الراديوتغطيات خاصةرمضان

إلى النفوس الحائرة (8)- خلق الله الكون جميلًا وسَخّره لنا.. فحافظوا على جماله

أعدها للنشر: أحمد الغـر

“إلى النفوس الحائرة”.. عنوان البرنامج الجديد الذي يقدمه لكم “راديو صوت العرب من أمريكا” خلال شهر رمضان المبارك، وهى عبارة عن حلقات فيديو مسلسلة يطل علينا فيها فضيلة الدكتور “موفق الغلاييني”، إمام المركز الإسلامي بمدينة Grand Blanc بولاية ميشيجان.

حيث يتناول فضيلته في كل حلقة موضوعًا مختلفًا من الموضوعات التي تهم المسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية، من أجل طمأنة النفوس، وتخفيف الضغط النفسي عليها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البشرية بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، التي تزامنت مع شهر الخير والبركات، شهر رمضان المعظم.

ويتمتع الدكتور “موفق الغلاييني” بسيرة ذاتية ثريّة كعالم جليل في الفقه الإسلامي، فهو حاصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من الجامعة ذاتها، وحاصل على ماجستير في الإعلام الإسلامي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، كما حصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة الأمريكية المفتوحة بواشنطن، وهو عضو اللجنة الدائمة للإفتاء التابعة لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

والبرنامج برعاية كريمة من مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية Life for Relief and Development .. وهي مؤسسة خيرية إنسانية غير ربحية ذات خبرة كبيرة في العمل الإغاثي والتنموي، تمتد لأكثر من 28 عامًا، فقد تأسست في عام 1992 من قبل المعنيين المهنيين العرب الأمريكيين، وتهدف لتوفير المساعدات الإنسانية للشعوب التي تعاني من ظروف صعبة بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين والخلفية الثقافية.

وإلى تفاصيل الحلقة:

عظمة الخالق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله والصلاة على رسول الله، نبدأ حلقتنا بسؤال؛ هل سألت نفسك من قبل.. لماذا هذا الكون جميل؟، هل ذُكِرَ الجمال في القرآن؟، هل تحدث النبي ﷺ عن ذلك؟، أم أن الإسلام كله تشريع وأحكام وحدود، كما يريد أعداء الإسلام أن يُظهروه، وهذا طبعًا من ألاعيبهم؟،

هل راقبت من قبل منازل القمر؟.. قال تعالى: “وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”، وكما قال الشاعر أبو العتاهية، وهو شاعر عباسي:
فيَا عَجَبَا كيفَ يَعصِي الإلهَ .. أمْ كيفَ يجحدهُ الجاحِدُ
وفِي كلِّ شيءٍ لَهُ آية ٌ .. تَدُلّ على أنّهُ الواحِدُ

فكل شئ يدل على أن لهذا الكون مُوجد، ولهذا الإتقان مُتقن، لذلك علماء التوحيد ذكروا أنه من الأدلة الأساسية على وجود الله (سبحانه وتعالى) وعظمته.. الإتقان في صنع الإنسان وصنع هذا الكون، وكل ما فيه من نبات وحيوان.

فالله (عز وجل) خلق مخلوقات صغيرة جدًا لا تُرى بالعين المجردة، وفي نفس الوقت نجد الحوت الأزرق الذي هو أكبر كائن على الأرض الآن، فتلك المخلوقات الصغيرة مثل حشرة البعوض، والأخرى الكبيرة مثل الحوت الأزرق، جميعها هى دليل على وجود الله (سبحانه وتعالى).

روعة الخلق

بالمناسبة؛ من عظمة خلق الله.. مثلًا لماذا لا نشعر بالبعوضة وهى تلدغنا إلا بعدما تنتهي؟، فهى في البداية تحقن مخدر في موضع قرصتها، لذلك لا نشعر بها في البداية، وعندما نشعر بلدغتها تكون قد انتهت من امتصاصها للدم، فمن وضع فيها هذا الأمر؟

أتذكر قصة عندما كنت أُدّرس للطلاب الصغار، وسألتهم سؤال كي ألفت نظرهم لعظمة الخالق؛ فقلت لهم: من وضع الرائحة الطيبة في الزهور؟.. فرد أحدهم: ليس أنا!، فطبعًا صار الطلاب يضحكون، فقلت لهم: إن الله (سبحانه وتعالى) هو من وضع هذه الرائحة، هل سألتم أنفسكم لماذا وضعها؟، صحيح.. من أجل جذب النحل، ولنا كبشر كي نتذكر دائمًا أن هناك مبدع لهذا الكون، هو الله (سبحانه وتعالى).

تسخير المخلوقات
في سورة السجدة، يقول الله عز وجل: “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ”، وفي سورة الذاريات يقول: “وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ”، هاتان الآيتان تشيران إلى أن الإتقان والإعجاز موجودان في الكون كله، وخاصة الإنسان.

قال تعالى: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”، فالله هو الذي أوجد وأتقن هذا الصنع، فسبحانه وتعالى.

قضية أخرى لا ننتبه لها في جمال هذا الكون، وهى قضية التسخير، هل خطر ببالك كيف يقتاد هذا الجمل الضخم لولد صغير؟، هذا من تسخير الله (سبحانه وتعالى)، فمن عظمة خلق الله أن الجمل يرى من أمامه كبيرًا فيخضع له.

حتى في سباق الهجن في أرض الجزيرة والخليج، نجد أن معظم من يقودون الجمال في السباقات هم من الأولاد الصغار، فكيف ذلك؟.. قال تعالى: “وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ”، وفي آية أخرى: “وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ”.

فلو فكرنا في هذا الأمر، سنجد أن بعض هذه الدواب نستخدمها للركوب، فالجمل سفينة الصحراء، يسير في جوها الصعب وعواصفها، وقد هيأه الله لمواجهة كل هذه الظروف الصعبة.

لذلك قال الله سبحانه وتعالى: “أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ”.

بدأ بالإبل قبل السماء، لأنه يخاطبهم من واقعهم، وقال الله أيضًا في سورة الجاثية: “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.

نحن والكون
في الفلسفة الغربية، منذ أيام اليونان، كانوا يعتقدون أن الإنسان في صراع دائم مع الكون، حتى شعلة المعرفة لا يستطيع أن يأخذها إلا بالقوة والتغلب على الآلهة، وما إلى ذلك من أفكار الشرك والعياذ بالله،

فهذا التفكير العدائي لله (سبحانه وتعالى) ظل مستمرًا مع التفكير الغربي، فعندما حدثت الثورة الصناعية والتطور العلمي، وكلما اكتشفوا سر من أسرار الكون كانوا يعبرون عن ذلك، بأنهم قهروا الطبيعة.

في الواقع إنهم لم يقهروا شيئًا، وإنما هم اجتهدوا لسنوات حتى اكتشفوا سر من أسرار هذه الكون واستفادوا منه، وهذا أمر طيب مفيد للبشرية، لكن لا تقولوا “قهرنا”، بل قولوا “اكتشفنا ما سُخِرَ لنا”، لأننا في الإسلام ننظر إلى الكون على أنه صديقٌ لنا.

التلوث والبيئة

ولذلك في قضية التلوث والحفاظ على البيئة، المسلم يحافظ عليها بدافعٍ من إيمانه، فهذا الكون خلقه الله للبشرية، فمن المعيب في حقي أن ألوثّ هذا الجو، بل يجب أن أحافظ على نظافته، والله (عز وجل) لأنه يحبنا، خلق هذا الكون من أجلنا، وسخره لنا.

فقولوا: الحمد لله على نعمة الإيمان، والحمد لله على نعمة الاستقامة، ونسأل الله (عز وجل) أن يوفقنا للاستقامة على دينه، حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وإلى لقاءٍ آخر.

للإطلاع على تفاصيل أكثر حول أنشطة مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية وكيفية التواصل والتبرع اضغط هنا

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى