الراديو

شاهد عيان على مأساة مخيم الركبان في سوريا.. لاجئون بين الحياة والموت

خالد العلي: المخيم شهد 40 حالة وفاة خلال شهر واحد فقط بسبب سوء أوضاعه

النظام السوري يُخيّر سكان المخيمات بين الركوع أو الموت بالجوع

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

“الركبان” أرض صحراوية قاحلة، تقع في مثلث حدودي بين الأردن وسوريا والعراق، وقد نشأ هذا المخيم العشوائي نهاية عام 2015م للاجئين السوريين الذين فرّوا من مناطق الرقة ودير الزور وريف حمص الشرقي، بعد سيطرة تنظيم داعش على شرقي البلاد، وبلغ عدد اللاجئين فيه نحو 100 ألف لاجئ، حيث يسكنون في خيامٍ متنقلة لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء.

وبسبب الطبيعة الصحراوية وغياب أبسط مقومات الحياة، انتشرت الأمراض الناتجة عن سوء التغذية وضعف الرعاية الصحية، وكان الإسهال هو الأشد خطرًا وأكثر مسببات الوفيات للأطفال، إلى جانب الأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي بسبب طبيعة المنطقة الصحراوية.

وبحسب استبيان صدر حديثًا للأمم المتحدة فإن عدد سكان المخيم حاليًا بات أكثر من 12 ألفاً، فلماذا يرغب أكثر من نحو 47% من سكان المخيم الباقين، الذين جرى استطلاع رأيهم، في البقاء على الرغم من الوضع الإنساني المزري في المخيم؟، ولماذا يتجاهل العالم الكثير من النداءات الإنسانية التي وجهوها لإغاثتهم؟

الإعلامية “ليلى الحسيني” ناقشت الوضع المزري لهذا المخيم المنسي “مخيم الركبان”، ورصدت الظروف القاسية التي يعيشها أكثر من 100 ألف لاجئ، لأكثر من 4 سنوات، وذلك في لقاء هام مع شاهد عيان من داخل المخيم، وهو الصحفي السوري “خالد العلي”، ضيف آخر حلقات “شاهد عيان” لعام 2019.

قصة المخيم

* ضيفنا هو الصحفي السوري “خالد العلي”، وهو خريج جامعة دمشق قسم صحافة وإعلام، عمل على توثيق مآسي السوريين خلال فترة 8 سنوات، وهو يعمل الآن داخل مخيم الركبان لتوثيق معاناة الباقيين في المخيم. خـالد؛ ما هي قصة هذا المخيم المنسي؟

** مخيم الركبان يقع في أقصى شرق الأراضي السورية، وليس داخل الأراضي الأردنية، وتحديدًا بالقرب من المعبر الحدودي بين العراق وسوريا، معبر التنف، حيث يبعد عنه مسافة 30 كيلو مترًا، والمخيم ممتد على مساحة 10 كيلومتر طول، و30 كيلومتر عرض.

ويقطنه أهالي مدن تدمر وحماة وحمص الفارين، وكذلك العشائر البدوية الذين يسكنون في البادية السورية، ومن أهالي الرقة ودير الزور الذين هربوا من تنظيم داعش الإرهابي، الذي لا يمت للإسلام بأي صلة، والإسلام برئ منه، وقد بلغ المخيم ذروته منذ حوالي عام ونصف، حيث بلغ عدد سكانه 100 ألف نسمة، وقبل 4 سنوات كان العدد أكثر من 120 ألف.

وفي البداية كانت هناك مؤسسات داعمة للمخيم بشكل مستمر، لكن فجأة انقطع كل شيء، وبدأت قوات النظام تتمدد داخل البادية السورية، وحاصرت المخيم لمسافة تقدر بـ 55 كيلو متر، وكان حصارًا تامًا، حيث يُمنع دخول الأغذية والأدوية وحطب التدفئة، ونحن الآن في فصل الشتاء والمعاناة من البرد.

حصار خانق

* قبل أن نتحدث عن المعاناة، لماذا حُوصِرَ هذا المخيم من قِبَل قوات النظام السوري، إذا كان كل من فيه قد لجأوا إليه هربًا من تنظيم داعش، وبالرغم من أن المخيم يقع بين الأردن وسوريا والعراق؟

** تمت محاصرة المخيم بسبب رفض أهالي المخيم العودة إلى مناطق سيطرة النظام، وذلك حتى لا يتم الزج بأبنائهم في المعارك الدائرة، سابقًا في درعا، والآن في إدلب ومناطق أخرى. وطبعًا غالبية سكان المخيم هم من الفارّين من تنظيم داعش، ومنهم من كان معتقلًا لدى النظام وخرج وفرَّ من مناطق سيطرة النظام خوفًا من القتل أو الاعتقال التعسفي، أو الزج به في صفوف الميليشيات المقاتلة.

وتم الحصار من قرابة السنتين تقريبًا، وقد دخل وفد من الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري، والأمم المتحدة إلى المخيم حوالي 3 مرات، كان آخرها عندما تم تقديم الدعم اللوجستي قبل عامين، ومنذ خروج الوفد المشترك للأمم المتحدة والهلال الأحمر بدأ الحصار بشكل مطبق على المخيم، حيث يُمنع دخول أي شيء باتجاه المخيم.

طبيعة مأساوية

* هل لك أن تعطينا نبذة عن طبيعة المخيم، والظروف المناخية هناك، وشكل البيوت فيه؟

** مخيم الركبان يتواجد في عمق البادية السورية، بيوته من الطين والقش، وأسطحه من الأغطية البلاستيكية التي لا تقي من حر الصيف ولا برد الشتاء، ولا يوجد به أطباء، وإنما مراكز تمريض منتشرة داخل المخيم ومهمتها هي الإسعافات الأولية، وتتواجد نقطة على الحدود الأردنية ـ السورية وهى تابعة لمنظمة “أطباء بلا حدود”، ولكن هذه النقطة لا تغطي سوى 10% من مخيم الركبان.

هناك 3 مستوصفات داخل المخيم عبارة عن كوادر تمريضية، يعمل بها من كانوا يعملون في وظائف تمريضية من قبل، ومنهم من اكتسبوا الخبرة داخل المخيم، ولا توجد فرص للعمل نهائيًا داخل المخيم، والعمل الوحيد الذي يتقنه الأهالي هو دق الطين والقش لإعمار وبناء البيوت، حيث تتهدم البيوت وتتآكل نتيجة العواصف الرملية بين الحين والآخر.

المخيم يسجل من 3 إلى 4 عواصف رملية في الشهر الواحد، فهناك عواصف تأتي من اتجاه الأردن إلى الداخل السوري، وهناك عواصف تأتي من الداخل السوري إلى اتجاه العراق، وبالعكس.

فمخيم الركبان في حالة يُرثى لها، فالمخيم لا يمر عليه شهر إلا ويسجل على الأقل 3 حالات وفاة، العام الماضي خلال شهر واحد فقط سجل 40 حالة وفاة، معظمهم من الأطفال والنساء بسبب سوء التغذية.

غلق شريان الحياة

* تابعنا أن الحصار المفروض على المخيم تم بسبب هجوم لتنظيم داعش على المخيم، فلماذا يغلق الأردن شريان الحياة لهذا المخيم؟

** بدايةً أنا لن أتطرق إلى الاجتماعات السياسية التي جمعت بين الأردن والنظام وروسيا لتفكيك مخيم الركبان، ولكن دعينا نتطرق إلى جانب آخر، فالأردن بالأساس يعيش على المساعدات من أوروبا وأمريكا والسعودية والدول القادرة على مساعدته، وبالتالي فإنه غير قادر على المساعدة، لأن شعبه بالأساس يحتاج إلى المساعدة.

والحدود الأردنية مغلقة منذ قرابة العام ونصف، وذلك بسبب مزاعم حول استهداف إحدى النقاط الحدودية بسيارة مفخخة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وهناك منذ عام اجتماعات تجرى بين الأردن وبين النظام وروسيا لتفكيك المخيم وإجلاء سكانه، فالأردن يعتبر أن مخيم الركبان عبء عليه، بالرغم من تواجده في الأراضي السورية، وليس في الأراضي الأردنية!

والشاهد أن الأردن يحاول تفكيك المخيم بكافة السبل، سواء من خلال إغلاق النقطة الطبية لعدة أيام، أو من خلال إطلاق النار بشكل مباشر أو غير مباشر صوب سكان المخيم، وهي حالات متكررة وبشكل متواصل لإجبار الناس على الخروج من هذه المنطقة.

وعدد سكان المخيم حاليًا 8 آلاف، وذلك بسبب الجوع والحصار الذي اضطر بعض الأسر إلى العودة إلى مناطق النظام مجددًا.

منع تام

* من الموثق أن النظام السوري قد منع وصول منظمات الإغاثة في سوريا لعدة مرات، سواء منظمات الأمم المتحدة، أو منظمات أخرى، فلماذا هذا المنع رغم أنه لدخول أغذية ومستلزمات طبية وعلاجية؟

** النظام يحاول اللعب على وتر معين، وهو الموت بالجوع أو الركوع، إما أن تعود إلى مناطق النظام خاضعًا ذليلًا، وإما أن تموت في هذه الصحراء العريضة، هذه الصحراء التي لا ينبت بها شيء، فالبادية السورية قاحلة وواسعة ولا توجد بها أي سبل للحياة.

رفض المغادرة

* أشاهد نداءات استغاثة متكررة من المخيم، وصور تظهر حالة مأساوية يعيش فيها اللاجئون الباقين هناك، ونرى بشكل مستمر رسائل موجهة إلى الأمم المتحدة واليونيسيف والحكومة الأردنية للسماح بوصول الخدمات الصحية لأكثر من 8 آلاف سوري عالق بالمنطقة.

ومؤخرًا في أغسطس 2018م أعلنت الأمم المتحدة أنها ستساعد السوريين في المخيم، وحددت أسماء الراغبين في المغادرة بالتنسيق مع روسيا، لكن لماذا رفض الباقون المغادرة وقرروا البقاء في المخيم؟

** السبب هو أن الأمم المتحدة لم تكن ضامنًا، حيث قالت إنها غير مسؤولة عن من يخرج من المخيم إلى مناطق النظام، وأنها مجرد وسيلة نقل للاجئين من المخيم إلى حاجز تتواجد عنده القوات الفرنسية، ومن ثمَّ نقلهم إلى مراكز إيواء في مناطق تسيطر عليها قوات النظام السوري.

وفي البداية تم نقل بعض العائلات من المخيم إلى مراكز إيواء في حمص، لكن سرعان ما تم ضرب هذه المراكز بالطائرات، وبعدها تم اعتقال 300 شاب من المتواجدين في تلك المراكز ونقلهم إلى معتقلات النظام.

لذلك فإن الناس بالمخيم خافوا من الخروج، خاصة لأنه عندما اجتمع الوفد اللوجستي للأمم المتحدة مع المتواجدين في المخيم، سألهم الناس: هل أنتم ضامنين لحياتنا وحياة الأطفال بعد الخروج؟، فقالوا: لا، لسنا ضامنين.

فالأمم المتحدة، وكما لاحظت، متى تشاء تلبس ثوب الإنسانية، وأحيانًا أخرى تلبس ثوب السياسة، فقبل فترة جاءوا إلى مخيم وهم حاملين المساعدات، وقالوا نحن لا علاقة لنا بالسياسة، وبعد مدة قالوا: نحن لا نستطيع الاستمرار في تقديم المساعدات إلا بموافقة روسيا والنظام والميليشيات الإيرانية المتواجدة في البادية السورية الآن، وسنكتفي بالدعم اللوجستي وعمليات النقل إلى خارج المخيم فقط.

ضمانات مفقودة

* خالد؛ وشهادتك للتاريخ، لماذا لا يعود السوريون إلى الداخل؟، لماذا يبقون في هذه المآسي في المخيمات، حيث الإذلال والشح في مختلف المواد والمساعدات؟، هل المشكلة فقط تكمن في الضمانات التي لا يحصلون عليها إذا عادوا؟

** بالضبط، لا ضمانات للحياة، قد يتم القتل، أو الاعتقال، أو الزج في صفوف المعارك تحت ذريعة حماية الوطن أو ما شابه من هذا الكلام الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع.

9 أعوام طويلة من عمر الشعب السوري، تعب الشعب، حتى الدول الضامنة تعبت، تركيا والولايات المتحدة وروسيا تعبوا.

* لماذا لا تضمن روسيا عودة المدنين، خاصةً وأن لها اليد الطولى في الملف السوري؟

** يا أ. ليلى، كيف للجلاد أن يكون ضامنًا؟!، روسيا تصب حممها على إدلب، طائراتها وأسلحتها الحديثة تفتك بالشعب السوري، فكيف تكون ضامنة!

معلومات مغلوطة

* ونحن نوثق ما يحدث للتاريخ؛ هناك من يقول إنه من بين الموجودين في مخيم الركبان من حملوا السلاح وقاتلوا ضد النظام، وأنهم يختبئون بين المدنيين، هل هذا صحيح؟، وهل هناك مخاوف أمنية من عودة هؤلاء إلى الداخل السوري ولذلك يعتقلهم النظام؟

** لا، أبدًا، هذه معلومات مغلوطة، نهائيًا لا يوجد أي مقرات عسكرية داخل مخيم الركبان، فأقرب مقر عسكري يبعد مسافة 30 كيلومتر عن المخيم، وأساسًا لا يوجد سلاح داخل المخيم، وقد دخلت الأمم المتحدة داخل المخيم، وتجولت بين المتواجدين فيه، ولم تشاهد مجرد رصاصة واحدة، لا أقول بندقية، بل رصاصة واحدة!

إدخال المساعدات

* هل هناك أية طريقة لإدخال المساعدات إلى المخيم؟، خاصة وأن هناك الكثير من العائلات داخل المخيم الآن.

** يتم إدخال المساعدات إلى داخل المخيم على سيارات عن طريق التهريب، وللأسف يتم فرض إتاوات من قِبَل ميليشيات النظام على هذه السيارات، بمبالغ تصل إلى 2 أو 3 مليون ليرة سورية، لذا يضطر التاجر إلى رفع قيمة المواد لتعويض خسارته التي دفعها كإتاوات، ومن هنا يزداد عبء المخيم.

يعني السلعة ممكن تكون في حمص بـ 5 ألاف ليرة، وعندما تصل إلى مخيم الركبان يرتفع سعرها إلى 20 ألف ليرة بسبب هذه الإتاوات المفروضة من حواجز النظام المنتشرة على الطريق، فمن منطقة “الضُمير” إلى مخيم الركبان هناك 64 حاجزًا عسكريًا، رغم أن المسافة 210 كيلومتر.

* لكن هل من الممكن أن يكون هناك وساطة مع الحكومة الأردنية لإدخال بعض المساعدات الإنسانية عبر المعبر الحدودي مع الأردن؟

** أ. ليلى، للأسف لا أحد يستطيع الضغط على الأردن مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وغيرهما لا يوجد، وهذا واقع.

مساعدات ضرورية

* ماذا يحتاج المخيم الآن من مساعدات؟، أي المواد أو المساعدات الذي هو في حاجة ماسة إليها؟

** الآن يحتاج المخيم بشدة إلى مواد التدفئة، والمواد الدوائية والعلاجية، هذا إلى جانب المواد الغذائية الأساسية، وكذلك إقامة مستشفى حقيقي به أطباء متخصصين لعلاج الحالات الحرجة والأمراض، وليس مجرد مستوصف صغير.

* الصحفي السوري “خالد العلي”، كنت معنا في شهادة توثيقية للتاريخ كشاهد عيان على ما يحدث داخل مخيم الركبان، أشكرك جزيل الشكر على مشاركتنا بهذا الحديث، وأعدك بأنني سأقوم شخصيًا بالتواصل مع جمعيات إغاثية، وإيصال هذه الرسالة إليها، وربما مع الحكومة الأمريكية، وذلك للتعاون وإدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل مخيم الركبان.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى