين دول العالم ، فقامت بتغيير القوانين لتشجيع الهجرة إليها و كان هذا تغييرا جذريا في سياسة أمريكا الخارجية . و لكن  معظم أفراد الجالية العربية الموجودين حاليا جاءوا في منتصف السبعينات ، بعد الحرب الأهلية  في لبنان.

و أضاف .. ” هذه القوانين ساعدت في إحداث فجوة بين المهاجرين الأوائل وأعضاء الجالية العربية الموجودين حتى اليوم و لهذا فإن معظم بحثي هو أن أصل ما بين تاريخ المهاجرين الرواد و المهاجرين الذين جاءوا الي الولايات المتحدة بعد عام 1965 ”

وعن الأسباب التي دفعت المهاجرين الأوائل إلى ترك بلادهم و البحث عن وطن آخر ، يقول د. بواردي أن هناك دوافع عديدة للهجرة منها أسباب سياسية و مادية حيث جاء العديد منهم ما بحثا عن فرص عمل أفضل أو هربا من الحروب .

ففي أثناء الحرب العالمية الأولى هرب الكثيرمن بطش الأتراك إلى أمريكا ، أو بحثا عن حرية التفكير و التعبير عن الرأي حيث جاء العديد من المهاجرين أثناء فترة اليقظة العربية التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر و هذه الحقبة الزمنية بأكلمها ليست مذكورة في تاريخ العرب الأمريكيين .

وأوضح د. بواردي أن هذا الوضع لم يتغير كثيرا حيث هرب المهاجرون الجدد من الحروب في بلادهم مثل الحرب الأهلية في لبنان و الحرب في فلسطين عام 1948 ، و 1967 و انتشروا بأعداد كبيرة في الولايات المتحدة  الأمريكية و أوروبا و مختلف أنحاء العالم.  كما أن هناك تشابها كبيرا فيما يحدث اليوم  في الشرق الأوسط و حركة النهضة العربية  و ما حدث في عهد المهاجرين الاوائل.

أضاف د. بواردي ” المهاجرين الأوائل كانوا مهتمين بأمور بلادهم و كانوا يطمحون إلى تحرير ” سوريا الطبيعية” من بطش الأتراك والإستعمارالذي أحكم قبضته علي بلادهم بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة ، كما أؤكد أن كل فئات هذه المرحلة من المهاجرين كان لهم نفس المطلب  و نفس التطلعات .. سوريا كبرى حرة تمثلهم جميعا .. بغض النظر عن أديانهم و طوائفهم”

*** عن سؤال ليلي الحسيني عن رواد المهاجرين الأوائل الذين إستطاعت أسماؤهم أن ترسم حقبة مضيئة في التاريخ العربي الأمريكي في الولايات المتحدة الامريكية

يقول د. بواردي أن السيدة الفاضلة اليكساناف كانت من رواد توثيق التاريخ الشفوي من المهاجرين العرب الاوائل و قد بدأت عملها في بداية الستينات و لها أكثر من 450 مقابلة شخصية مع المهاجرين في منطقتنا و في سائر أنحاء أمريكا الشمالية  وبعض أجزاء من أمريكا الجنوبية.

أما بالنسبة إلى المهاجرين القدامى والعمل السياسي ، فقد جلبوا تطلعاتهم و فكرة الإصلاحات الإجتماعية و السياسية معهم إلى هذه البلاد منذ قدومهم في أواخر القرن التاسع عشر، ولم ينتظروا الإستعمار أو الغرب لكي يعلمهم مباديء الحرية و الديموقراطية.

وعلي هذا الأساس ، قاموا بتأسيس عد ة جرائد و مجلات في الفترة بين 1892 الي 1899، كانت بدايتها مجلة ” كوكب أمريكا” ، و جريدة ” الهدي” التي كان رئيس تحريرها ناعوم كزلو التي كانت ضد الأتراك و  الحركة القومية العربية ، وكان لها علاقة وطيدة بفرنسا.الجريدة الثالثة هي” مرآة الغرب ” و كان رئيس تحريرها نجيب دياب.

بعدها جاءت صحيفة البيان والعديد من الصحف الأخرى لكي تمثل جميع أطياف المجتمع السوري في ذلك الوقت . و كانت جميعها لديها نفس المطلب ” اصلاحات .. و حرية كاملة ” ..

أراد المهاجرين الرواد أن ينتهزوا فرصة النجاح الإقتصادي في هذه البلاد لكي يساعدوا بلادهم في النهضة وتصبح بلادا ً حقيقية مع حدودها و إستقلالها التام.

وعليه قاموا بتأسيس ” جمعية سوريا الحرة”  التي كانت مؤسسة سرية خوفا من بطش الأتراك الذين قتلوا عددا كبيرا ً من السوريين القوميين خلال الحرب العالمية الأولى من ضمنهم شيعة و سنة و مسيحيين بطوائفهم. و من ضمن من قتلهم الأتراك “ناستازياس زوريق”  الذي حرر جريدة  ” جراب الكردي” وهي جريدة لم يذكر عنها التاريخ شيئا و لكن يوجد بعض أعدادها في مكتبة نيويورك العامة في مانهاتن.

** و يقول د. بواردي إن الإستعمار الذي بطش بالدول العربية لمدة 100 عام هو السبب الرئيسي في فقداننا هويتنا العربية التي لا يحددها عرق او جنس أو لون أو ديانة أو طائفة أوحتى مكان إقامة.

من أسماء بعض القوميين القدماء ” جبران خليل جبران” الذي أجري أكثر من 50 مقابلة تأريخ شفوي لم تنشر في أي مكان ، وأصحابه في الرابطة القلمية مثل عبد المسيح حداد ، أمير الغريب ، إيليا أبو ماضي ، الذي نشر جريدة ” السمير” لسنوات عديدة ، هؤلاء من المهاجرين الذين لا يخفي إسمهم علي أحد .

و من أسماء المهاجرين غيرالمعروفة و التي يجب على كل عربي في هذه البلاد أن يعرفها فؤاد عيسى شطارة  حبيب إبراهيم كاتبة ، فارس معلوف ، جورج بركات ، و العديد من العائلات التي كان لها دور سياسي بارز و المعروفة حتي الآن في ديببورن مثل البازي و البطل و ألبيري و غيرها .

*** سألت الاستاذة ليلي الحسيني د. بواردي عن الموضوعات التي يركزعليها في أبحاثه و ندواته ،  فأوضح د. بواردي :

” أركز علي كتابات و حياة المهاجرين القدامى في العمل السياسي . أحب الإطلاع أيضا علي حياتهم اليومية بعيدا عن السياسة . فعلي سبيل المثال المهاجرين في مانهاتن لا نعرف عنهم شيئا لأنهم كتبوا عن أنفسهم باللغة العربية و معظم الباحثين لا يجيدون اللغة العربية و لا يعيرون للترجمة أي إهتمام. ”

وعن الإتجاهات الجديدة في دراسة الهوية العربية الأمريكية يقول د. بواردي :

هناك خطأ شائع أن المهاجرين لم يعيروا هويتهم العربية أو مستقبل بلادهم أي إهتمام وأنهم كانت تسيطر عليهم الطائفية . فأعضاء ” جمعية خريجي الجامعات العرب الأمريكيين” التي تأسست بعد حرب 1967 التي كانت بداية الهوية العربية الأمريكية.

أنتجت هذه المؤسسة معظم الباحثين في تاريخ العرب الأمريكان من ضمنهم مايكل سليمان ، نصير عروري ، و باربارا أسود و غيرهم . هؤلاء الرواد في الدراسات العربية الامريكية كانوا من ضمن هذه المؤسسة التي عانت الكثير من دعاية صهيونية . و نشروا دراسات مهمة عن وضع العرب في أمريكا. ولكن لسبب او لآخر  لم يتم الإهتمام بأعمال المهاجرين القدامى الذين عاشوا ما يناهز الستين عاما في العمل الإصطلاحي الإجتماعي و السياسي و الدفاع عن هويتهم العربية و الإسلامية ضد مزاعم الاستعمار و الصهيونية .

أكد د. هاني البواردي أن هناك مشكلة رئيسية في “علم التاريخ” حيث لا تتوافر المعلومات التاريخية عن بعض الشخصيات و منهم المهاجرين العرب الرواد مثل أمين الريحاني و غيره . ..

ومن خلال مؤتمر أقامته عائلة الريحاني استطاع د. بواردي أن يعرف تلك الشخصية بشكل أعمق و قام بتدريس منهج دراسي كامل عنه تحت اسم  ” العالم من حبة رمل ” و هو عبارة عن صورتين لأمين الريحاني واحدة منهما وهو يجلس في منتزه بنيويورك والأخري له و هو يقف بجانب الملك آل سعود في صحراء المملكة العربية السعودية.

فهو العربي الأمريكي الأول ..قدم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو عمره 12 عاما في عام 1888 و علم نفسه اللغة العربية حيث تعمق فيها و أتقنها  و أول كتاباته هو ترجمة لرباعيات ابو علاء المعري و كتب أول رواية عربية أمريكية باللغة الانجليزية التي هي كتاب ” خالد ” وهو محور المنهج الدراسي الذي  يقوم بتدريسه عن حياة أمين الريحاني.

و يقول ” هناك الكثير مما نستطيع القول عنه لكنه أصبح ليس فقط عربي أمريكي رائد و إنما قومي عربي كانت كل مطالبه أن يتحد العرب بشكل عام و أن يكونوا دولة واحدة متواصلة  هو الحلم الذي لازال يعيش معنا حتي اليوم” .

و عن حلم القومية العربية يقول ” هذا هو السبب أن بحثي يركز على المقارنة بين الحياة في أمريكا و تاريخنا في الشرق الاوسط .

القومية العربية استقطبها البعض لمصالحهم الشخصية مثل بعض الحكام العرب ، و هذا الأمر نزع المعني عنها وأصبحت بلا قيمة. و لكن هذا لا يعني أن الدم الذي يجري في عروقنا ليس عربيا و ليس له تاريخ  أو أصول . كما أنه لا يعني أن فكرة القومية العربية هي التي تحدد من نحن.

ربما يجب ان نعود الي تاريخنا الماضي لكي نتذكر منه و نعرف من نحن و من هم العرب الأمريكان .

وفي النهاية يقول د. هاني بواردي : إن معظم الأوراق التي بحوزته حصل عليها من مهاجر من الناصرة و أنه يتمني لو أن هناك طريقة أفضل يمكن من خلالها حفظ تلك المخطوطات التي لايمكن وصف قيمتها التاريخية. فقد وجد من ضمن مجموعة السيدة الراحلة أليسكاناف مخطوط بخط يد جبران خليل جبران و هي عبارة عن الفصل الخامس من تمثيلية لم يتم نشرها ولم يطلع عليها أحد من قبل.

أعدت هذه الحلقة للنشر : مروة مقبول

للاستماع الى الحلقة :

 

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى