الراديو

تأثير هجمات أرامكو على ترامب والاقتصاد الأمريكي.. وسيناريوهات المواجهة

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

يعتبر الكثير من المراقبين الهجوم الكبير الذي تعرضت له شركة أرامكو السعودية مؤخرًا تطورًا نوعيًا في مسلسل تصعيد التوتر في منطقة الشرق الأوسط.

ففي الفترة الماضية شهدت المنطقة عدة أحداث كان لها تأثيرات محدودة على الاقتصاد العالمي من بينها احتجاز ناقلات النفط وتنفيذ هجمات صغيرة على منشآت النفط السعودية، في محاولة لإرسال رسائل سياسية وأمنية واقتصادية أيضًا، مفادها أن استمرار العقوبات على إيران ومنعها من تصدير النفط سيكون له عواقب وخيمة ليس على إيران وحدها وإنما على المنطقة والعالم بأسره.

في هذا الإطار جاء الهجوم الأخير مختلفًا هذه المرة من حيث حجمه وأضراره، التي وصلت إلى توقف أكثر من 50% من إنتاج النفط السعودي، وإحداث هزة في سوق النفط العالمي، دفعت بأسعار النفط لتسجل أعلى ارتفاع يومي لها منذ  حوالي 30 عامًا، وصاحب ذلك ارتفاع كبير لأسعار الذهب أيضًا.

تطورات أثارت قلق الاقتصاد العالمي بصفة عامة، والاقتصاد الأمريكي بصفة خاصة، لدرجة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سارع باتخاذ قرار بالموافقة على السحب من المخزون الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي، في محاولة لإعادة التوازن لسوق النفط العالمي وكبح جماح ارتفاعات أسعار النفط التي ستضيف الكثير من الأعباء على كاهل الاقتصاد والمواطن الأمريكي وتحرج ترامب نفسه سياسيًا واقتصاديًا وتصعب من مهمة الحفاظ على مقعده بالبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الإعلامية ليلى الحسيني استضافت الخبير الاقتصادي نايل فالح الجوابرة، عبر اثير راديو صوت العرب من أمريكا، في فقرة خاصة لمناقشة تداعيات الهجمات الأخيرة على الاقتصاد العالمي والأمريكي، وسيناريوهات تجاوز هذه التداعيات على مستوى الولايات المتحدة والعالم.

احتواء الحدث

* سيد نايل، تعرضت منشآت شركة ارامكو السعودية لهجمات كبيرة أدت لتوقف نصف الإنتاج، لكن السعودية أعلنت فيما بعد عودة إمدادات النفط إلى طبيعتها، وأن شركة أرامكو ستفي بكافة التزاماتها نحو عملاءها خلال الشهر الجاري، وذلك عن طريق زيادة إنتاج النفط إلى مستوى أعلى من المعتاد، حيت سيتم الاعتماد على مخزون النفط الذي تحتفظ به الشركة.

كما أعلن وزير النفط عبد العزيز بن سلمان أن المملكة سوف تنتج 11 مليون برميل نفط يوميًا في نهاية سبتمبر/أيلول الجاري، كما ستنتج 12 مليون برميل يوميًا قبل نهاية نوفمبر/تشرين المقبل. فما مدى أهمية الهجوم الأخير على المملكة؟، وما دلالاته؟، وما هو حجم الأضرار الفعلية على السعودية؟

** مبدئيًا؛ الجميع كانوا يترقبون هذا التصريح من وزير الطاقة السعودي، والجميع كان يسأل عن حجم الضرر، ومدى قدرة المملكة العربية السعودية على احتواء هذا الضرر والانتهاء منه. طبعًا الأحداث وقعت في يوم السبت، والأسواق العالمية مغلقة السبت والأحد، ومع بداية الأسبوع يوم الاثنين، وجدنا الأسواق الآسيوية تُفتتح على ارتفاع قرابة 20% وهى تعتبر أعلى ارتفاعات على مدار 30 سنة، وهذه الارتفاعات أوصلت سعر خام برنت إلى 71 دولار تقريبًا.

وبعد تصريحات وزير الطاقة السعودي اتجهت الأسواق إلى الانخفاضات، فهذه التصريحات قد احتوت جميع التوقعات التي كانت تشكك في قدرة المملكة على الإنتاج وعلى احتواء الوضع، فالمملكة العربية السعودية تصدر يوميًا 9 مليون برميل، ومؤكد أن زيادة الإنتاج إلى 11 مليون برميل، ثم إلى 12 مليون برميل لاحقًا، تعني أنه سيكون هناك إنتاج فائض في المملكة، وسيتم التخزين الاستراتيجي للمدى البعيد.

وهذا يؤكد قدرة شركة أرامكو على احتواء هذا الحدث، أو أي أحداث إرهابية أخرى عليها، ولا ننسى أنه في عام 2018م كانت هناك أحداث إرهابية أكبر من ذلك، واستطاعت المملكة العربية السعودية أن تحتويها.

تجاوز الأزمة

* إذن ترى أن المملكة العربية السعودية قد تجاوزت آثار هذا الهجوم سريعًا، هل ترى هذا واقعًا فعليًا؟

** بكل تأكيد، وهذا بالأرقام وليس بالتصريحات، ارتفاع الأسعار بشكل جنوني يوم الاثنين إلى 20%، وانخفاضها بالأمس إلى 8% تقريبًا، هذا يوضح بجلاء مدى احتواء الأزمة، أيضًا بواخر التصدير مستمرة في طريقها إلى الأسواق العالمية.

والحدث لم يكن هينًا فخلال 7 ساعات، كانت هناك 10 حرائق في أماكن مختلفة، خاصة في بقيق، التي تعد الأكثر احتواءً للنفط، لكن الشركة استطاعت السيطرة على الوضع، لكن مازالت الأسواق تحتسب للمخاطر الجيوسياسية.

أسهم أرامكو

* لكن هل سيتم تأجيل طرح أسهم شركة أرامكو بعد هذه الهجمات؟

** لا أعتقد أنه سيكون هناك تأثير، خاصة وأنه كان هناك تأكيد من السعودية ومن شركة أرامكو على استمرارية الإنتاج، فهي شركة عالمية في تصدير النفط وأرباحها خيالية، وهى مستهدفة دائمًا، ومؤخرًا قد تم الإعلان عن أنه خلال 12 شهرًا سيكون الطرح الأوليّ للشركة في الأسواق العالمية.

والطلب المتزايد عليها هو ما يجعل طرح أسهمها مهم جدًا، وإن كنت أعتقد أنه لن يكون بشكل سريع بقدر ما سيكون بشكل جذاب، كونها شركة ضخمة وعالمية، والإقبال على أسمهما متزايد بشكل كبير.

قوة أرامكو

* أعود إلى تصريحات الأمير عبد العزيز بن سلمان، الذي قال إن الهجمات المتكررة تؤثر على كافة إمدادات النفط في العالم، واصفًا الاعتداءات المتكررة على المنشئات النفطية وخطوط الملاحة الدولية بأنها تؤثر على الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.

فما هو حجم أضرار هذا الهجوم على الاقتصاد والنفط العالميين؟، وهل التأثير قصير المدى أم طويل المدى برأيك؟

** بالنسبة للضربة فهي تعتبر قصيرة التأثير، لكن بشكل عام فإن أي مشكلة تصيب قطاع النفط يكون لها تأثير على جميع الدول، سواء كانت نامية أو متقدمة، خاصة الدول الصناعية لأنها تحتاج للنفط بشكل كبير.

وخلال الأشهر السابقة، كنا نتحدث عن وجود تخمة في المعروض، وذلك بسبب الحرب التجارية، والناتج الصناعي لدول العالم، سواء في أمريكا أو أوروبا أو الصين، هو ما أثر بشكل سلبي، والطلب الأقل مما كان عليه في السابق هو ما جعل هناك تخمة أكبر في المعروض بالنسبة للنفط.

فأي خلل في إنتاج النفط يؤثر على كل الدول، كونه حيوي جدًا ويدخل في تصنيع جميع المنتجات، لكن نشير هنا إلى أن الهجوم على أرامكو سيكون تأثيره وقتي، وعودة الأسعار إلى طبيعتها بالرغم من الهجوم كان بفضل أرامكو وقوتها وقدرتها على احتواء الحدث.

أصابع الاتهام

* لم يوجه وزير الطاقة السعودي أي اتهامات لأي جهة بالضلوع في الهجوم، برأيك هل انتقل الصراع من سياسي وأمني إلى صراع اقتصادي؟

** بكل تأكيد، ولا ننسى أن هذه هي الورقة التي دائمًا ما تلعب بها إيران، حيث تتلاعب دومًا بورقة النفط، ولا ننسى التصريحات الإيرانية السابقة التي تشير إلى أنه في حال منع إيران من تصدير النفط فإنها ستمنع أي دولة أخرى من تصديره، وهى تشير هنا إلى دول الخليج، ورأينا سابقًا توجههم إلى خطف الناقلات والآن يتجهون إلى ضرب مواقع الإنتاج.

فالضغط الذي حدث على الاقتصاد الإيراني جعله يختنق، خاصة عقب العقوبات الأمريكية، وتتجه إيران إلى مثل هذه الضربات لرفع أسعار النفط، فإيران مازالت تقوم بالتصدير لكن بكميات منخفضة جدًا مقارنة بالسابق، وهى تفعل ذلك وعينها على الاتحاد الأوروبي للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن النفط الإيراني.

خطورة الحرب

* لا شك أن موقف الولايات المتحدة كان واضحًا وداعمًا للمملكة العربية السعودية، في تصريحات عدة، فقد وصفتها بأنها الحليف الرئيسي لأمريكا، وأنهم لن يسمحوا باستهداف منابع النفط، ولكن هناك تباين في هذا الشأن، فصقور الكونجرس، على سبيل المثال السيناتور الجمهوري ليندي غرهام، قال أن العمل هو عمل حربي، واصفًا الهجمات الأخيرة التي استهدفت أرامكو.

في حين أن الرئيس ترامب قد بدا حَذرًا وأنه يفضل التشاور مع الرياض، وانتظار تأكيدات حول كيفية حدوث الهجوم. لكن ماذا لو نشبت الحرب في المنطقة؟، هل ستكون منشآت النفط أهدافًا مباشرة لها؟

** بكل تأكيد، وهذا ما تسعى إليه الدول المُخرِّبَة، أقصد هنا إيران وأتباعها، وقد شهدنا في السابق أيضًا ضرب أنابيب النفط وخطف الناقلات وتخريبها، وخلال حرب الخليج السابقة وحرب العراق كانت إيران تتجه دائمًا إلى ضرب الناقلات، فكانت الناقلات ترفع العلم الأمريكي كي لا يتم ضربها أو اعتراضها.

أشير هنا إلى أن هناك نوعان من النفط، النفط الذي لدينا في دول الخليج، والذي يتم استخراجه بسهولة وبتكلفة أقل، والنفط الصخري، وهذا الأخير يحتاج إلى معدات خاصة ويكون استخراجه مكلف جدًا، لذلك بمجرد الإعلان عن خبر الهجوم على أرامكو ارتفعت الأسعار بشكل كبير بعد فتح الأسواق مباشرة، وذلك لقوة مكانة النفط الخليجي.

تحمل كلفة الحرب

* في تصريح لنائب الرئيس الأمريكي “مايك بينس”، قال إن الولايات المتحدة الأمريكية على أهبة الاستعداد للدفاع عن مصالحها وحلفاءها في الشرق الأوسط، أما البنتاجون فقد تحدث صراحة عن تكلفة الحرب، في حين أن الرئيس ترامب طلب من السعودية تحمل تكلفة حمايتها، كما ألمح إلى ما عانته أمريكا اقتصاديًا جراء تورطها في الحروب السابقة. فكيف ترى ذلك؟

** بكل تأكيد إذا كانت هناك حرب فسوف تطول الكل، فأسعار النفط لن تؤثر فقط على دول الخليج، والولايات المتحدة أكدت أكثر من مرة أنها لن تخوض حربًا فردية، بل ستكون جماعية وفي إطار تحالف دولي، لذلك فإن الترقب الآن هو حول كيفية الضربة الأخيرة ومن يقف وراءها، وسيكون لمجلس الأمن مكانة في هذه القضية، كون هذا الهجوم يشكل ضربة للاقتصاد العالمي وليس السعودي فقط.

لكن ـ وبكل شفافية ـ فكلما زادت أسعار النفط، كلما كنا نحن المستفيدين، كونها تدر أرباحًا إضافية تدخل في الناتج المحلي، لكن سوف تخسر الدول الصناعية والكبرى بشكل كبير، لأن الأسعار ستكون باهظة عليها، وكذلك نقل النفط سيكون مكلف جدًا، مثلما شهدنا عند رفع أسعار التأمين على الناقلات بعد محاولات تخريبها في الخليج.

تأثير الحرب على اقتصاد أمريكا

* هل الاقتصاد الأمريكي قادر على تحمل تبعات نشوب هذه الحرب أو التورط فيها؟، وهل الحل في إجراءات اقتصادية عالمية لتجاوز تداعيات الهجوم أم إجراءات سياسية لمواجهة أسبابه؟

** بكل تأكيد هي إجراءات سياسية، فالسياسة والاقتصاد هما وجهان لعملة واحدة، وفي حالة نشوب الحرب لن يتضرر الاقتصاد الأمريكي فقط، بكل اقتصادات جميع الدول، لذلك اتجه الرئيس ترامب إلى التصريح بأن الحرب لن تكون قرار من طرف واحد، وهو يقصد الولايات المتحدة. فالاقتصاد الأمريكي في نمو مستمر، ولاحظنا على ذلك عودة قوة الدولار الأمريكي، وإذا نشبت الحرب فإن الخسارة سوف تلحق بالجميع، وأظن أنه في حالة الحرب قد يتجاوز برميل النفط 200 دولار.

* كيف سينعكس ارتفاع  أسعار النفط على المواطن العادي في أمريكا؟

** رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد باتت تعتمد على نفطها بشكل كبير، وهو النفط الصخري، وليس على النفط المستورد من الخارج، لكن الاقتصاد الأمريكي سيتأثر بشكلٍ من الأشكال، كما أن الناتج المحلي سيتأثر سلبيًا.

اكتفاء أمريكا

* “الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى نفط وغاز الشرط الأوسط”، هكذا قال الرئيس ترامب، معتمدًا في ذلك على حقيقة أن الولايات المتحدة باتت أكبر منتج للطاقة في العالم، فهل أصبحت أمريكا فعلا في غنى عن نفط الشرق الأوسط كما قال ترامب؟، ولماذا؟

** لا أعتقد أن الولايات المتحدة قد باتت في غنى عن النفط الخليجي، لأن الاعتماد على النفط الصخري قليل ولم تستطع أن تعتمد عليه جميع الصناعات إلى وقتنا الحالي، كما أن تكلفة استخراجه كبيرة، فالنفط يعتمد على التصدير والاستيراد، وفي حالة اعتماد ترامب على نفطه الخاص، فإن هذا سوف يؤدي إلى أن يصل سعر البرميل إلى 10 دولارات كما قال الرئيس ترامب، وهذا ما حدث وشهدناه في فترة السبعينات.

لكن الآن نرى أن الأسعار مازالت مرتفعة، فالطلب لا يزال متزايدًا، وسعر الخام برنت أعلى من الـ WTI الذي تصدره أمريكا بنسبة تقريبًا من 5 إلى 6 دولارات، والمستهلك دائمًا ما يبحث عن السعر الأقل.

عرش إنتاج النفط

* تساءل بعض المحللين الاقتصاديين؛ هل أزاحت أمريكا السعودية من على عرشها كأكبر مصدر للنفط في العالم؟، فبحسب الأرقام الخاصة بوزارة الطاقة الأمريكية، فإن الولايات المتحدة تمتلك أكبر كميات للاحتياطي النفطي في SPR والذي وصلت حتى منتصف سبتمبر الحالي إلى 645 مليون برميل.

** إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أزاحت السعودية، فلماذا سعر الخام دائمًا في الولايات المتحدة مرتفع، وفي نفس الوقت فإن التصدير منخفض، ولو اتجهنا إلى السعودية فإن الإنتاج مازال نفسه كالسابق، بل بالعكس سوف يزيد عمّا قريب، وهى دائمًا كانت المتحكمة في اجتماعات أوبك والقائدة في استقرار أسعار النفط.

صحيح هناك زيادة في إنتاج النفط في الولايات المتحدة، وهذا يستدعي أن يكون هناك اجتماعات مكثفة لأوبك وأوبك بلس، بين منتجي النفط العادي والنفط الصخري للمحافظة على أسعار النفط، وإلا سيكون هناك ضرر كبير في الأسعار والإنتاجية، وبالتالي ستتأثر كل دول العالم.

قرار السحب من الاحتياطي

* كيف تقيّم قرار الموافقة على السحب من الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي؟، هل هو قرار سياسي أم اقتصادي؟، وهل ستختلط القرارات السياسية بالاقتصادية في الفترة المقبلة؟

** هذا قرار سياسي بشكل كبير، فالسياسة والاقتصاد مرتبطان بشكل كبير، لكن دخول النفط الصخري إلى الأسواق لتعويض النقص في النفط السعودي، هذا سيحدث بلبلة كبيرة خاصة لدى المستهلكين، وستكون الأسعار متدنية جدًا.

توقيت حساس

* يأتي هذا القرار في فترة حساسة بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، خاصة وأننا مقبلين على انتخابات رئاسية، فكيف سيؤثر هذا القرار على خيارات الرئيس الأمريكي؟

** كما ذكرنا أن هذا الهجوم سيكون له تبعات كبيرة، أولها تتعلق بأسعار النفط، وثانيها تتعلق بالرئيس الأمريكي، فإيران باتت تسعى للتخريب والضرب في المناطق الإستراتيجية والحساسة، في محاولة منها للفكاك من الاختناق الذي أصاب اقتصادها، ومحاولة للتأثير على الرئيس الأمريكي بأن يكون هناك مفاوضات أو التوصل لحل أفضل بالنسبة لها.

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى