الراديورمضان

الإيمان والحياة – كيف نحقق فضيلة التواصي بالحق والتواصي بالصبر في مجتمعاتنا؟

الإنسان الإيجابي هو الذي يسعى لنشر السلام ويقدم يد العون والمساعدة للغير

إعداد وتقديم: د. شادي ظاظا

انزلوا إلى الشباب وحاوروهم وأفسحوا لهم المجال للمشاركة والتعبير عن أنفسهم

مستمعونا ومتابعونا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم في الحلقة الثالثة من حلقات برنامجنا الرمضاني “الإيمان والحياة”.

كل إنسان يطمح أن يكون ناجحًا في حياته، يصل إلى أعلى الدرجات، وكل إنسان يبتغي الدرجات العلا في الجنة وفي الحياة الدنيا، ومقياس النجاح والخسران هو مقياس ذكره لله سبحانه وتعالى.

هناك سورة قصيرة قال عنها الإمام الشافعي: “لو علم الناس ما بهذه السورة لكفتهم، وهو قول الله سبحانه وتعالى في سورة العصر ” وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)”.

الخسران المبين

عندما يقول الله سبحانه وتعالى عن نفسه “وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ” (سورة فاطر-14)، فهو خبير بنا ويعلم ما يصلحنا، “إن الإنسان لفي خسر”، فلا بد للإنسان أن ينتبه، لأن المتحدث هو الله، فالإنسان لا يحب أن يكون في درجة الخسارة، كما بين الله للإنسان “إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ. (سورة المعارج)

وقد بين الله للإنسان في آيات كثيرة “إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا”، فالإنسان حتى يتجنب الخسران يجب أن يستجيب لنداء الرحمن، فالإنسان يكون في خسران، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

نشر السلام في المجتمع

فضيلة التواصي بالحق والتواصي بالصبر هي أساسٌ في مجتمعنا، فهي أساسُ النجاح والفلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية، والشعور بالمسئولية، والحفاظ على أبنائنا ودينهم من بعدنا.

الإنسان الذي لا يهمه إلا نفسه هو إنسانٌ لا يمكن أن يقدم نصيحةً، أو يكون في مجتمع متحرك، فالإنسان عندما يقف ولا يتحرك، فليس له أثر في الحياة، لكن الإنسان الذي يسعى لنشر السلام، وتقديم يد العون والمساعدة، ويتواصل مع جميع الأديان لبث روح الحب والتسامح، هذا إنسان إيجابي.

الدعوة إلى الخير

عندما يتواصى الناسُ فيما بينهم بالحق تتسع دائرةُ الحق، وتصغر الدائرة ُالتي تدعو إلى الظلم وفساد الناس، فنحن كمجتمعٍ متآلفٍ يجب أن ندعو جميعًا إلى الخير، فالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام دعا إلى حلف الفضول، الذي يمنع الظلم عن المستضعفين.

حيث قال: “لو دعيت لمثله في الإسلام لأجبت”، هذا الحلف الذي اتفقت عليه قريش قبل نزول الرسالة على النبي عليه الصلاة والسلام، لذلك نحن عندما نجتمع على الخير نفوز ونسعد.

فإذا اجتمعت مجموعة من الناس من ديانات مختلفة على عمل فضيلةٍ معينةٍ، لا يحق لك أن تنسحب معللًا ذلك بأنهم لا يتفقون مع عقيدتك، فغير مسموح لك أن تنسحب إذا كان الهدفُ خيرًا يحققُ سلامة المجتمع، ويحققٌ الخيرَ للناس.

ولابد لكل إنسانٍ في المجتمع أن يعزز هذه الدوافع والأواصر لتحقيق الخير للمجتمع، لتنتج الإنسانية إخاءً وتسامحًا وأشياءَ إيجابية ينتفع بها المجتمع جميعًا.

وقد قدم اللهُ سبحانه وتعالى الدعوة إلى الخير على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حين قال سبحانه وتعالى “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – (آل عمران -104).

فأول الآية هو الدعوة إلى الخير، فالداعي إلى الخير قد أفلح ونجح في حياته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف “إن لله عبادًا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم إلى الخير وحبب الخير إليهم، ألا إنهم هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة”.

فأنت عندما توصل هذه الرسالة بين جميع جنبات المجتمع وفي جميع مجالاته تكون فعالًا في المجتمع.

غياب القيادات الشابة

إن شباب مجتمعنا يعاني اليوم من كثير من الثغرات، كما يعاني من بعده عن العاقلين والصالحين، لذلك يجب علينا أن ننزل إلى نواديهم وتجمعاتهم، نتناقش ونتحاور معهم، نسمع لهم ويسمعوا منا، فهؤلاء لن يأتوا إلينا إذا عزلنا أنفسنا في مساجدنا، فنحن يجب أن نذهب إليهم، ونفتح المجال لهم ليعبروا عن أنفسهم، ويعبروا عما بداخلهم وندعوهم إلى الخير.

لو ذهبت اليوم إلى المساجد في أمريكا تجد غيابًا للدور القيادي الشاب في المسجد، فهناك أناس أتوا ويتحكموا بمسئولية المسجد، يريدون الآن أن يبقوا في نفس المكان، ونفس المرض الذي تعاني منه بلادنا في الشرق الأوسط هو نفسه ما تعاني منه مساجدنا في الغرب وأمريكا.

أفسحوا المجال للشباب لكي يشاركوا، أعطوهم فرصتهم في التعبير، لا تتمسكوا بهذه المناصب، فهي لا تعني شيئًا، لأن المركز الإسلامي له دورٌ خطير جدًا وحساس في الغرب.

فأنا أريد أن يستطيع الشاب الذي يعيش في هذا المجتمع التعامل مع الآخر، ويفهم لغته، كما يجب أن يكون قياديًا في مركزه الإسلامي، وواجهه مشرفة للإسلام، وأن يمثل المسلمين التمثيل الصحيح، لينهض بالأمة، ويجعلها بناءة قادرة على مد جسور التواصل.

المراكز الإسلامية

دعونا ننزع هذه الصفة عن مراكزنا الإسلامية، التي على الرغم من وجود العديد من ذوي الفضل فيها إلا أن شبابنا يحجم عنها، لعدم وجود دورٍ قيادي له فيها، والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام خير أسوة نحتذي بها في هذا المجال، حيث عين أسامة ابن زيد، ابن الثامنة عشر، قائدًا لجيشٍ فيه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

وفي هذا رسالة لنا في ألا نغفل دور الشباب، ونجعلهم فاعلين في فضيلة التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فإن ريح الجنة في الشباب، والأمة لا تنهض إلا بشبابها.

ندعو الله أن نكون ممن يتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر، ويؤمنون بالله حق إيمانه، ويكون كل منا رسالة واعدة في مجتمعاتنا، وأن ننهض بأمتنا وبالبشرية جمعاء.

أقول قولي هذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى