الراديوتغطيات خاصةرمضان

إلى النفوس الحائرة (9)- كيف نُميّز بين الخير والشر؟

أعدها للنشر: أحمد الغـر

“إلى النفوس الحائرة”.. عنوان البرنامج الجديد الذي يقدمه لكم “راديو صوت العرب من أمريكا” خلال شهر رمضان المبارك، وهى عبارة عن حلقات فيديو مسلسلة يطل علينا فيها فضيلة الدكتور “موفق الغلاييني”، إمام المركز الإسلامي بمدينة Grand Blanc بولاية ميشيجان.

حيث يتناول فضيلته في كل حلقة موضوعًا مختلفًا من الموضوعات التي تهم المسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية، من أجل طمأنة النفوس، وتخفيف الضغط النفسي عليها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البشرية بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، التي تزامنت مع شهر الخير والبركات، شهر رمضان المعظم.

ويتمتع الدكتور “موفق الغلاييني” بسيرة ذاتية ثريّة كعالم جليل في الفقه الإسلامي، فهو حاصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من الجامعة ذاتها، وحاصل على ماجستير في الإعلام الإسلامي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، كما حصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة الأمريكية المفتوحة بواشنطن، وهو عضو اللجنة الدائمة للإفتاء التابعة لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

والبرنامج برعاية كريمة من مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية Life for Relief and Development .. وهي مؤسسة خيرية إنسانية غير ربحية ذات خبرة كبيرة في العمل الإغاثي والتنموي، تمتد لأكثر من 28 عامًا، فقد تأسست في عام 1992 من قبل المعنيين المهنيين العرب الأمريكيين، وتهدف لتوفير المساعدات الإنسانية للشعوب التي تعاني من ظروف صعبة بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين والخلفية الثقافية.

وإلى تفاصيل الحلقة:

بين الخير والشر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، موضوع حلقة اليوم “كيف نعرف الخير من الشر؟”.

من الممكن أن يكون الجواب ببساطة جدًا أن الخير نعرفه من نتائجه الجيدة، والشر تكون نتائجه سيئة، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، والدليل هو أن هناك الآن في البشرية الكثير من الأمور التي كانوا ينظرون إليها على أنها طيبة، قبل فيروس كورونا، ثم اكتشفوا أنها سيئة.

بينما نحن المسلمون نعرف أنها سيئة من أول يوم، منذ أكثر من 14 قرنًا، منذ أن بعث الله محمدًا ﷺ هاديًا وبشيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، لذلك هناك عبارة عند الأصوليين من علماء الإسلام يقولون فيها: “الحُسن والقبح شرعيان لا عقليان”، وأضافوا: “الحسن ما حسّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع”.

الإنسان ذلك المجهول
هذا يعني أننا كبشر من الممكن ألا نعرف أن هذا الأمر، أو هذا السلوك، أو هذا المنهج، حسن أم قبيح!، لأسباب كثيرة، منها أن علمنا وخبرتنا محدودة بحواسنا وبعقلنا، فعقلنا محدود، لذلك فإنهم الآن يعترفون أنهم جهلاء في كثير من الأمور.

حتى أن هناك مؤلف أمريكي “أليكسس كاريل” له كتاب بعنوان “الإنسان ذلك المجهول”، مع أنه طبيب ومتعمق بالعلم، ويعتبر قمة في النواحي العلمية. فبالرغم من كل إنجازاتنا ووصولنا للقمر، لكننا لازلنا أجهل الناس بأنفسنا، لذلك فإن عنوان كتابه “الإنسان ذلك المجهول”.

الطعام كمثال

ولو أخذنا بعض الأمثلة العملية التي ظهرت الآن بعد انتشار هذا الفيروس، سنجد ـ مثلًا ـ الطعام، فقد وصف الله (سبحانه وتعالى) أتباع حبيبه محمدًا ﷺ بقوله ” الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ”.

فمن صفات النبي ﷺ أن صفاته موجودة في التوراة والإنجيل، ومن صفاته أنه “يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ”، فهذه من مهمّات النبي ﷺ، “وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ”، أي المشقة التي كانت في السابق، ثم مدح الذين آمنوا به: “فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

قالوا ـ وهذا تقريبًا رآيناه ـ أن سبب انتشار هذا المرض في ووهان الصينية، أن لديهم سوق لكل الحيوانات، حتى البرية ومنها الخفافيش والأفاعي وكذا، وقد انتقلت العدوى من هذه الحيوانات، ونحن عندنا في الإسلام هذه الأشياء مستقذرة، وليست من الطيبات، فالمسلمون في الشرق والغرب لا يأكلونها.

كذلك لحم الخنزير، مهما كان شكل تربيته، فلحم الخنزير لا يناسب جسم الإنسان، وإسألوا الأطباء عن ذلك، لذلك فقد حرمه الله (سبحانه وتعالى).

الشذوذ الجنسي

أيضا الشذوذ الجنسي (Homosexuality)، الآن نرى أن إباحته تنتشر في عدة ولايات أمريكية، وهى تعني الزواج من نفس الجنس، لكن من أين يأتي الأولاد؟، وهل هذا في صالح المجتمع؟، لذلك كان هذا أحد أسباب تحرّيم الإسلام للشذوذ الجنسي.

بل لو سألتموني ما هو أفظع وأشنع عقوبة حصلت في الدنيا وفي التاريخ البشري كله لقوم، أقول لكم الجواب من القرآن الكريم، أن أبشع عقوبة أرسلها الله على قوم لوط، لأنهم كانوا يعملون الفاحشة، “أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ”.

هل تعرفون ماذا كانت عقوبتهم؟؛ رفع الله بلدتهم إلى السماء، ثم قلب عاليها سافلها، ثم وقعت فخسفت الأرض بوقوعها، ثم أرسل عليهم صخور من سجيل “نار ملتهبة”، أخفض منطقة في الأرض الآن هى منطقة البحر الميت، وليس فيه كائنات حية، وهذه هى منطقة قوم لوط.

ولو نظرنا الآن إلى ما يحدث في أمريكا وأوروبا؛ سنجد أن الشذوذ يسبب الكثير من الأمراض، مثل الزهري والسفلكس وغيرها، وبالمناسبة فإن الشذوذ الجنسي ليس محرمًا فقط في الإسلام، بل في كل الأديان، وخاصة الكاثوليكية.

أمثلة أخرى
مثال آخر؛ الآن في أمريكا وأظن في عدة دول أوروبية، وصلوا إلى قرار أن أفضل شئ للاقتصاد هو أن تكون الفائدة الربوية صفر، ماذا يعني ذلك؟.. يعني أنهم قد رجعوا إلى الإسلام، وبالمناسبة.. فبعد الحرب العالمية الأولى رجعوا لنفس الشئ، فبريطانيا أعلنت عن جائزة لمن يأتي بحل للهبوط والانهيار الاقتصادي، وأعطوه لقب لورد، كان اسمه “كينز”، لأنه قال الحل هو أن تصبح الفائدة صفر.

هذا برهان ومصداق قول الحق (سبحانه وتعالى): “قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا”، وقال الله (سبحانه وتعالى)  “يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ”، فكل ما بُنِى على الربا فهو ينهار الآن، هذه فائدة الوحي الإلهي، فنحن كمسلمين مرتاحين، فالحسن ما حسّنه الله ورسوله، والقبيح ما قبّحه الله ورسوله.

سلّم الأمر لصاحب الأمر تسلم، لماذا؟، لأن الإنسان ضعيف ويغير أراءه وأفكاره من فترة لفترة، فحتى النظريات العلمية ليست نهائية، لأن حتى النظرية النسبية لآينشتاين صارت عليها تغيرات.

وعندما قام داروين بقلب الدنيا على نظريته وقال إن الإنسان أصله قرد، جاءت ابنته “آنا داروين” وقالت “أبي مخطئ، والإنسان كائن متفرد ومتميز، ولا علاقة له بالقرود”، وإلا فالقرود الموجودة الآن.. لماذا لم تتطور وتصبح آدميين؟!، حسبنا الله ونعم الوكيل.

عظمة الإسلام
يمكن للبعض أن يقولوا أنه في إطار حديثنا الدائم عن الدين، نلاحظ أن هناك بعض الناس الذين صاروا متعصبين ومتزمتين ويقومون بالمشكلات، لكن يا تُرى هل هذا التشدد والتعصب وتلك المشكلات، بسبب الإسلام نفسه؟، أم بسبب إما فهم خاطئ للإسلام، أو بمؤامرة دنيئة من ناس استغلوا ناس جهلة أو ضعاف النفوس، ودفعوهم من وراء ستار حتى يقوموا بهذه الأعمال التي تشوّه الإسلام وتشوّه سمعة المسلمين؟.. كلا الأمرين وارد كما تعلمون، وهذا ليس موضوعنا الآن.

لكن الإسلام كما قال الله (سبحانه وتعالى) في سورة البقرة: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا”، فمن معاني الوسطية: الحسن والاعتدال، فالإسلام فيه اعتدال، قال ﷺ: “يسروا ولاتعسروا وبشّروا ولا تنفّروا”، وقال في حديثٍ آخر: ” إِنَّ هذا الدِّينَ يُسْرٌ، فأوغل فيه برفق، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه”.

دين واقعي وعملي
فمن الممكن أن نجد من يقول أريد أن أكون متدين ودائم الصوم.. لن تقدر على ذلك، أو من يقول سأصوم وأقوم الليل كله.. نقول له أيضًا لن تقوى على ذلك، فالنبي ﷺ فعل ذلك مع الثلاثة الذين نذر أحدهم ألا يفطر أبدًا، والآخر ألا ينام أبدًا، والثالث ألا يتزوج النساء (وفي رواية مسلم: لا يأكل اللحم).

فقال النبي ﷺ لهم: أما أنا، فأصلي وأرقد، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني. فالإسلام دين واقعي وعملي، فيه راحة للفرد والأسرة والمجتمع،

نسأل الله (عز وجل) بأن يفقهنا في هذا الدين، وأن يجعلنا مسلمين طيبين لينين، مشرقي القلب والعقل، ونسأله (سبحانه وتعالى) أن ينور قلوبنا وعقولنا وأن يميتنا على هذا الدين العظيم، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله.

للإطلاع على تفاصيل أكثر حول أنشطة مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية وكيفية التواصل والتبرع اضغط هنا

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى