الراديورمضان

الإيمان والحياة – حسن الظن دليل الحكمة وطريقك لسلامة القلب والعقل ودخول الجنة

إعداد وتقديم: د. شادي ظاظا

مستمعينا ومتابعينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بكم في الحلقة السادسة من حلقات برنامجنا الرمضاني “الإيمان والحياة”، التي نتناول فيها موضوع “حسن الظن بالله”.

حسن الظن بالله هو ثمرة من ثمار العبادة، وثمنه الجنة، وحسن الظن بالله هو أن تُحسن الظن بمن خلقك، وأن تُحسن الظن بمن حولك، وأن تحسن الظن بالآخرين.

فقلوب الناس قد يراودها في بعض الأحيان شيء من الريبة، مثل هل مَن حولي يتفقون علي ويتحدثون عني؟، وكلها من وساوس الشيطان، وهذه الوساوس تُورث القلب شكًا وريبة ومعاناة يعيشها الإنسان في إحساسه الداخل، وقد تتطور حتى يسيء الإنسان الظن بمن حوله، ثم يسيء الظن بخالقه.

دليل الحكمة

عندما تُحسن الظن بالآخرين، وتأخذ كل حركاتهم وكلماتهم على المحمل الحسن، فهذا دليل عقل ودليل وعي وحكمة، فلهذا جُعلت الحكمةُ عطاءً من الله تبارك وتعالى، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ” وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا”.

الشيطان يريد أن يُضل الإنسان، وأن يجعل الشك في حياته، فمن مهمته جعل حياة الإنسان مليئة بالوسوسة والضغينة والحقد تجاه مجتمعه وتجاه الآخرين.

سلامة القلب والعقل

الرحمن سبحانه وتعالى يريد هداية الإنسان إلى الحياة الرشيدة، والسبيل الأقوم، وراحة البال، والسعادة والسكينة والطمأنينة، فعندما يعتاد الإنسان على حسن الظن بالآخرين يضمن سلامة القلب والعقل.

في هذا الموضوع هناك اتجاهين نحو الخالق والمخلوق، عندما يحسن الشخص الظن بالله فهو لا يشعر بأن ما يأتيه في المستقبل هو خوف، بل هو خير من الله سبحانه وتعالى، يقول تعالى في كتابه الكريم: “قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ”.

وقد توقف العلماء عند قوله تعالى: “بِيَدِكَ الْخَيْرُ”، فقالوا إن في الحياة خيرًا وشرًا، ولكن الله سبحانه وتعالى نسب إليه الخير فقط، فالخير كله يأتي من الله، والشر موجود في الحياة لكنه شرٌ نسبى موظفٌ للخير.

وتوضيح بسيط لهذا المعنى عندما قال سبحانه وتعالى: “وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”، فالشر في الحياة شرٌ نسبى وليس مطلقًا، وقد وُجد الشر في حياة الناس ليحملهم على الخير إذا أساءوا، أما من ينسب الشر إلي الله فهذا ما عرف الله.

ثمرة العبادة

إن الله هو الخالق وهو البارىء وهو المصور، الله الذي خلق كل هذه النعم، وهو الذي وهب الإنسان الحياة ووهبه نعمة العقل ونعمة الهدى ونعمة الرشاد وأمده بالإمداد، ولا يمكن لإنسان سوي أن ينسب الشر إلى الله.

فلذلك حسن الظن بالله هو رأس الإيمان وثمرةٌ من ثمرات العبادة، وهذا ينعكس على حياة الإنسان أن يحسن الظن بمن حوله، قد يكون حول الإنسان منا شخص يجب تجنبه لسوء سلوكه، لكن هذا لا يعني أن نحمل كل الناس على محمل واحد، لهذا فالإنسان السوي لا يعمم الخطأ بل يعمم الإيجابيات في كل جوانب حياته.

فن المعاتبة

الإيمان يورثك إيجابية في الحياة، لأنك تثق في أن الله سيهيئ لك من الناس من يعلم أن في قلوبهم خيرًا “إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا”، لذلك فإن الخير يولد مع تفكير الإنسان، فمن الناس من يعرض عن هذا التفكير، ومن الناس من يفهم هذا الجانب وينميه ويجعله سبيلًا للتواصل مع من حوله، فإذا وصلته منهم كلمة يعاتبهم معاتبة لطيفة.

فهناك فن المعاتبة وهو فن لا يعلمه كثير من الناس ويتقنه الناجحون في الحياة، وقالوا” ليس الغبي بسيد قومه إنما سيد قومه المتغابي “الذي أحيانًا يتغاضى عن أخطاء الآخرين تجاهه حتى لا يخسرهم.

قصة وعظة

هذا حاطب بن أبي بلتعة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرسل كتابًا لقريش قبل فتح مكة “إن محمدًا سيغزوكم فخذوا حذركم”، وجاء الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأنبأه بهذه الرسالة فأرسل عليه الصلاة والسلام عليًا رضي الله عنه وأتى بالكتاب.

واستدعى نبي الله حاطبًا، فقال له: “ما هذا يا حاطب تكتب لقريش إن محمدًا سيغزوكم فخذوا حذركم”، فقال حاطب والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتددت ولكنى لصيق بقريش، وإني أعلم أن الله ناصرك، وأردت أن يكون لي يدٌ عندهم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم “إني صدقته فصدقوه ولا تقولوا فيه إلا خيرًا”، فهو يحسن الظن بهذا الإنسان من أجل إذا وقع في غفلة يأخذ بيده وينتشله من هذه الغفلة، يأخذ بيده ليكمل طريقه في سبيل الحق والخير في الحياة .

تذكر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل حاطب إلى ملك مصر برسالة للدعوة من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكلفه بهذا العمل من أجل أن يهبه عملًا ينسى به ما بدر منه.

الوساوس تهدم المجتمع

الإنسان الذي يخاطب الناس لا بد أن يتغاضى عن خطاياهم، وأن يتوقع أن يصدر منهم سوءً فيغفر لهم ويعفو عنهم، ويكون سببًا في إخراجهم من هذه الدائرة، فلا يجب أن يتركهم في دائرة الوساوس ودائرة الحقد ودائرة الكراهية ودائرة البغضاء، لأن هذه الصفات تهدم المجتمع، هذه الصفات تهدم العلاقة بين الناس، ليس فقط في الدين الواحد وإنما بين الأديان.

إثارة الفتن

لا يجب أن نسمح أبدًا لإنسانٍ أن يثير فتنة بين طائفة وأخرى، وبين دين وآخر، بين رسالة وأخرى، وبين مدرسة وأخرى، وهذا الإنسان لا بد أن يتعالى عن الأمور التافهة، فيعلوا بهذا الخلق الكريم، يحسن الظن بالآخرين ويصلهم، ويغفر زلاتهم وخطاياهم، يعاونهم على أن يخرجوا من غفلةٍ وقعوا فيها، أو من سوء ظن ٍوقعوا به، أو من شكٍ وقعوا به، بهذا تكمل حياتنا وتنصلح علاقاتنا.

الإنساني الراقي

إذًا.. حسن الظن بالله هو حسن العلاقة بين الإنسان وربه، وذلك يورث حسن ظن ٍبالناس، ويجعل العلاقات تتحسن بين الناس وبعضهم البعض، بين الإنسان وأخيه الإنسان، هذا هو الغنى البشري الذي يتمتع به المجتمع الإنساني الراقي.

نحن نحتاج إلى هذه الكلمات في زمن كثُر فيه من يتاجر بالفتن الطائفية، ومن يتاجر بالاختلافات بين المذاهب، بين المدارس، بين المنتديات الفكرية، بين المنتديات الحوارية.

درء الفتنة

نجد إنسانًا يُلقي كلمة لا يَلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم سبعين خريفًا، لأنها كلمة تشق الصف، صف الإنسان وصف الحضارة، تشق صف المجتمع، وأحيانًا تشق صف الجالية بمسألة خلافية.

ولا يجب أن نترك الشخص الذي يكثر الحديث في الخلافيات وينتقد الأفكار الأخرى، وينتقد الأديان الأخرى، ولا يجب أن نعطيه الفرصة لهذا، ولا يجب أن نعطيه مساحة في حياتنا.

يجب أن نبادر فورا إلى سد هذه الذريعة ودرء هذه الفتنة، ودعوة الناس إلى ما يجمعهم، وليس ما يفرقهم.

جعلنا الله وإياكم من الذين يحسنون الظن بالله سبحانه وتعالى، ومن الذين يحسنون الظن بالناس وممن حولهم.

“رزقنا الله راحة البال وسعادة وطمأنينة في قلوبنا” .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى