الراديوتغطيات خاصةرمضان

إلى النفوس الحائرة (10) – مفهوم التدين الصحيح وعلاقة الفرد بالمجتمع

أعدها للنشر: أحمد الغـر

“إلى النفوس الحائرة”.. عنوان البرنامج الجديد الذي يقدمه لكم “راديو صوت العرب من أمريكا” خلال شهر رمضان المبارك، وهى عبارة عن حلقات فيديو مسلسلة يطل علينا فيها فضيلة الدكتور “موفق الغلاييني”، إمام المركز الإسلامي بمدينة Grand Blanc بولاية ميشيجان.

حيث يتناول فضيلته في كل حلقة موضوعًا مختلفًا من الموضوعات التي تهم المسلم في القرآن الكريم والسنة النبوية، من أجل طمأنة النفوس، وتخفيف الضغط النفسي عليها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البشرية بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، التي تزامنت مع شهر الخير والبركات، شهر رمضان المعظم.

ويتمتع الدكتور “موفق الغلاييني” بسيرة ذاتية ثريّة كعالم جليل في الفقه الإسلامي، فهو حاصل على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، ودبلوم التأهيل التربوي من الجامعة ذاتها، وحاصل على ماجستير في الإعلام الإسلامي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، كما حصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله من الجامعة الأمريكية المفتوحة بواشنطن، وهو عضو اللجنة الدائمة للإفتاء التابعة لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

والبرنامج برعاية كريمة من مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية Life for Relief and Development .. وهي مؤسسة خيرية إنسانية غير ربحية ذات خبرة كبيرة في العمل الإغاثي والتنموي، تمتد لأكثر من 28 عامًا، فقد تأسست في عام 1992 من قبل المعنيين المهنيين العرب الأمريكيين، وتهدف لتوفير المساعدات الإنسانية للشعوب التي تعاني من ظروف صعبة بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين والخلفية الثقافية.

وإلى تفاصيل الحلقة:

تعلق القلوب بالله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لازلت أدندن حول مفهوم التدين، فهل المسلم التام أو القوي أو الجيد هو الذي يُكثر من عبادته وصلته بالله (سبحانه وتعالى) فحسب؟.

طبعًا الصلة بالله (سبحانه وتعالى) شئ أساسي؛ الصلاة والزكاة والصوم والحج والذكر وقراءة القرآن وما إلى ذلك، لتنقية النفس ووصلها بالله (سبحانه وتعالى).

لكن هل الإسلام حثَّ المسلم على أن تكون علاقته إيجابية بالمجتمع وبأفراد المجتمع، بحيث يتمنى لهم الخير ويقدم لهم الخير ويسهم في فعل الخير؟، الجواب: طبعًا نعم، فكلنا يعلم هذه الآية “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”.

لكن الإنسان لديه مشكلة، وهى أن يده ممسكة، فالله (سبحانه وتعالى) في سورة المعارج، قرر هذا في قوله تعالى: “إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا”، ما معنى (هَلُوعًا) يا رب؟، قال: “إِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا”، إذا جاءته وظيفة أو مال أو كذا، فإنه يمسك على هذا المال، ولا ينفق منه، و”إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا”.

إلا من يارب؟؛ قال: “إِلَّا الْمُصَلِّينَ”، لماذا؟؛ لأن قلوبهم مرتبطة بالله (سبحانه وتعالى)، والمال عندهم في أيديهم، لا في قلوبهم، فهو وسيلة تكفيهم عن الحرام وعن مسألة الناس، لذا تكون أيديهم ممدوة إلى الآخرين.

المسلم محسنٌ كريم
فهذا المسلم خيّرٌ، كريمٌ، مسهمٌ في مساعدة الآخرين، وخاصةً الآن في هذا الوقت، انظروا.. أصبحنا نرى أناس ياكلون من القمامة في عدة أقطار عربية وإسلامية.

وعندما نقرأ سورة الماعون، يتحدث الله (سبحانه وتعالى) في أول السورة عن الذي يكذّب بالدين، وقد يخطر على البال أن الذي يُكذّب بالدين هو الذي ينكر وجود الله أو اليوم الآخر، لا يؤمن بربانية القرآن أو نبوية النبي ﷺ.

لكن انظروا ماذا يقول البارئ (سبحانه وتعالى) عن مفهوم تكذيب الدين هنا، قال تعالى: “أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ”، أي ينهره ويتجاهله، فاليتيم إنسان ضعيف فقد أبويه أو أحدهما وهو صغير.

لذا نجد في سورة الضحى: “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ”. نكمل قوله تعالى من سورة الماعون: “وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ”، هنا نجد ضرورة الإحسان إلى المسكين وأيضا دعوة الآخرين وحضهم على الإحسان إليه.

وقد ذكر الفقهاء أنه في حالة جمع التبرعات أو مثل ما يحدث لدينا في العشاء الخيري، إذا ذُكِرَ اسم الشخص المتبرع بدون مدح، ونقول أن فلانًا مثلًا قد تبرع بـ 10 آلاف دولار، قال الفقهاء: لا بأس بذلك شرعًا، بشرط أن تكون نيته هى تشجيع الآخرين، لا فخرًا ولا رياءً.

المعروف يدوم
في أحيان كثيرة، نحجم عن التبرع بحجة أن تلك الجهة مشكوك فيها، ولا نعرف أين يصرفون المال. طبعًا بادئ ذب بدء.. أقول أنه يجب علينا أن نتحرى حول هذه الجهة، سواء أكانت منظمة أو أفرادًا، وطبعًا ـ مع الأسف ـ هناك أمثلة سيئة في واقعنا وفي القدم، حول أناس يستغلون هذه العواطف الكريمة عند الناس في التبرع، ويأخذون هذه الأموال.

ولكن في النتيجة، بعد أن تتحرّى وتسأل، ويزكي لك الآخرون هذه المنظمة الخيرية أو هذا الشخص، وبعد فترة اكتشف الناس أن هذه المنظمة لا تتقي الله في توزيع المال، السؤال الفقهي هنا: هل حُسِبَ لك ثواب هذه الصدقة أو الزكاة؟، الجواب: نعم، لأنك تحرّيت.

ولذلك يقول الشاعر:
ازرع جميلًا ولو في غير موضعه :: فليس يفنى جميل أينما زُرِعَ
إن الجميل وإن طال الزمان به :: فليس يحصده إلا الذي زرع

قد تجد نتيجة هذا المعروف الذي فعلته بعد سنين طويلة، ليس شرطًا أن يأتيك مال، بل أحيانا يكون المعروف زوجة صالحة أو إيجاد عمل، وهناك مثل عامّي يقول “اعمل الخير وارميه في البحر”، وهذا كلام صحيح.

الوقف في الإسلام
سأعطيكم مثالًا جميلًا جدًا، حضاري وعظيم من تاريخنا، وإلى الآن لازال له شأنٌ ولازال فعّالًا، ألا وهو الوقف، يسمونه بالإنجليزية (Trust)، فما معنى الوقف؟، قال العلماء “الوقف هو حبس العين على حكم ملك الله والتصدق بالمنفعة”، وعندما نتحدث عن الوقف يأتي في بالنا بسرعة قضية المساجد، لكن في الحقيقة أن الوقف لا يقتصر على المساجد فقط.

لدينا داعية مشهور في سوريا، أصله من حمص، توفى رحمه الله، وهو “د. مصطفى السباعي”، له كتاب عنوانه “من روائع حضارتنا”، في هذا الكتاب يذكر أنواعًا من الوقف قد تتعجبون منها.

أذكر لكم بعض الأمثلة؛ كان هناك وقف للأطفال المولدين حديثًا، فكان في القلعة ميزابين (وكلمة ميزاب أصح من ميزراب)، أحدهما يُنزِل حليبًا، والآخر يُنزِل السكر، تُعطي للأمهات الجدد، ويتأكد ناظر الوقف من إعطائهن ذلك يوميًا.

كان لدينا في دمشق ـ ولازال ـ جامع اسمه القطط، وأصل تسميته بذلك أن الجامع كانت تحيط به غرف كثيرة، كانت وقفًا للقطط المسنة والمريضة، ويعتني بها ناظر يشرف عليها، وهذا رأفة بالحيوانات.

بالنسبة لأهلنا الشوام؛ الملعب البلدي للعب كرة القدم في دمشق، هذا كان وقفًا للخيول المُسنّة والمريضة، فكل من كان لديه خيل كبيرة في العمر أو مريضة، كان يذهب ويعطيها لناظر هذا الوقف كي يهتموا بها ويرعوها ويعالجونها إلى أن تموت.

وكان هناك وقف يسمى البيمارستان، وهو مستوصف أو مستشفى صغير، وكذلك المدارس، فأنا عملت لفترة كموظف بمديرية الأوقاف في دمشق، وأستطيع أن أقول لكم أن وزارة الأوقاف في سوريا كانت هى أغنى وزارة.

ونفس الشئ كان في مصر، فرواتب جميع شيوخ الأزهر كانت من الأوقاف، لذلك فإن قرارهم كان مستقلًا، وعندنا أيضًا لازال الأئمة والخطباء والمفتون يأخذون رواتبهم من وزارة الأوقاف.

دعم المراكز والمدارس الإسلامية
وإذا كان هذا هو الوقف في تاريخنا الإسلامي، أيها الأحبة، فكيف لنا أن نطبق هذا الكلام هنا؟، علينا أن نستمر في دعم المراكز الإسلامية ودعم مدارسنا الإسلامية، لأنها جميعًا وقف ولا يجوز تغيير طبيعتها الإسلامية بأي حالٍ من الأحوال.

وهذا يسمى شرط الواقف، فعندما نقوم بجمع تبرعات (Fundraising) ويتبرع الناس من أجل مدرسة إسلامية، فيها دراسات إسلامية وقرآن ولغة عربية، فيجب أن نحافظ عليها، حتى نستمر في إيجاد محضٍ إسلامي تربوي روحي لأولادنا وبناتنا.

أنا دَرّست والحمدلله في أكثر من ولاية في مدارس إسلامية، وأعرف عن ماذا أتحدث بناءً على خبرة عملية، وإذا تحدثنا عن الـ Charter school فأقول إنها جيدة، ولكنها تغطي جانب اللغة العربية، ولكن لا يوجد بها البيئة الإسلامية (Islamic environment) كتلك الموجودة في المدارس الإسلامية.

كرم أهل الإسلام
والآن نرى أن هناك مسلمون كثيرون في كل مكان بحاجة للمساعدة، وأنا من خبرتي في أمريكا أقول إن المسلمين هنا كرماء يساعدون إخوانهم في كل أرجاء الدنيا، ولازال الإسلام يعمل، وأنا أحب التفاؤل، تفاءلوا بالخير تجدوه.

المسلمون طيبون في الجملة، كرما، لكن فقط أعطوهم الحرية وشجعوهم، فتخرج نوازع الخير والكرم والبركة منهم، ولو أُزيِحَ الاضطهاد والكبت عن شعوبنا العربية والإسلامية، لفعلوا كما يفعل المسلمون هنا.

فمعظم المدارس والمراكز الإسلامية هنا بناها المسلمون، والآن نبني مراكز ترويح للشباب، ومرافق أخرى كثيرة، فالإسلام حضارة وتقدّم وقوة، وهكذا يجب علينا أن نفهم الإسلام، ونسأل الله (عز وجل) أن يزيل الغمة والاضطهاد عن بلاد المسلمين، فإذا كان المسلمون لديهم حرية ويفهمون دينهم ويطبقونه كي نعود كما كنا، أمة عظيمة.

ملكنا هذه الدنيا قرونا :: وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء :: فما نسي الزمان ولا نسينا
وما فتيء الزمان يدور حتى :: مضى بالمجد قوم آخرونا
وآلمني و آلم كل حر :: سؤال الدهر أين المسلمـونا
ترى هل يرجع الماضي فإني :: أذوب لذلك الماضي حنينا

إن شاء الله سيرجع الماضي بهمتكم، بثباتكم، بإيمانكم، بعزيمتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

للإطلاع على تفاصيل أكثر حول أنشطة مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية وكيفية التواصل والتبرع اضغط هنا

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى