الراديو

احتجاجات الخبز والوقود تطالب بإسقاط البشير.. ماذا يحدث في السودان؟

د. سماهر البارك: الظروف المعيشية الصعبة سببها سياسة الحكومة الفاشلة على مدى 30 عامًا

أجرى الحوار: ليلى الحسيني – أعده للنشر: هارون محمد

لا زالت المظاهرات والاحتجاجات مستمرة في مدن كثيرة بالسودان على الرغم من تعهد الرئيس السوداني عمر البشير بإجراء إصلاحات اقتصادية وتوفير حياة كريمة للمواطنين السودانيين.

ويشهد السودان احتجاجات واسعة منذ 19 ديسمبر بعدما رفعت الحكومة سعر رغيف الخبز من جنيه سوداني واحد إلى ثلاثة جنيهات، في بلد يعاني من ركود اقتصادي. وبدأت الاحتجاجات بخروج المئات من طلاب جامعة الخرطوم، وتصدت لهم قوات الشرطة لتفرقهم، ثم اتسعت رقعتها لتشمل العاصمة الخرطوم وعدة مدن أخرى من بينها عطبرة، والدامر، وبربر، وكريمة، وسنار، والقضارف، وأم درمان.

صعوبات اقتصادية

وندد المتظاهرون بارتفاع الأسعار ونقص السلع الأساسية وأزمة السيولة، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني إلى 60 جنيهًا مقابل الدولار الواحد، مرددين شعارات تطالب بإسقاط حكومة الرئيس عمر البشير.

وشهدت الاحتجاجات مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين أسفرت عن سقوط 19 قتيلاً، وإصابة 219 مدنيًا بالإضافة إلى 187 من قوات الجيش والشرطة، بحسب ما أعلنته الحكومة، لكن منظمة العفو الدولية “أمنستي”، قالت إنها تلقت تقارير موثقة تفيد بأن قوات الأمن السودانية أطلقت النار على المحتجين أثناء ملاحقاتها لهم وقتلت 37 شخصًا منهم.

ويشهد السودان صعوبات اقتصادية متزايدة مع بلوغ نسبة التضخم نحو 70 في المائة وتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي وسائر العملات الأجنبية، ويبلغ سعر الدولار رسميا 47.5 جنيه، لكنه يبلغ في السوق الموازية 60 جنيها سودانيا، كما يعاني 46 في المائة من سكان السودان من الفقر، وفقا لتقرير أصدرته الأمم المتحدة سنة 2016.

الموقف الرسمي

من جانبه أكد الرئيس السوداني عمر البشير، في خطاب أمام قيادات الشرطة، أن بلاده ستخرج من هذه الأزمة رغم أنف كل الذين يحاربون السودان من خلاله، وأعرب عن رضائه التام على أداء الشرطة في مواجهة الاحتجاجات.

واعتبر البشير أن التخريب والنهب والسلب تعميق للمشكلة وليس حلًا لها، مضيفا: “نستطيع بحسن إدارة اقتصادنا سنخرج من هذه الأزمة رغم أنف كل من يحاول تركيع السودان من خلال هذه الأزمة”.

فيما أعلن وزير الداخلية السودانية، أحمد بلال، وقوف الشرطة الكامل والتام مع الرئيس عمر البشير قائلاً إن الذين يحاولون استغلال الظروف لزعزعة الأمن لن نسمح لهم بذلك”. وشدد على أن “الطريق الوحيد لتبادل السلطة ليس التظاهر وإنما بالانتخابات، ولا سبيل للفوضى”. وأضاف: “نعترف بالوضع الاقتصادي لكنها شدة وتزول، ولن نسمح أن يستغل ذلك لإشعال الفتنة”.

شاهد عيان

برنامج “شاهد على الحدث”، الذي وتعده وتقدمه الإعلامية ليلى الحسيني، عبر أثير “راديو صوت العرب من أميركا”، سعى لإلقاء الضوء أكثر على تطورات الأحداث وحقيقة الأزمة في السودان، وذلك من خلال لقاء مميز مع الدكتورة سماهر البارك، كشاهدة عيان على الأحداث في السودان، وذلك في محاولة لإيصال صوت العديد من النشطاء العرب في أميركا، والذين تواصلوا مع “راديو صوت العرب من أميركا”، للوقوف على حقيقة الأحداث.

* د. سماهر.. دعينا نبدأ بالإجابة على السؤال المهم حول حقيقة ما يحدث في السودان، خاصة وأن هناك تضارب في الأقوال من الجانب الرسمي والحكومة التي ترى المحتجين مخربين يتحركون وفقًا لمؤامرة، ومن جانب المعارضة والمحتجين الذين ينتقدون فشل الحكومة في مواجهة الأوضاع المعيشية الصعبة، أنتم كنشطاء على الأرض، كيف ترون ما يحدث؟

** في الآونة الأخيرة كانت هناك احتجاجات كبيرة في العديد من المدن في السودان، بدأت يوم 19 ديسمبر في مدن عطبرة، ودمازين، والقضارف، ودنقلا، وبابنوسة، وبربر، والمناقل، والفاشر، والأبيض، وكوستي، وربك، وكسلا، ورفاعة، وغيرها من المدن، وهي احتجاجات شعبية بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي ساءت في الآونة الأخيرة نتيجة لسياسة الحكومة الفاشلة على مدى 30 عامًا.

ثورة شعب

* إذًا أنتم ترون أن هذه الاحتجاجات هي ثورة شعب وأنه لا يوجد مندسين ولا مؤامرات كما تقول الحكومة والرئيس البشير، هل هذا صحيح؟

** بالتأكيد، هي ثورة شعبية يشارك فيها محتجون يمثلون كافة أطياف الشعب السوداني، مثقفين، وطلبة، وعمال، وهي امتداد لسلسلة متواصلة من الاحتجاجات لسنوات عديدة، بداية منذ شهر يونيو 2012، وشهر سبتمبر 2013، وغيرها من المظاهرات التي يتم قمعها، ويموت بسببها العديد من المتظاهرين الداعين إلى التغيير السلمي للحكومة، ورحيل الرئيس البشير.

والحكومة تحاول أن تصور من خلال الإعلام أن هذه الثورة هي عبارة عن تخريب، وتحاول أن تزرع الفتنة من خلال اتهامها لجهات، سواء كانت داخلية أو خارجية، بأنها وراء هذه المظاهرات، وهذه ليست الحقيقة، فالحقيقة أن الشعب وصل إلى مرحلة أنه لا يستطيع أن يتحمل فشل هذه الحكومة وهذا النظام، فالشعب يطالب بحياة كريمة.

سلمية الثورة

* وماذا عن أحداث العنف التي شهدتها هذه الاحتجاجات، ومن السبب فيها؟

** الاحتجاجات كانت سلمية منذ البداية، وكان السبب فيها وجود الكثير من الأزمات التي يعاني منها الشعب السوداني ومنها: أزمة في الحصول على الخبز، وعلى المال النقدي، وارتفاع أسعار الوقود المستمر، وأسعار الأدوية، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار في كل القطاعات الاقتصادية في السودان.

وقد واجهت القوات النظامية هذه المظاهرات بعنف من خلال بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين العزل الذين يحملون الأعلام واللافتات، حيث تم قتل العديد من المتظاهرين. وقد وثقت منظمة العفو الدولية 37 حالة وفاة بسبب الرصاص الحي، وأغلب المتظاهرين الذين أصيبوا بالرصاص في منطقتي الرأس أو الصدر.

* إذًا لم يحمل المتظاهرون أي أسلحة استدعت أن يقابلها الأمن بالرصاص الحي؟

** بالطبع لا.. فقد كانت أسلحة المتظاهرين الوحيدة هي الهتافات والأعلام والشعارات.

مطالب المحتجين

* دكتورة سماهر، ما الذي يريده المحتجون؟

** مطالب المحتجين في كل مدن السودان هي مطالب شرعية، وتتمثل في إسقاط النظام، ورحيل حكومة المؤتمر الوطني وحكومة البشير. فالشعب السوداني تعب وسئم من الحكومة وسياسة تعاملها مع المواطن، ومن الفساد الذي ظل 30 عامًا، ومن ضيق العيش، وانعدام فرص الحياة الكريمة، ومن خطاب الحكومة الاستفزازي، فالشعب تعب إلى درجة أنه لا يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك، وهذا هو السبب الذي جعل الاحتجاجات تنطلق في كل شوارع السودان.

تجاهل إعلامي

* وصلتنا دكتورة سماهر العديد من الفيديوهات الخاصة التي تحتوي على مشاهد مؤلمة لاستهداف المحتجين بالرصاص الحي، وقد تابعت أيضًا الكثير من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وليس على الفضائيات، فهل ترين أن هناك تغطية إعلامية خجولة لما يحدث في السودان؟

** بالتأكيد هناك تغطية إعلامية خجولة لما يحدث في السودان، فالإعلام السوداني كعادته لم يغطي هذه التظاهرات، وإن قام بتغطيتها فهو يغطيها بصوت النظام. أما الإعلام الخارجي فلم يلتفت إلى هذه التظاهرات إلا بعدما بدأت تأخذ صدى شعبي.

وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بواسطتها للشعب أن يعبر عن ما يحدث في السودان، ولكن في 22 ديسمبر أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جميعها محجوبة عندنا، ولا نستطيع استخدام الواتس آب، أو الفيس بوك وتويتر، دون استخدام تطبيق VPN، أي تطبيق فتح المواقع المحجوبة، وهذا كان السبب في انقطاع اتصالكم بي من قبل على الواتس آب، وهذا دليل على أن هناك صعوبة كبيرة جداً في الاتصالات التي تُجرى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

نظرية المؤامرة

* أعتقد أن الثورة هي ثورة شباب ومهنيين كما ورد في البيان الذي وصل لي، والذي يطالب الرئيس البشير بالرحيل، فدعيني أشاركك نص هذا البيان حيث يقول: “باسم تجمع المهنيين السودانيين وشركائه في المجتمع السوداني من القوى المدنية والسياسية، وباسم جميع أبناء الشعب السوداني، ندعوك للاستجابة لأصوات ومطالبات الشعب السوداني المتطلعة للتغيير والحرية والعيش الكريم، والتي واجهتها قواتك الأمنية في كل أصقاع البلاد بالرصاص الحي، ما أسفر عنه العشرات من الشهداء والمئات من المصابين”.

وطالب هذا البيان الرئيس البشير بالتنحي فورًا، وإفساح المجال لحكومة انتقالية ذات كفاءات من كل قيادات وأطياف المجتمع السوداني. وكون هذا البيان صادر من مجموعة من المهنيين والمثقفين من الشعب السوداني فهذا ينفي نظرية المؤامرة التي تحدثت عنها الحكومة. فهل ترين ذلك أيضًا دكتورة سماهر؟

** نعم، فهذا البيان يمثل جميع القطاعات المهنية من مهندسين ومحامين وأطباء وغيرها من القطاعات المهنية السودانية، والمظاهرة التي حدث في 25 ديسمبر هي الدليل الرئيسي على أن المهنيين والقطاع الواعي والمثقف والشباب في السودان هم المشاركون في الاحتجاجات لتحقيق مطالبهم من النظام.

والتظاهر الذي تم في الساعة الواحدة من نفس اليوم كان فيه مواجهة عنيفة من قبل الشرطة، فقد تم استخدم الغاز المسيل للدموع، كما تم استخدام الرصاص الحي أيضًا، مما أسفر عن استشهاد العديد من المتظاهرين.

ضحايا كثيرون

* دكتورة سماهر، بحسب تقارير موثقة لمنظمة العفو الدولية فأن عدد الشهداء بلغ أكثر من 37 شهيدًا، فكم تقدرون عدد الشهداء أو القتلى إلى الآن؟

** 37 شهيدًا هو العدد الذي تم توثيقهم فقط، ولكني أعتقد أن عدد القتلى أكثر من ذلك. فهناك مئات الجرحى وآلاف المتظاهرين يومياً في الخرطوم وغيرها من المدن في السودان، ولا يزال هناك خطر على المتظاهرين من الاعتقالات والقتل والضرب والجرح، وجميع المظاهرات سلمية ولا يستخدم فيها المتظاهرين أي نوع من العنف ولكن الشرطة تقابلها بالعنف.

مستقبل الثورة

* إذاً من وجهة دكتورة د. سماهر، ما الذي يحمله المستقبل لهذه الاحتجاجات الشعبية، ؟

** من المؤكد أن الشعب سيستمر في المطالبة بالتغيير، والروح الشبابية التي لاحظناها في الاحتجاجات هي الدليل الكافي على أن مطالب الشعب حقيقية وموجهة من جميع فئات الشعب، فالحكومة استنفذت كل مواردها وكل السبل والطرق التي تستطيع من خلالها أن تحافظ على مكانتها عند الشعب.

والحكومة فقدت مصداقيتها لأنها تواجه الشعب بعنف، الأمر الذي دفع الشباب السوداني للاستمرار في المطالبة بالتغيير، لأنه في هذه المرحلة يعتبر أن التغيير ضروري وحقيقة لابد منها، وليس مجرد مطلب يقابل بالرفض أو بالاستجابة.

وعود كاذبة

* الرئيس البشير وعد المتظاهرين بأن تكون هناك إصلاحات اقتصادية، فهل ترين أن هذه الوعود ستلقى استجابة من جانب المتظاهرين وتسهم في تراجعهم عن مطالبهم بالتغيير؟

** فات الأوان للحديث عن إصلاحات اقتصادية مع الرئيس البشير، فقول الرئيس إنه سيوفر لنا حياة كريمة هذا يقال عند ترشح الرئيس لأول مرة وليس بعد أن حكم 30 عامًا، فما يجري في السودان هو نتيجة لفشل سياسات الرئيس البشير.

* د. سماهر البارك، أشكرك جزيل الشكر على تواصلك معنا، ونتمنى السلامة لكل المتظاهرين، وأن يحمل عام 2019 الخير والسلام لكل شعوب العالم، والشعب السوداني وجميع الشعوب العربية التي تستحق الحرية والكرامة والعيش الكريم، وهذه مطالب إنسانية يطالب بها الشعب السوداني.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

رابط حلقة الدكتورة سماهر البارك و الإعلامية ليلى الحسينى على اليوتيوب :

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

رابط حلقة الدكتورة سماهر البارك والإعلامية ليلى الحسينى على الساوند كلود :

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى