طبيبك الخاص

العيادة النفسية- ماذا تعرف عن الاضطراب ثنائي القطب وكيفية علاجه؟

استشارات نفسية يقدمها: د. وجدي عطية – أعدها للنشر: هارون محمد

الاضطراب ثنائي القطب، أو ما يسمى بالاضطراب ذو الاتجاهين، أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، هو اضطراب نفسي يسبب فترات من الاكتئاب، وأخرى من ارتفاع المزاج (الابتهاج) بشكل غير طبيعي.

وعُرِفَ هذا الاضطراب سابقًا باسم اكتئاب الهوس، أو باسم فترات الهوس، أو الهوس الخفيف، وذلك اعتمادًا على شدتها، أو ما إذا تصادف وجودها مع وجود الذهان.

وتختلف فترات الابتهاج غير الطبيعي عن الشعور بالابتهاج في الظروف الاعتيادية، كونها تؤدي بالشخص في بعض الأحيان للقيام بأعمال طائشة وغير مسئولة أو مدروسة العواقب.

خطورته: يظل خطر الانتحار عند المرضى المصابين بالاضطراب ثنائي القطب مرتفعًا بنسبة تفوق 6 بالمائة. وفي نفس الوقت قد تحدث أيضًا حالات من إيذاء النفس عند حوالي 30 إلى 40 بالمائة من الحالات. ويمكن لاضطرابات نفسية أخرى مثل اضطراب القلق وتعاطي المخدرات أن تكون مرتبطة عادة بالاضطراب ثنائي القطب.

أنواعه: ينقسم الاضطراب ثنائي القطب بصفة عامة إلى نوعين هما: اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول، ويتميز بحدوث نوبة هوس واحدة على الأقل، مع أو بدون نوبات اكتئابية. واضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني، ويتميز بوقوع نوبة واحدة على الأقل من الهوس الخفيف (وليس الهوس) ونوبة اكتئابية رئيسية (كبرى).

أسبابه: تظل مسببات الاضطراب ثنائي القطب غير مفهومة، لكن العوامل الوراثية في الواقع هي الأكثر تأثيرًا، حيث يُعزى إليها حدوث حوالي 85 بالمائة من الحالات، نتيجة لوجود العديد من الجينات ذات التأثير الصغير، والتي يمكنها زيادة مخاطر الإصابة به. وتشمل عوامل الخطر البيئية كلًا من إساءة معاملة الأطفال والتوتر على المدى الطويل.

للحديث أكثر عن هذا المرض وأسبابه وأعراضه وطرق علاجه، استضاف برنامج “العيادة النفسية”، الذي يذاع عبر أثير راديو “صوت العرب من أميركا”، الدكتور وجدي عطية، أستاذ الصحة النفسية والسلوك بجامعة جورج واشنطن سابقًا.

سبب التسمية

* لماذا سمي الاضطراب ثنائي القطب بهذا الاسم؟

** تم تسميته بهذا الاسم لوجود ثنائية مشاعر لدى المريض، كالاكتئاب والشعور بالنشوة، وهناك الشعور بالسعادة والشعور بالعظمة، كأن يذهب المريض لشراء بدلة باهظة الثمن وهو لا يملك هذا المبلغ، أو أن يدعو 5 أو 6 أشخاص للغداء في منزله وهو ليس لديه طعام. والحقيقة أنه غير مسئول عن هذا النوع من سوء تقدير الأمور، لأن المشكلة أنه في هذه اللحظة يكون متأثرًا بالاضطراب ثنائي القطب، وهو ما نسميه الهوس “mania”.

علاقته بالاكتئاب

* ما هو الفرق بين الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب “Bipolar”؟

** من المهم معرفة الفرق بينهما والتشخيص المبكر لهما. فأحيانًا يصاب مريض اضطراب “المزاج” ثنائي القطب بالاكتئاب أولًا، لذلك نسأل أولًا أسئلة محددة أهمها: هل أصيب المريض بالاكتئاب، أو بجزء من الاضطراب ثنائي القطب أم لا. وقد يتضح أحيانًا أنه لم يصب مُسبقًا، ومعرفة ذلك أمر مهم بالنسبة لنا؛ لأنه حالة مريض اضطراب ثنائي القطب تسوء أحيانًا لأكثر من الهيجان والقلق عند تعاطيه أدوية الاكتئاب.

ومن الأسئلة المهم الإجابة عليها أيضًا سؤال: من ماذا تخاف؟، ومن خلال إجاباته نكتشف أن مريض الاكتئاب عادة ينام كثيرًا، ويكون دماغه هادئ، وليست لديه الرغبة في القيام بأي شيء، ولا يهتم بمنظره، ولا يرغب في شراء الملابس.

أما مريض اضطراب ثنائي القطب فيكون نومه أقل ومتقطع، ويعمل دماغه 24 ساعة، ويكون لديه حب لإنفاق الأموال دون الالتفات إلى الأولويات، فعندما تذهب سيدة مثلاً لشراء بلوزة، فإنها تشتري البلوزة والفستان والبالطو، وهي تعلم أن المنزل لا يوجد به طعام. وبدلًا من شراء قلم روج فقط تشتري القلم والكحل وطلاء أظافر، وهي تعلم أن هذا يؤثر على الميزانية، ولا تدرس عواقب أفعالها.

عيوب ومميزات

كما يعاني المريض من الاندفاع والتهور، وذاتية التفكير عملاً بمبدأ “أنا ومن بعدي الطوفان”. ومن المهم جدًا معرفة هذه الأمور لكي نبدأ بتحديد العلاج المناسب؛ لأننا لو بدأنا بعلاج الاكتئاب، ولم نستثني مرض اضطراب ثنائي القطب، حينها سنتسبب نحن كأطباء في ظهور هذا المرض.

لكن من المهم جدًا أن نعرف أن المصاب باضطراب ثنائي القطب يكون لديه مميزات، فهو نبيه، ولديه القدرة على إنجاز عمله بسرعة، كما تركيزه في مرحلة من المراحل يفوق الممتاز، ولديه القدرة على الاستكشاف.

أما بالنسبة لعلاج اضطراب ثنائي القطب، فيجب أن أعطي المريض دواء يساعد على استقرار الحالة المزاجية له، وأن أتفادى أولًا أي أدوية ضد الاكتئاب لكي لا تسوء حالة المريض، وبالتالي تزداد سرعة عمل الدماغ ويزداد معدل الانفعال، وإنفاق المال، والسلوك المتهور، ولا يكون هناك توازن في السلوك مع الدماغ.

أسباب الاضطراب ثنائي القطب

* هل هناك أسباب يمكن أن تؤدي إلى إصابة الشخص العادي بمرض الاضطراب ثنائي القطب؟

** المصاب بالاكتئاب أو باضطراب ثنائي القطب هو شخص طبيعي وعادي، ويمكن لأي شخص الإصابة بهذين المرضين، حتى وإن كان الشخص كبيرًا في السن. وعلى الرغم من أن هذا الأمر ليس شائعًا، إلا أن الشخص يمكن أن  يصاب بالمزاج العالي والمنخفض في نفس الوقت.

من الممكن أن نعالج المصاب بالاكتئاب، لكن يجب أن ندرك أننا إذا قمنا بمعالجة الاكتئاب، فقد يظهر الاضطراب ثنائي القطب. فعند معالجة الاكتئاب سنجد أن المكتئب الذي لم يكن يخرج من منزله، ولم يكن يذهب لشراء أي شيء، بدأ يخرج من المنزل، ودعا 5 أشخاص من أصدقاءه، واشترى سيارة وغيرها، وبالتالي نعرف أنه مصاب باضطراب ثنائي القطب، وذلك نتيجة تناول هذا المريض لأدوية مضادة للاكتئاب.

 لذلك عند تشخيص حالة المريض في أول مرة، نسأل المريض أولاً هل  هناك أحد من العائلة كان مصابًا بالاكتئاب أو بالاضطراب ثنائي القطب، أو أي مرض عقلي، لأن هناك نوع من الجينات تكون موجودة عادة وتدعم ظهور هذين المرضين.

كما نسأل المريض عن إصابته بأعراض الاضطراب ثنائي القطب، لأنه يكون لدينا علامة استفهام في تشخيصنا، لأنه لا يمكن لأشعة الدماغ أن تخبرنا بأن المريض مصاب بالاكتئاب أو بالاضطراب ثنائي القطب.

ولكن يزداد شكنا في إصابة المريض بالاكتئاب أو بالاضطراب ثنائي القطب، إذا علمنا أن أحد أقاربه أصيب في السابق باضطراب ثنائي القطب. فإذا كان هناك تشخيص بإصابة داخل العائلة بأي من المرضين، ينبغي أن يتم تثقيف المريض وعائلته، واقتراح إعطاء أدوية تساعد على استقرار الحالة المزاجية، لكن نتجنب تمامًا العقاقير المضادة للاكتئاب.

تشخيص الأمراض النفسية

* يعتمد الطبيب العادي على التحاليل والأشعة لتشخيص المرض، فعلى ماذا يعتمد الطبيب النفسي في التشخيص الدقيق للأمراض النفسية؟

** لا يوجد فصل بين المرض العضوي والنفسي، فهناك مشاكل في الغدد الدرقية وأشياء أخرى يمكن أن تصيبنا بالاكتئاب أو الهوس، فمثلًا مريض السرطان يصاب بالاكتئاب والخوف، فهل نعالج الاكتئاب في هذه الحالة؟، بالتأكيد نعم؛ لأن السرطان يمكن أن يتمكن من المريض في هذه الظروف النفسية، ومن المهم المحافظة على الجهاز المناعي للإنسان، ولا بد أن نعرف هل الاكتئاب موجود مع هذه الأمراض أم لا، وهل هذا المرض يؤثر في المريض نفسيًا وجسديًا؟، وعلينا الاهتمام به ومعالجته.

* هل يعن ذلك أن على الطبيب أن يلتمس من حواره مع المريض أي أعراض يمكن أن يحدد من خلالها تشخيص الحالة؟

** هذا أمر مهم جدًا، وفي رأيي أنه على زملائنا الأطباء في المجالات المختلفة إذا تولدت لديهم شكوك في إصابة المريض باكتئاب أو هوس أو فصام أو هلوسة وغيرها، أن يقوموا بتحويل المريض إلى متخصص في هذا المجال، ليساعده في العلاج، أو للتأكد من وجود هذه الحالة من عدمها.

فالجسم الجسم عبارة عن جزء واحد، وهناك ارتباط بين الدماغ وبين الحالة النفسية والجسدية، وجميع الأمراض التي يصاب بها الإنسان تعتمد بشكل كبير على الطريقة التي يرى بها هذا المرض ومحاربته له. فإذا كان الإنسان يعاني من ارتباك أو اكتئاب، فسيجد نفسه غير قادر على عمل شيء، وسيتمكن المرض منه. ونحن نعيش في عصر التطور العلمي، لذا لا ينبغي أن يتأخر المريض في البحث عن علاج لحالته.

* بماذا تفسر إصابة شخص قام بعملية قلب مفتوح بنوع من الاكتئاب بعد العملية، وقد يستمر لعدة سنوات؟

** أنت قلتِ “قام بعملية قلب مفتوح”، وهذا يدل على وجود خوف لديه قبل العملية، وهذا الخوف يستمر بعد إجراء العملية، فهو يسأل نفسه: هل قام الأطباء بالعملية بشكل صحيح؟، وهل تم إغلاق الجرح بشكل صحيح؟، وهل سيصاب بنوبة قلبية أخرى؟، وهل هذه آخر عملية ستجرى له أم ستُجرى له عملية أخرى؟، وهذه التساؤلات في رأيي الشخصي تدل على قلة الإيمان، فعندما تُجرى لك عملية جراحية فعليك أن تترك الأمر في يد الله.

أمراض نفسية أخرى

* تحدثنا عن الاكتئاب ومرض الاضطراب ثنائي القطب، فهل هناك أمراض أخرى تصيب الصحة النفسية؟

** الأمراض النفسية كثيرة جدًا، فهناك انفصام الشخصية، والارتباك المستمر، وهناك أشخاص قد يصابون بالذعر أثناء قيادتهم للسيارات. وهناك أمراض خاصة بالشخصية، فهناك شخصية رزينة وهادئة، وهناك شخصية عصبية ومتكبرة يرى صاحبها نفسه أفضل من الكل، وشخصية خاملة لا يهتم صاحبها بأي شيء، والكثير من الشخصيات، ومن الممكن أن نتحدث لاحقًا عن نوعيات الشخصيات.

* هل الانطواء الشخصي وعدم الاختلاط والتعامل مع المجتمع يعتبر من الأمراض النفسية، أم أنها حالة تتعلق بسلوك شخصي؟

** تعتبر سلوكًا شخصيًا إذا ولدت منطويًا وظللت طوال عمرك هكذا، حيث لا ترغب في الحديث مع أحد وكبرت على هذا الانطواء. ولكن إذا كنت تختلط مع المجتمع وفجأة تغير سلوكك، ولم تعد ترغب في الاختلاط بأحد، ولا تحب سوى الجلوس في المنزل وعدم مفارقة السرير. إذًا هناك شيء حدث، لكن ما هو؟!، فقد تكون سليم جسديًا، ولكن هناك شيء حدث في الدماغ قام بتغيير سلوكك، وقد تكمن المشكلة في بعض الأحيان في طريقة استقبال الإنسان للأحداث.

* هناك أشخاص نقابلهم في حياتنا لديهم القدرة على القفز إلى النتائج، والتعبير عن ذلك بموجات من الغضب الذي قد يخرج عن السيطرة، فهل عدم القدرة على السيطرة على الغضب تدخل في نطاق الأمراض النفسية؟

** نعم بالطبع، فهذا نوع من السلوك المندفع، بمعنى أنك تأخذ قرارًا ليس له أي سبب، وتجعل الناس تنفر منك، وهناك أناس تكون هذه هي شخصيتهم الطبيعية، وليس من الصحيح تركهم هكذا؛ لأن هذا سيكون أسلوب حياتهم فيما بعد، بمعنى أنهم سيقومون بعمل ما يطرأ في ذهنهم، وهم لا يعون ذلك، ثم يندمون في وقت لا ينفع فيه الندم.

طرق العلاج

* هل يمكن معالجة مثل هذه السلوكيات؟

** نعم طبعًا، لأنك لا تشعر بما تقوم به، ولا يوجد من يرغب في أن يخسر أصدقاءه وعائلته، 99 بالمائة لا يرغبون بهذا، وأحيانًا عندما ننبههم يتأسفون عما فعلوه ثم يكررون الخطأ مرة أخرى، وهذا لا يدل على أنهم سيئون، ولكنهم لا يشعرون بما يفعلون.

ولذلك تحتاج هذه الحالات إلى علاج، حيث يجب أن نضع المريض على أرض الواقع ونوضح له ما أدت إليه الأمور بسبب ما قام به. وسؤاله عما إذا كان يريد الاستمرار في فقدان من حوله، أم يريد أن يعيد حياته للطريقة التي يراها صحيحة، وهل يريد أن يكون قمر يطوف في السماء، أم يريد أن يكون أرضًا جرداء بلا مستقبل.

* هل يعتمد علاجك للمريض النفسي على جلسات تشاور وثقة بينك وبينه، أم يكون الاعتماد على الأدوية والعقاقير فقط؟

** يكون الاعتماد على الأمرين معًا. فعلى المريض أن يكون صريحًا مع طبيبه، وأن يخبره بكل مشاكله بوضوح، فأحيانًا لا يحب المريض أن يقول إنه متشاحن مع زوجته، ويقول أشياء أخرى، وبالتالي هو لم يضع يده على السبب، فمن أين سيعلم الطبيب؟، وأحيانًا لا يرغب المريض في الذهاب إلى الطبيب النفسي، ويقول في نفسه “أنا لست مجنونًا”.

وأحيانًا يكون للأطباء قدرة على المساعدة في هذه العملية. فعندما تريد أن تستكشف مريضًا تحاول أن تدخل إلى عقله وداخله لتقرأ تفكيره وأسلوبه، وتحاول فهم السلوكيات العامة والخاصة به، وتحاول معرفة خبرة الشخص نفسه، فالإنسان الناجح في كل شيء وفشل في شيء واحد لا يعني ذلك أنه فاشل، وإنما يدل على وجود أسباب أدت إلى نجاحه وفشله.

وأحيانًا لا توجد أسباب، لأن القدرات الاستيعابية تكون مختلفة، فمثلا لا يمكن أن تكون مهندسًا وجميع معلوماتك متركزة في الأحياء والتاريخ، فكل شخص لديه إمكانيات، ولكن لو أردت أن تصبح مهندسًا فمن الممكن أن تحقق ذلك، ولكن عليك أن تمضي في طريق معين لكي تحسن نفسك في هذا المجال، ولكن لا يمكن أن تريد أن تصبح مهندسًا وأنت لا تملك أدنى فكرة عن الحساب والهندسة، ولا ترغب في تعلم ذلك، فهذا أمر غير ممكن. وبالطبع كل وظيفة لها احترامها ونحتاج إليها في مجتمعنا، جميعنا نمثل شبكة في هذا المجتمع وكل من يحتاج للآخر.

* في النهاية نذكر مستمعينا بالإيميل الذي يمكنهم أن يرسلوا من خلاله أسئلتهم للدكتور وجدي عطية في برنامج العيادة النفسية، وهو: [email protected]

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لمتابعة البرنامج عبر اليوتيوب :

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وللمتابعة عبر الساوند كلاود :

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى