الراديو

هل يشعل التصعيد بين أمريكا وإيران فتيل الحرب أم تنهيه لعبة المصالح؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

في ساعة مبكرة من صباح الجمعة (الثالث من يناير 2020) أعلنت الولايات المتحدة أنها نفذت ضربة جوية على مطار بغداد الدولي، أدت لمقتل عدد من الأشخاص على رأسهم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، ما يمثل نهاية مفاجأة لشخص كان لاعبًا كبيرًا في الجزء الشرقي من العالم العربي.

وأوضح بيان صدر عن البنتاجون أنّ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أعطى الأمر باغتيال سليماني، وقال “بأمرٍ من الرئيس، اتخذ الجيش الأمريكي إجراءات دفاعية حاسمة لحماية الموظفين الأمريكيين في الخارج، وذلك عبر قتل قاسم سليماني”، على صعيدٍ آخر؛ هددت طهران على لسان وزير دفاعها “أمير حاتمي”، بانتقام ساحق ردًا على مقتل الجنرال سليماني.

تصعيد كبير شهدته الأزمة الإيرانية ـ الأمريكية بعد مقتل سليماني، بين رد إيراني وتوقعات برد أمريكي، وتهديديات هنا وهناك، فيما تخيم أجواء الحرب على منطقة الشرق الأوسط التي باتت ساحة للمعركة بين الطرفين. فهل سيقود التصعيد بين الطرفين لحرب جديدة تشهدها المنطقة؟، أم أن لعبة المصالح ستنتصر في النهاية وتنهي التصعيد؟

أسئلة كثيرة ومحاور هامة طرحتها الاعلامية “ليلى الحسيني” على ضيوف الحلقة من برنامج “شاهد عيان”، من مشيجان، الإعلامي “سامح الهادي”، والصحفي “خليل هاشم”، والصحفية “إستبرق العزاوي”، ومن فرنسا الصحفي والمحلل السياسي “وائل الخالدي”.

مشهد راهن معقد

* أبدأ معك، الصحفي “خليل هاشم”؛ كيف ترى هذه النهاية الدموية لجنرال إيران النافذ بالمنطقة العربية؟، وكيف تقرأ المشهد الراهن؟

** بشكل مفاجئ وضع الرئيس ترامب المنطقة في وضع صعب، حيث تكاثرت التكهنات حول طبيعة الرد الإيراني ورد أذرعها في المنطقة، ولكن المخيف في الأمر هو أن توقيت الضربة الأمريكية لم يكن في الحسبان.

* أستوقفك “خليل”، لأسألك: لماذا قررت أمريكا قتل سليماني في هذا التوقيت بالذات؟

** لا أحد يعرف بالضبط السبب الواضح لذلك، ويسعى الكونجرس حاليًا لأن يحصل على إيضاحات من الإدارة الأمريكية عن توقيت الضربة، والأدلة الموجودة على وجود تهديدات دفعت لحدوث هذا العمل.

* كيف تقول أنه لا توجد أدلة واضحة بالرغم من وجود استهداف للقوات الأمريكية والسفارة الأمريكية، ووجود دلائل تشير إلى أن الإيرانيين الموجودين في العراق ضالعين في هذا الموضوع؟

** هناك قوات متعددة توجد بالمنطقة الآن، والضربات والهجوم متبادل، وهذا أمر ليس بالجديد، لكن المشكلة الكبيرة بالمنطقة هو النفط الموجود تحت أراضي الشرق الأوسط، فالجميع أعينهم على هذا النفط، سواء في لبنان أو العراق أو سوريا او غيرها من دول الشرق الأوسط.

لذا فإن البلدان الموجودة سواء تركيا أو روسيا أو الصين أو أمريكا أو غيرهم، يتصارعون على هذا النفط، والضحية دائمًا هم الأبرياء الذين يقتلون سواء أكانوا من جيوش تلك الدول أو شعوب المنطقة، في سبيل تعطش الدول الموجودة للحصول على البترول.

رؤية مغايرة

* سامح؛ نسعد بمشاركتك، ونود سماع رأيك عن ما حدث؟

** في الواقع لدي رؤية مغايرة قليلًا لما طرحه الأستاذ خليل، تقوم على محور مختلف نوعًا ما، فالإدارة الأمريكية في تقدير كثير من المحللين اتخذت القرار بتصفية قاسم سليماني، بعد أن وردت إليها معلومات استخباراتية عن حالة الخطر الدائم، والتي تعني تعرض مصالح حيوية ومواطنين أمريكيين لحالة حرجة من الخطر الذي لا يمكن تداركه.

وقد بدأت هذه الحالة في إطار حصار ميليشا الحشد الشعبي العراقي للسفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، وتجاوزها لكل النقاط الأمنية قبل اغتيال سليماني بيومين، وقد حصل اتصال هاتفي بين ترامب ورئيس حكومة تسيير الأعمال العراقية “عادل عبدالمهدي”، محتواه ضرورة فك الحصار عن السفارة حتى لا تضطر الولايات المتحدة للتصرف لحماية سفارتها.

ولا يجب أن ننسى أن شبح بنغازي في العام 2014، عندما تعرضت السفارة الامريكية لموقف مشابه، لايزال ماثلًا أمام إدارة الرئيس ترامب، وهو الامر الذي دعاه إلى التصرف السريع والحازم، خاصة بعد أن بدأت السفارة بالفعل تتعرض لبعض الضرر.

المحور الآخر، هو أن سليماني، بحسب الاستخبارات الأمريكية، كان يخطط لتغيير ميزان القوى في العراق لصالح إيران، من خلال فرض رئيس وزراء جديد موالي أكثر لإيران، رغم أن عبدالمهدي كان جيدًا في عملية التوازنات بين المصالح الأمريكية والإيرانية في العراق، ولا يجب أن ننسى أنه لا توجد قوات إيرانية على الأرض بالعراق، لكن جميع قادة الحشد الشعبي يميلون فكريًا وعقائديًا لإيران.

إيران لابد أن ترد، والولايات المتحدة الأمريكية تعلم جيدًا أن إيران سترد، والرد سيكون محسوبًا من كلا الطرفين، وواشنطن قد أرسلت رسالة ضمنية إلى إيران، مفاداها: إذا أردتم أن تردوا فلتردوا، ولكن إحذروا أن يتجاوز الرد حدود الاستيعاب الخاصة بالولايات المتحدة، فالولايات المتحدة تستطيع أن تُرجِع إيران عشرات السنين إلى الخلف، وإيران تستطيع أن تؤذي حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.

خطر “سليماني”

* إذن، برأيك سامح، ما هو الخطر الحقيقي الذي كان يمثله سليماني لأمريكا ولدول المنطقة؟

** 3 أشياء، الشئ الأول؛ تغيير ميزان القوى في العراق لصالح إيران. الشئ الثاني؛ تهديد المصالح الامريكية. والشئ الثالث؛ استمرار الدعم الإيراني لميليشا حزب الله في لبنان والنظام السوري والحوثيين في اليمن، إضافة إلى تطور النظام الإيراني في المنطقة، وكانت هناك خطط لتطوير هذا النفوذ وتعمقه في دول المنطقة، ولم تستطع الولايات المتحدة أن تقف موقف المتفرج أمام هذا التوسع الإيراني.

* خليل؛ هل لك تعليق على ما قاله الزميل “سامح الهادي”؟

** نعم، بالأمس كانت هناك مقابلات مع العديد من النواب بالكونجرس، وكانوا قلقين للغاية حول الأسباب التي قدمها ترامب وبومبيو، والتي دفعتهم لقتل سليماني، وفي حالة ما إذا كان الحشد الشعبي هو الذي قام بضرب السفارة الأمريكية فإنه كان من الواجب أولًا تقديم نوع من الدعم وزيادة التأمين كحل أوليّ لمعالجة الأمر. ففي النهاية؛ تظل إيران دولة تدافع عن مصالحها في المنطقة، مثلها مثل الولايات المتحدة، فالكل يبحث عن مصالحه أولًا وأخيرًا.

“سليماني” .. أسطورة أم بطل مزيف

* نأخذ مداخلة من أحد مستمعينا، أستاذ “رعد”.

*** لدي سؤال بسيط، ماذا لدى “سليماني” بالعراق كي يذهب ويعود كيفما يشاء، منه وإليه؟، ثانيًا: المنطقة الخضراء بالعراق محصنة للغاية.. فكيف للمتظاهرين أن يدخلوها دون أن يكون الأمر بتخطيط من قوة أمنية نافذة مثل الحشد الشعبي؟، إن ضرب السفارة يشبه بالضبط الاعتداء على البلد التي تمثلها. الأمر الثالث: سليماني يديه ملطخة بدماء العراقيين والسوريين واليمنيين وحتى الأمريكان، لذلك فإن جزاءه كان عادلًا.

* سامح؛ كيف ترد على مداخلة مستمعنا الكريم؟، وبرأيك هل كان “سليماني” أسطورة أم بطل مزيف صنعته إيران؟

** أولًا.. “سليماني” يجب ان ننظر إليه نظرة مجردة بصفته في النظام الإيراني، فهو قائد فيلق القدس، الذي يشكل الكتلة الأكبر في الحرس الثوري والأكثر نفوذًا في الداخل والخارج الإيراني، وله من المكانة ما جعلت المرشد الأعلي يؤم صلاة الجنازة عليه، وينتحب وليس يبكي، بل ينتحب عليه. فـ”سليماني” له مكانة كبرى في إيران وتأثير واضح في المنطقة والأقاليم التي لإيران نفوذ فيها.

“سليماني” يراه كثيرون أنه إرهابيًا وقد ساهم في قتل مئات الآلاف، والتخطيط للأذى، ومساعدة الأنظمة الديكتاتورية وعدم الاستقرار في المنطقة، فيما يراه كثيرون أخرون أنه بطلًا قوميًا يساهم في محور الممانعة والمقاومة الذي يقف ضد التطبيع مع إسرائيل، ويقف ضد أمريكا.

ونحن هنا لا نبحث في كونه بطلًا أم كونه إرهابيًا، بل نحلل حادثة التصفية التي وقعت من قبل الولايات المتحدة لـ”قاسم سليماني”، وأثرها السياسي على الأقليم، فـ”سليماني” هو الشخص الذي استطاع أن ينقل إيران من حالة الانكماش السياسي والعسكري إلى حالة النفوذ، وأن تجبر الجميع على التعامل معها على أنها القوة الاكبر في الأقليم والتي لا يمكن تجاوزها.

ومن يحصر الرد الإيراني في الرد العسكري فقط سيكون مخطئًا، لأن إيران قد بدأت الرد بالفعل، فالبرلمان العراقي قد أصدر قرارًا يُلزم الحكومة العراقية بالبدء في إجراءات لمغادرة جميع القوات الأجنبية من العراق، بما فيها القوات الأمريكية.

موقف الروس

* خليل؛ كيف ترى موقف روسيا من مقتل “سليماني”، وعدم انحيازها لحليفها الإيراني؟

** بدايةً؛ فإنني أودّ أن أعبر عن إتفاقي التام مع ما قاله الزميل “سامح الهادي”، أما فيما يتعلق بالروس فيبدو أنهم لا يريدون أن يتدخلوا في هذا الأمر، فهم يضمنون مكانتهم بالنسبة لإيران، وحاليا هناك محادثات كثيرة تضمهما، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو السياسة أو غيرهما. وفي النهاية؛ روسيا والولايات المتحدة يتقاسمون الأدوار في المنطقة.

توترات وليست حرب

* سامح؛ هل ترى أن المنطقة مقبلة على حرب جديدة؟، وهل ستكون الحرب بين طرفين أم متعددة الأطراف؟

** يجب أن نرى المشهد من الزاوية الرمادية؛ فإيران وأمريكا ليستا على استعداد للدخول في حرب مفتوحة، وأنا أميل إلى رأي الخبراء الذي يقولون أن المنطقة ليست مقبلة على حرب مفتوحة، ولكنني أود إضافة بعض الضوء على ما قاله الأستاذ “خليل هاشم” فيما يخص الموقف الروسي، فروسيا لها أن تتأثر الولايات المتحدة وتخرج من المنطقة، فهذا مفيد جدًا للروس، وذلك لفتح أسواق السلاح والصادرات والعلاقات الدبلوماسية في هذه المنطقة.

وفي نقاشات البيان الرئاسي في مجلس الأمن حول مقتل سليماني حدث خلاف حاد، فروسيا كانت تعترض على منطق استخدام القوة على أراضي دولة أخرى، الروس ضد هذا المبدأ رغم تأييدهم الكامل لحماية السفارات وعدم الاعتداء عليها، فالدب الروسي يتحرك ببطء ولكنه يحدث فارقًا، وهذا ما نراه يتحقق في آخر 60 عامًا.

المنطقة لن تشهد حربًا مفتوحة، ولكن التوترات ستظل مستمرة لفترة ليست بالقصيرة، يجب أن ننتظر، والأيام قادمة ستكشف لنا الكثير مما يخفى علينا الآن.

* خليل؛ ما تعقيبك؟، هل ستشهد المنطقة حربًا مفتوحة؟

** أتوقع أن تكون هناك مناوشات وتوترات، وليست حرب، وكما ذكرت سلفًا فإن المهم في منطقة هو البترول، هذا هو المتحكم فيما سيحدث، لأن النفط سوق عالمية.

“سليماني” والأزمة السورية

* وائل الخالدي؛ ما مدى فعالية “سليماني” في الأزمة السورية؟

** بالنسبة للسوريين عامة؛ فإن مقتل “سليماني” يعني مقتل السلاح الإيراني الأقوى ضد الشعب السوري واللاجئين والمعتقلين، لذلك فإن “سليماني” ليس شخصًا عاديًا، والبنية التي تقوم عليها الميليشيات الإيرانية هى بنية عقائدية إمامية مبنية على الغيبية، لذلك فإن سليماني يعتبر نقطة وصل بين الإمام وهذه الميليشيات والعقيدة التي يؤمنون بها.

فمقتل “سليماني” بالنسبة للسوريين كأن إيران قد خسرت نصف قوتها، وهذا هو الواقع حتى في العراق ولبنان واليمن، لأن “سليماني” لا يمثل فقط قائدًا عسكريًا بل يمثل تاريخيًا رستم بالنسبة لفارس، أو بمعنى آخر هو الخميني العسكري، وهو الرجل الأقوى وصاحب سلطات كاملة على كل القادة الميدانيين للأذراع الإيرانية في مختلف بلدان المنطقة.

ولا يمكن لإيران أن تعويضه مطلقًا، وكل من سينوب عنه سينوب عنه تقنيًا فقط، ولكن ستغيب هالته، فهو أحد مؤسسي الحرس الثوري، وسيكون غيابه قاسيًا على إيران، وجيدًا جدًا لشعوب المنطقة، ومنها الشعب السوري.

بطل أم إرهابي؟

* وائل؛ هناك من يرى أن “سليماني” مسؤول عن مجازر كثيرة، وهناك من يرى أنه بطل استطاع التخلص من تنظيم داعش الإرهابي بشكل كبير، فكيف ترد على من يرى وجهة النظر تلك وذاك؟

** بالنسبة لمحاربة تنظيم داعش؛ نحن في مركزنا للدراسات، وبإحصائيات بسيطة تبين لنا أن الحرس الثوري الإيراني وكل ميليشياته قاتلت بنسبة 98% من معاركها مع الشعب السوري والجيس الحر، بينما لم تتجاوز معاركها مع داعش الـ 2%، وكانت في غالب الأحيان في هدنة مع داعش، حتى عندما حاصروا أماكن معينة مثل القلمون، وبها عناصر من داعش، أمّنت لهم عمليات نقل بباصات مكيفة عبر حزب الله لنقلهم إلى أماكن أخرى.

ولم تحدث معارك مباشرة بين الإيرانيين وداعش، ولذلك فإن الحديث عن كون “سليماني” محاربًا وبطلًا وأنه حارب داعش، هذا حديث ساذج وغير حقيقي نهائيًا.

* خليل؛ ما تعقيبك على ما قاله الزميل “وائل الخالدي”؟

** الشرق الأوسط مقسوم لنصفين الآن، الإطار الإيراني والإطار الإسرائيلي، والضحية بينهما هى دول المنطقة، مثل العراق ولبنان وسوريا وغيرها، لكن بغض النظر عن الإحصائيات فإن الأمريكان أنفسهم يعترفون بأن “سليماني” قد حارب داعش، لكن في النهاية هناك نفوذ ومصالح، فإذا كانت نفوذ إيران تقتضي حرب معينة، أو مصالح إسرائيل تقتضي حرب معينة، وكذلك أمريكا، فإنهم لن يسألوا عن الأبرياء أو الضحايا.

* وائل؛ هل لديك تعليق؟

** نعم، الزميل “خليل” وضع محورين رئيسين، هما إيران وإسرائيل، وكأن إيران ضد إسرائيل، وأن من هو في محور إيران سيكون ضد إسرائيل، أو العكس، هذا كلام غير صحيح، وقد لا يُقبل على الإطلاق، فالشعب السوري قدم مليون شهيد قُتلوا على يد الإيرانيين والنظام المدعوم منهم، فلا يحق لأحد أن يتحدث باسمه، أو أن يقول أنه في صف إسرائيل.

“سليماني” هو أحد المجرمين الذين هاجموا الثورة السورية، ولدينا توثيقات كاملة حول الضحايا الذي قُتُلوا بسبب جرائمه وعملياته العسكرية في سوريا، وعلى سبيل المثال فقط، هو بنفسه قد أشرف على ضباط إيرانيين قاموا بسلخ الأطفال أحياء، وهذا مسجل ولدى الأمم المتحدة، وموثق لدى فرانس بريس، وهذا هو سبب القضية المرفوعة ضده دوليًا، واسمحوا لي أن أقول أنه لم يكن ممكنًا لإسرائيل أن تدمر سوريا مثلما دمرتها إيران.

تغيير ديموغرافي

* وائل؛ هناك من يشير إلى أن “سليماني” قام بعمل تغيير ديموغرافي في سوريا، فهل تمتلكون أدلة ثابتة على هذا الموضوع؟

** إذا دخلنا إلى حلب، اليوم، انظري إلى كل الإدارات السيادية والسياسية، فستجدين أن من يراسها هو شيعي أو إيراني، التغيير الديموغرافي الذي قام به الإيرانيون ليس فقط لجلب الإيرانيين، بل تم تجنييس الكثيرين من الأفغان ووضعهم في صفوف جيش النظام السوري، وفي محافظة القنيطرة التي هى معروفة لدى كل السوريين بانها محافظة درزية.. الآن لو نظرنا إلى السجل المدني فيها، سنجد أنها قد باتت محافظة شيعية بالكامل.

التغيير قائم بالفعل، فـ”حلب” الآن تنفصل، وكانت هناك محاولة منذ أسبوع لانفصال حلب عن كامل سوريا، بسبب القيادات الإيرانية الموجودة هناك، وهناك 28 مسجدًا الآن يصدحون بالآذان الجعفري، بينما لم يكن من قبل سوى مسجد واحد في شارع الدولة.

قرى بأكملها في دير الزور يُفرض عليها التدين الجعفري السياسي، فهذه السياسة التي تمارسها إيران في سوريا لا تمارسها إسرائيل، فإسرائيل تحتل وتسرق الاقتصاد، أم إيران فهى تحتل وتسرق الاقتصاد والأرواح والتاريخ والمساجد، فعدد من قتلوا على يد الإيرانيين يفوق عدد من قتلوا على يد الإسرائيليين.

أساس الأزمة

* خليل؛ هل لك تعقيب؟

** لا أعتقد أنه يجب حصر المشكلة لتصبح قضية شعية وسنة، أو تغيير هذا بذاك، ولا يجوز الحديث دائمًا عن أن إيران تستغل الشيعة للسيطرة على سوريا، المشكلة الحقيقية تكمن في عدد الضحايا لهذا الصراع، ولا أظن أن هناك أدلة ثابتة على حدوث تغيير ديموغرافي في سوريا واستبدال السنة بالشيعة.

شيعة سياسية

* وائل؛ لك الآن بعض الوقت كي تعقب؟

** أستاذ “خليل” عقب على حديثي برفضه للقول بأن إيران تستغل الشيعة سياسيًا، ونحن لسنا ضد الشيعة كمذهب، لكن نحن ضد الشيعة السياسية التي تستغلها إيران، ويجب أن نفرق بين الشيعة السياسية والشيعة كمذهب، فالشيعة في سوريا إخوتنا منذ أن وجدت سوريا، ولا يوجد خلاف بين الشيعي والسني والعلوي والدرزي والمسيحي.

أنا عملت لمدة 16 عامًا في محل والدي بمدينة دمشق، ولم يختلف يومًا مع اليهودي أو المسيحي أو الشيعي أو مع أي أحد، فلذلك لا يجب لأحد أن يزايد على سوريتنا أو وطنيتنا، ولا يجب أن ننسى حين هاجم “حزب الله” مدينة القصير وقام باحتلالها، وتهجير كل السنة وكل سكان القصير، ولم هناك سنّي واحد في القصير الآن.

المشكلة الآن هى أكبر من مشكلة “شيعي ـ سنّي” كما ذكر أ. خليل، ولكن من أدخل هذه الفكرة على البلاد، هى المصلحة السياسية الإيرانية، لأنه في حالة عدم وجود هذه المشكلة في سوريا لن تتمكن إيران وأذرعها من التوغل داخل سوريا، وهذا هو الأساس الذي اعتمدت عليه إيران بالتحايل على الشيعة العرب واستغلالهم لطرد السنة من عدة محاور.

هناك أكثر من 600 ألف سنّي تركوا منازلهم، نعم هذا الأمر لا نضعه في الإطار “السنّي ـ الشيعي”، وليس لدينا خلاف مع الشيعة، لكن بالتأكيد تستغله إيران وتستعمله كأداة، لأن إيران هى من وضعت هذا الإطار، شئ آخر هام .. لمجرد كونك سنّي لا يحق لك أن تعمل أو أن تتواجد في أماكن تسيطر عليها الميليشيات الشيعية اليوم، بالمناسبة هم من أسموا أنفسهم شيعة، فمثلا نجد ميليشيا الحشد الشعبي الشيعي، ميليشيا الباقر، ميليشيا زينبيون، ميليشيا فاطميون، فهم من سمّوا انفسهم بهذه الأسماء، ولسنا ـ نحن ـ من أسماهم هكذا.

* خليل؛ كما ذكر وائل، فإن الخلاف ليس خلاف شيعي ـ سني، وإنما هو خلاف الطائفية المسيسة، فما هو تعقيبك؟

** لا أظن أن استعمال توصيف الشيعة المسيسة أو السنة المسيسة هذا استخدام دقيق، ويحيل نقاشنا إلى منطقة أخرى، وأظن أن الزميل وائل يحيل الأزمة دائمًا إلى مصدر واحد لها، وهو أن الشيعة هم المشكلة، وهذا غير صحيح، ولا يمكن القول بشكل دائم أن إيران هى سبب كل الأزمة الحادثة في سوريا، كما أن سوريا هى محل نزاع وتواجد لقوى متعددة، والجميع له مصالح، فالسعودية وإسرائيل أيضا لهما حضور ومصالح من الأزمة.

تراجع إيراني وتقدم روسي

* وائل؛ هناك تراجع كبير للدور الإيراني في الأزمة السورية، في مقابل تزايد الدور الروسين فهل ترى هذا فشل نوعًا ما تواجهه إيران؟

** نعم، هناك خلاف حقيقي بين روسيا وإيران، فروسيا الآن تريد أن تفي بالتزاماتها الدولية، تريد أن تحصل على ساحل آمن على البحر المتوسط للتمكن من استخراج الغاز، تريد أن تبدأ في جني ثمار احتلالها لسوريا اقتصاديًا، وهذا يعيق الإيراني الذي يريد أيضا حصته في المنطقة.

ولكن الخلاف الإيراني مع أمريكا وإسرائيل يعيق هذا الحسم الاقتصادي، فقط يحدث الحسم الاقتصادي لروسيا، لذلك فقد بدأت روسيا في تقليص دور إيران، لكن في المقابل فإن روسيا ليس لديها عناصر على الأرض، فهى بحاجة للعنصر الإيراني لفرض الكثير من نقاط القوة، وهذا يجعل الإيراني قادرًا على التفاوض والتلاعب بالملف الأمني السوري.

لذلك رأينا سيطرة الإيرانيين على القرار داخل نظام الأسد من خلال السيطرة على “ماهر الأسد”، في مقابل سيطرة روسيا على جهازين أمنيين وعلى “بشار الأسد” نفسه، وهناك خلافات واضحة للجميع، وقد أدت إلى حدوث تصفيات مؤخرًا، كعمليات انتقامية، حتى أن “ماهر الأسد” قام بتأخير ترقية 25 ضابط على علاقة مع روسيا، حدث ذلك منذ 3 أيام.

مقتل “سليماني” والمشهد العراقي

* الزميلة “استبرق العزاوي”؛ برأيك.. كيف أثرَّ مقتل سليماني على المشهد العراقي؟

** في الحقيقة فإن الحادث قد جاء مباغتًا ومفاجئًا للكثيرين، خاصةً اللاعبين السياسيين في العراق، وفي المنطقة عمومًا، ولكن ألقى بظلاله السلبية على العراق، لأن إيران وكما هو معلوم تستخدم أسلوب حرب الإنابة، ولا تواجه أعداءها بشكل مباشر، لذلك جاء الجانب السلبي في هذه العملية في محاولة إقحام العراق في هذه المسألة التي لا ناقة له فيها ولا جمل.

فالعراق، في هذه القضية، فقط هو جزء من الفرقاء السياسيين، من ميليشيات وأحزاب كانت مقيمة في إيران أثناء فترة المعارضة، وهم من وقعوا بالدم لإيران ولا يبالون لو سلموا العراق لإيران، لذلك فإننا نجد قادة هذه الأحزاب يتصرفون بشكل غير مسؤول، ويحاولون زج العراق في هذا الصراع، بدون حساب أي عواقب مستقبلية على الاقتصاد العراقي والاستقرار والسلم في العراق.

التظاهرات العراقية والنفوذ الإيراني

* استبرق؛ هل أنهت هذه العملية مشهد الاحتجاجات ضد الوجود الإيراني في العراق، وضد الحكومة؟

** لا، بكل تأكيد، فالمتظاهرون لا يزالون مرابطون في ساحات التظاهر في بغداد وعدد من المحافظات العراقية الأخرى، ومنذ بدء المناوشات بين الأحزاب والميليشيات التابعة لإيران، بدأوا باستفزاز الجانب الأمريكي من خلال دعم الهجوم على المصالح الأمريكية في العراق، سواء قواعد أمريكية أو السفارة الأمريكية، وبكل تأكيد كل فعل يقابله رد فعل.

منذ البداية أعلن المتظاهرون براءتهم من هذه الأعمالن وبراءتهم من كل من يعرض السيادة العراقية للخطر، وأصلا التظاهرات قد انطلقت باسم “نريد وطنًا”، لماذا؟، لأن المتظاهرون قد أدركوا منذ البداية أدركوا أنه منذ 16 عامًا والسيادة العراقية منتهكة، من خلال النفوذ الإيراني عبر أذرعها الحزبية والمخابراتية والعسكرية، بالإضافة لذلك الوجود الأمريكي، والذي يصرح دائمًا المسؤولون الأمريكيون بانه بناءً على طلب الحكومة العراقية بعد اجتياح داعش لعدة مدن عراقية.

فالحقيقة الموضوع متشابك، والعراق ساحة نفوذ، كما هى سوريا ساحة نفوذ، وكذلك اليمن ولبنان، للأسف الشديد، وبالنسبة للنفوذ الإيراني، في أكثر من مرة، على لسان أعضاء إدارة أوباما، وكذلك أوباما نفسه، قال: لقد سلمنا العراق لإيران على طبق من فضة، لأنه قد وعد بأنه سيسحب القوات الأمريكية بترتيب مسبق، وبعد أن رأى أن هناك مستنقعًا عراقيًا معقدًا، فضّل أن يسلم العراق لإيران، وكانت هذه هى النتائج والتداعيات.

وحدة من أجل السيادة

* هناك من يشير إلى توحد العراقيين بعد مقتل “سليماني” ضد أمريكا، وازدياد النفوذ الإيراني، هل ترين ذلك واقعًا؟

** نعم، فالعراقيون في الحقيقة متوحدون في النقطة التي تنتهك فيها السيادة العراقية، لا يرضى عراقي واحد بأن تنتهك سيادة بلدهم، ولكن فيما يتعلق بعملية الاغتيال.. فـ “سليماني” موضوع على قائمة الإرهاب بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، ومن الطبيعي جدًا أن يتوقع حلفاء “سليماني” بانه قد يغتال في أي لحظة.

أما من ناحية السيادة، فالعراقيون متوحدون على ضرورة حفظ السيادة العراقية، أما الخصومات والتصفيات والتشابكات والمصالح والنفوذ فيما يخص العراق أو دول أخرى في الإقليم، فهذا له حساباته بين الأطراف المعنية بهذا الصراع والاشتباك.

سبيل الخروج من الأزمة

* استبرق؛ كيف ترين سبيل العراق للخروج من هذه الأزمة؟

** بعد أن حاولت الأحزاب السياسية المرتبطة بإيران استصدار قرار من البرلمان العراقي بضرورة خروج القوات الأمريكية، بدأنا نرى تصريحات ترامب عبر تويتر وعبر مسؤولين أخرين بان ثمة عقوبات يجرى إعدادها ضد العراق، إضافة إلى تبعات مالية قد لا يتحملها العراق، وأعتقد بان هناك ثمّة أخذٍ ورد وتداول لهذا الموضوع، بين الفرقاء العراقيين لإيجاد مخرج للعراق من هذه المعادلة، معادلة الصراع، ومن المؤسف حقًا أن إيران دائما تصرح وتتوعد، ولكن التنفيذ يكون عبر أذرعها الإقليمية في كافة مواجهاتها مع خصومها الأخرين.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى