الراديو

التقاليد العربية في المهجر.. كيف يكون الأب والأم قدوة لأبنائهم؟

استشارات تربوية يقدمها الدكتور وجدي عطية

أعدها للنشر : محمد سليم / مروة مقبول

يجتهد الآباء والأمهات كثيرًا في تربية أبنائهم، ويتبعون معهم مختلف الطرق التربوية حتى ينجحوا في تنشئتهم على أفضل صورة، ويسعون في ذلك خلف كل مصادر التربية، سواء ما ورثوه عن الآباء والأجداد، أو ما تعلموه من الكتب والمتخصصين، لكنهم قد ينسون أحيانًا أن هناك مصدر أساسي يأخذ منه الأبناء كل شيء تقريبًا، وهو الأب والأم.

ويتطلب هذا الأمر حرصًا كبيرًا من جانب الآباء والأمهات على أن يكونوا قدوة لأبنائهم في جميع تصرفاتهم، فربما يمارس أحدهم سلوكًا ما وهو لا يدري أن أبناءه يقلدونه فيه، ومع مرور الوقت يجد صعوبة في تعديل هذا السلوك.

في هذا الإطار تأتي أهمية دور الأب والأم في نقل العادات والتقاليد والثقافة العربية الأصيلة إلى أبناء الجالية العربية في المهجر، وهو ما يمكن أن يترسخ لدى الأبناء من ملاحظتهم وتقليدهم لسلوك الوالدين والتزامهم بهذه العادات والتقاليد.

حلقة جديدة من برنامج “العيادة النفسية”، على راديو صوت العرب من أمريكا، تتناول هذا الموضوع الهام، من خلال استشارات ونصائح تربوية لأبناء الجالية العربية في أمريكا، يقدمها الدكتور وجدي عطية، أستاذ الصحة النفسية والسلوك بجامعة جورج واشنطن سابقًا.

الانفصال عن الهوية

ميكرفون البرنامج تجول داخل بيوت عدد من الأسر العربية الأمريكية، للتعرف علي تجارب الآباء والأمهات العرب في تربية الأبناء والبنات في مجتمع المهجر، حيث أجواء مختلفة عن أجواء المجتمع العربي.

الشكوى الرئيسية التي تلقيناها كانت بخصوص الصعوبات التي يواجهه العرب في أمريكا وفي غيرها من بلاد المهجر في الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم، حيث يقول أحد الآباء إنه سافر إلى أكثر من 40 دولة، وفي كل بلد كان يجد حرص الشعوب الأخرى على الاحتفاظ بعاداتهم وتقاليدهم.

حيث كان يجد في كل بلد حيًا صينيًا يشعر كل من يتجول فيه وكأنه فعلاً في الصين، ويلاحظ كيف أنهم يحافظون على ثقافتهم، فعلى سبيل المثال تجد أن جميع إعلانات المتاجر باللغة الصينية. ويحرص الشعب الصيني على الحفاظ على ثقافته وعاداته وتقاليده وأعرافه دون أن يتأثر بالبلد التي يهاجر إليها، ويفخر بذلك بين بقية الطوائف التي تعيش معه.

أما نحن العرب فكلما حاولنا أن نحافظ على ثقافتنا وتقاليدنا نجد أن هناك من ينتقدنا حتى من العرب أنفسهم، ومنهم من يسعى إلى عزل أولاده حتى يصبحوا منفصلين كل الانفصال عن الثقافة والعادات والتقاليد والأعراف العربية.

العلاقة مع الجنس الآخر

* دكتور وجدي، هناك أمور معينة يصعب على أبناء الجالية العربية التعامل معها هنا في المهجر بسبب اختلاف العادات والتقاليد، خاصة ما يتعلق بموضوع الحب والعلاقة مع الجنس الآخر، فكيف يمكن للأب والأم القادمين من خلفية ثقافية عربية مناقشة هذا الموضوع مع أبنائهم الذين يعيشون في بيئة مختلفة بطريقة عملية ومقنعة لا يكون فيها قهر أو إجبار على شيء معين؟

** أنا أختلف مع الكثيرين حول هذه النقطة، فالبعض يتحدث حول هذا النقطة وكأن المجتمع العربي لا يوجد فيه حب أو علاقة مع الجنس الآخر، والحقيقة أنه حتى في بلادنا العربية هناك حب وعلاقات إنسانية وعلاقات في جميع النواحي.

لكن المشكلة أن الأب أو الأم قد يفتقدون للثقافة أو المعرفة بهذا الشأن، أو يفتقدون القدرة على توصيل هذه المعرفة لأبنائهم بطريقة صحيحة، وبالتالي يجب عليهم استشارة الطبيب أو شخص متخصص في هذا المجال، ليساعدوهم على توصيل المعلومة لأولادهم بطريقة صحيحة، ويجب ألا يحاول الأب أن يتقمص دور المُدرس أو المُعالج وهو يفتقد إلى الخبرة اللازمة لذلك.

ابدأ بنفسك

* كيف يوفق الأب والأم في المجتمع الأمريكي بين مزايا القيم الأمريكية، وتجنب عيوب ما يسمى بالحرية المُطلقة التي تصل في بعض الأحيان إلى الانحلال الخلقي.

** الأب والأم يجب أن يكونوا المثل الأعلى في البيت، فلا يجب أن أقول للولد افعل هذا ولا تفعل ذاك دون أن أكون أنا ملتزم بذلك، فكيف أنهاه عن شر الخمر مثلاً وأنا أشرب الخمر.

فيجب أن أبدأ بنفسي أولاً، وأحرص على طريقة معاملة زوجتي أمام أولادي، حتى يتعلمون حسن المعاملة والاحترام المتبادل، كما يجب أيضًا ألا يكون هناك صوت عالي في البيت، واستخدام كلمة من فضلك عن طلب أي شيء، فما أفعله سيتعلمه أولادي، فلا يمكن أن تضرب وتصرخ ثم تتوقع أن يختلف أبناؤك عنك عندما يكبرون.

الحرية المطلقة

* إذًا كيف يمكن أن أوصل لهم أن مفهوم الحرية مرتبط بمفهوم المسؤولية، بمعني أنها ليست حرية مطلقة؟

** أولا الحرية المطلقة تعني في تقديري الشخصي المسئولية، وهذا يتطلب أن أعمل جيدًا وأعتني ببيتي، وهذا أهم شيء، ثم أعود إلى المنزل في مواعيد من المفترض أن ألتزم بالعودة فيها، ثم أجلس مع أولادي أو نخرج سويًا لمكان ما، وهذه هي الحرية المطلقة.

ومن الممكن أن يعتقد البعض أن من يقوم بهذه التصرفات هو شخص مكبوت، ولكن بالعكس، فهذه التصرفات هي التي تجلب لي السعادة، لأن كل هذا سيعود إليّ غدًا، أما إذا تعاملت مع الحرية المطلقة بمنطق أن أعود إلى منزلي وقتما أشاء، وأفعل ما أريد وقتما أريد، فهذا ليس صحيح، لأنني المثل الأعلى والقدوة في البيت.

فيجب أن أعلم أن ما سأعطيه اليوم سيعود إليّ غدًا، وأنا كرجل كبير عقلي ناضج عن الأولاد، ويجب أن أكون قدوة لهم في كل تصرفاتي، وهذا يصل إليهم بالأفعال بصورة أفضل من الكلام.

الصدمة الثقافية

* بعض الآباء يواجهون صعوبات بعد الهجرة، خاصة إذا كان الأولاد قد تربوا في بلد عربي حتى سن معين، ثم هاجروا مع الوالدين إلى مجتمع مختلف عن الذي تربوا فيه، فكيف يمكن أن نجنب الأطفال التعرض لصدمة ثقافية، وكيف يمكن التوفيق بين الخلفية والقيم العربية وما يتلاءم معها من الخلفية والقيم الأمريكية؟

** القيم العربية والقيم الأمريكية هي قيم تأتي من الأسرة، وهي التي عليها عامل كبير جدًا في تربية الأولاد. فأنا لا يمكن أن أضرب زوجتي أو أهينها ثم أقول لأولادي لا تفعلوا ذلك، وسواء كنت في أمريكا أو في مصر أو في لبنان أو أي مكان في العالم فأنت الذي يضع الأسس والقواعد لتنشئة أبناءك على الطريقة التي تريدها.

والأبناء يتعرضون للثقافة الأمريكية أكثر منك، ويمكثون في المدرسة أكثر من البيت، لذا يجب على الأهل أن يذهبوا ويتابعوا النشاط الذي يقوم به الأبناء، هل هو نشاط رياضي أم أنهم يذهبون بعد المدرسة ليدخنوا الماريجوانا.

ولو أنك تتابع الأولاد ستعرف ما يجرى وما يحدث، فلا تغفل عن أولادك وتابعهم وتابع أصدقائهم.

وأنا في تقديري الشخصي ونصيحتي لكل إخوتي عندما يهاجرون، أفتح بيتك لأصدقاء أولادك وكن أنت وزوجتك أب وأم لأصدقاء أولادك، ثم الخطوة الثانية أن تصاحب أهل أصدقاء أولادك، حتى تكون لديك رؤية وتعرف ما الذي تريده، وعندما ترى شيء لا تحبه فلا تمنعهم من أصدقائهم ولكن نبهم إليه.

مشكلة المخدرات

* من المشاكل الأخرى الشائعة التي تواجهنا عند تربية أولادنا في المجتمع الأميركي هي مشكلة تعاطي الأبناء للمخدرات بضغوط من الزملاء في المدرسة، فكيف يمكن أن يتعامل الآباء والأمهات مع هذه المشكلة، خصوصًا وأنها تتم بكتمان شديد، ولكن نستطيع أن نكتشفها من خلال تصرفات الولد أو الفتاة في المنزل؟

** المشكلة تتعلق بتدخين السجائر عمومًا وليس بتدخين الماريجوانا فقط، فأنت ستنجح في منع الماريجوانا إذا منعت السجائر.

فأولاً يجب ألا يدخن الأب والأم السجائر، لأننا كما قلنا نحن المثل الأعلى لهم، فليس من المعقول أن أكون مدخنًا وأقول لأولادي ألا يفعلوا هذا. فإذا كنت تدخن فمن أجل أولادك لا تدخن، لأن ما يرونه سيفعلون مثله، فيجب أن نكون قدوة لهم.

فإذا قررتم الإنجاب فلا داعي للتدخين، وليس هناك شيء اسمه لا أستطيع، فأنت المثل الأعلى لأولادك، ولا يوجد شيء اسمه أنك تفعل ذلك لكنك نادم على فعله، لأنهم سيقولون لك إذا كنت نادمًا فلما لم تتوقف عن فعله.

وما أريد أن أقوله أن أولادنا في بعض الأوقات لا يتعلمون منا، بل يتعلمون من أصدقائهم، فمن الواجب عليّ أن أرشدهم ولا أتعامل معهم بالعنف، حتى لا يفعلوا هذا دون علمي، ولكن يجب أن أعطيهم الثقافة الصحيحة، وأقوم بأفضل ما لدي وكل ما في وسعي حتى لا يدخنوا.

البنت والولد

* بعض الأبناء يرون أن الآباء من العرب الأمريكيين يفرقون بين البنت والولد فيما يتعلق بالعلاقة مع الجنس الآخر، حيث نجد أن الأب والأم لا يكون عندهم مانع في وجود صديقة حميمة للولد، ولكن يرفضون بشدة صداقة البنت مع الولد، وخصوصًا لو كان ولد أمريكي، فما تعليقك؟

** في الحقيقة هذا أكبر خطأ، فيجب أن تعرف أن ما تقوله لن يؤخذ علي أكمل وجه، لأن المجتمع هنا مفتوح، فالأولاد يسمعون ويرون، ويجب أن يكون عندك الحنكة ف التعامل معهم، وتوضح لهم لماذا أريدك يا بني أن تكون إنسانًا جيدًا، ولماذا أريدك يا ابنتي ألّا تكون لك صلات مع آخرين، وفي نفس الوقت أشجعها على أشياء أخرى مثل الرياضة وألعاب القوى، وأن تذهب إلى مؤتمرات وحفلات، ولا أضعها في إطار مغلق، ونعلمها الثقافة الجنسية من وقت مبكر، وأن أضرارها أكثر من منافعها، فيجب أن نكون منفتحين.

* إذن فلا يجب أن أفتح الحياة للأولاد وأغلقها على البنات، فكلاهما يجب أن يكون منفتحًا من خلال التنوير والمعلومات الصادقة والتوعية؟

** نعم، ويجب أن أشجعهم على مزاولة النشاط الرياضي، وإن لم يكن رياضيًا فليكن ثقافيًا، فجب أن أشجعهم على إخراج الطاقة التي عندهم في مجال آخر.

* من التجارب الناجحة أيضًا دكتور تواجد الأولاد والبنات في نشاطات للمجتمع العربي الأمريكي، بحيث يكون لهم صداقات من العرب الأمريكيين تحت إشراف الأسرة.

** نعم بالطبع، لكن لابد أن يكون ذلك تحت إشراف الوالد والوالدة، ويجب أن يعرفوا أنها علاقات أخوية أسرية متينة بحدودها.

وقيمنا الشخصية تقول إن بنت الجار هي أختك، وهذه هي تربيتنا، فنحن كنا في عمارة سكنية فيها 8 شقق يسكنها يهود ومسلمين ومسيحيين، وكنا نعيش كأسرة واحدة فجيراننا كانوا 4 بنات ونحن كنا 9 أولاد وبنات وكنا عائلة واحدة، فنذهب مع بعضنا البعض إلى الحدائق، ونخرج كعائلة واحدة، وهذا مهم جدًا.

اعتز بحضارتك

* بعض الآباء والأمهات العرب في أمريكا يبالغون في فصل أولادهم عن الثقافة العربية، والابتعاد بهم تمامًا عن كل ما هو عربي،  فما هي خطورة هذا علي الصحة النفسية للأبناء؟

** الخطورة أنه يحدث لديهم صراع، فأنا أرى أمي وأبي يصلون ولكن لا يتكلمون العربية ويتكلمون الإنجليزية، ولا يسمعون الإذاعات العربية، ويريدون التنصل من أصلهم.

ومع كامل احترامي فهذه عقدة نقص في الحقيقة، فأنت لديك حضارة محترمة، ويمكن أن تكون خبرتك معها لم تكن جيدة في وقت من الأوقات لأكثر من ظرف.

وثقافتنا العربية لها قيمتها، فارجع للتاريخ وكن فخورًا بأصلك، فقد أتت لك الفرصة أن تأتي إلى أمريكا، ولكن إياك أن تكره أصلك وأهلك، فمازال أهلك هناك، وقد بنى العرب حضارة قبل أن يصعد الآخرون للقمر، فكن فخورًا بجذورك وحضارتك.

وقد اختارك الله لتأتي إلى هنا وترى أشياء أكثر من الآخرين، فعظم ثقافتك واحترمها، وفكر في أنك أمام فرصة يجب أن تستفد منها جيدًا، ولا تدع شيئًا يشغلك عن عمل الخير وتربية أولادك.

فمن الممكن أن تكون أنت قد قاسيت وعانيت، ولكن لا يجب أن تجعل أولادك يقاسون ويعانون مثلك، بل على العكس اجعلهم يبدءون بشيء جيد، فأنت من تصنع الأشياء التي تجعل من حولك يعيشون في سعادة.

اجعل هناك اتصالاً بينك وبين بلادك وحافظ عليها، وإن أتت لك فرصة لتخدم بلدك فلا تتأخر، وحاول أن تأتي بأناس من هناك ليتعلموا هنا ويزوروك، هنا فلا زال هناك أشياء جيدة كثيرة في بلادنا، وما زالت الأسرة موجودة، وما زال الأب موجود، وهناك حرمانية ممارسة الجنس قبل موعده، فهناك أشياء كثيرة نعتز بها في ثقافتنا وحضارتنا.

وأدياننا السماوية كلها جميلة، فيجب أن نحافظ عليها، وألا نهمل منظومة القيم التي نستند عليها في حياتنا، وألا نهمل الذهاب إلى الجوامع والكنائس والمعابد، فهذه أمور مهمة جدًا، لأنها تجعلك تعلم أمور دينك جيدًا، وتقابل زملائك وأحبائك في الجامع أو الكنيسة، وتنتقل من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الكبيرة. وهناك أماكن يتم فيها ممارسة أنشطة اجتماعية خيرية لوجه الله، وليس بهدف المال فقط، فاحرص على المشاركة فيها لأن هذا ما سيذكرك الناس به.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

للمتابعة عبر اليوتيوب :

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وللاسنماع الى الحلقة عبر الساوند كلاود :

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى