الراديو

هل الحياة في أمريكا صعبة أم سهلة؟

قدم الحلقة: رفعت عبيد – أعدها للنشر: محمد سليم ومروة مقبول

ما هي طبيعة الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية؟، وكيف يعيشها أهلها، وبصفة خاصة المهاجرون إليها من العرب وغيرهم؟، هل يجد هؤلاء في الواقع ما كانوا يتخيلونه عن الحياة في أمريكا قبل قدومهم إليها؟، وهل يشعرون أن الحلم الأمريكي الذي طالما سعوا إليه أصبح تحقيقه ممكنًا بالنسبة لهم؟.

وبصفة عامة، هل الحياة في أمريكا صعبة أم سهلة؟ وهل تختلف عن الحياة في بلدان أخرى مثل كندا والدول الأوربية؟، ولماذا نختار أمريكا الهجرة إليها دون البلاد الأخرى؟، وما هي الخطوات التي يجب أن نتبعها لكي ننجح في المجتمع الأمريكي، وخاصة أنه بلد تختلف فيه العادات والتقاليد والأديان والطوائف؟.

هذه التساؤلات الهامة، التي ينتظر الإجابة عليها العديد من المقيمين داخل أمريكا وخارجها، كانت محور الحلقة الجديدة من برنامج “مساحة حرة”، على راديو صوت العرب من أمريكا، والتي استضاف فيها الإعلامي رفعت عبيد الصحفي والإعلامي أحمد مراد، وأحد المستمعين الأوفياء لراديو صوت العرب من أمريكا وهو أسامة.

كما استضاف أيضًا عبر الهاتف السيدة نشوى مدني، من سلك التعليم بمدينة نيويورك، والدكتورة هايدي مصطفي من مدينة نيويورك، وهي رئيسة أكاديمية متخصصة في التنمية الذاتية ومستشار الإرشاد الأسرى في نيويورك.

اندماج بطيء

* دعوني أبدأ بالصحفي والإعلامي أحمد مراد والذي أصدر كتابًا مؤخرًا عنوانه “كيف تسافر إلى أمريكا وتحصل على الجنسية الأمريكية في أسرع وقت”، وهو كتاب ثري يتضمن العديد من المعلومات المهمة. أستاذ أحمد، أنت في أمريكا منذ عشر سنوات أو أكثر، وطاب لك العيش في أمريكا، فهل الحياة سهلة في أمريكا من وجهة نظرك أم صعبة؟

** لكي نجيب على هذا السؤال يجب في البداية أن نفرق بين الحياة بالنسبة للمهاجر العربي والحياة بالنسبة للمهاجر الأوروبي. فالمهاجر الذي يأتي من فرنسا أو بريطانيا يقطع اتصاله بوطنه تمامًا ويركز في المجتمع الأمريكي فقط، ويتعامل معه على أنه وطنه الجديد.

ولكن نحن كعرب عندما نأتي من بلادنا، يكون من الصعب جدًا أن ننسلخ من هويتنا العربية ونندمج بشكل كامل في المجتمع الأمريكي.

كما يجب أن نُفرّق أيضًا هنا بين جيلين، الجيل الأول هو الجيل الذي أتى في الستينيات والسبعينيات، وكان اندماجه أعلى بشكل كبير من جيلنا الآن، لأن وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك المحطات الفضائية لم تكن بالقوة الكافية لربطه مع وطنه الأم، لذا كان المغترب الذي يأتي في تلك الفترة ليس أمامه سوى أن يستمع إلى الإذاعة الأمريكية ويشاهد الإعلام الأمريكي، وهذا يسهل اندماجه في المجتمع الأمريكي.

لكن الجيل الذي يصل الآن إلى أمريكا، إذا كان شخص منهم يملك 5000 صديق على الفيسبوك ستجد 4000 منهم من بلده الأم، لذلك يظل انتماؤه وتفكيره منشغل بأصوله، وكل لحظات سعادته المؤجلة وكل أفراحه وأحزانه وكل اهتماماته السياسية بعيدة عن هنا، وهذا يقلل من اندماجه وتكيفه مع المجتمع الأمريكي.

نصائح خاطئة

* اسمح لي أن أنتقل للسيدة نشوى مدني، وهي تعمل في إدارة التعليم هنا في أمريكا، وأتت لأمريكا بطموحات كبيرة، سيدة نشوى، هل كان قدومك لأمريكا سهلاً، وهل وجدتي الأرضية المناسبة للانطلاق والإبداع هنا في أمريكا؟.

** في الحقيقة جئت إلى هنا منذ خمس سنوات، ولم تكن عندي صورة واضحة عن ما سأجده هنا، ولكن الحمد لله لم أستمع إلى النصائح الخاطئة، ومن ضمنها أن أعمل وأجمع المال ولا أهتم بأي شيء آخر لأنني لن أمكث هنا كثيرًا، وهذه مقولة مشهورة عند الكثير من العرب هنا.

فالشيء المهم جدًا لأي مغترب يأتي إلى أمريكا ويود النجاح في البداية هو أن يحافظ على الإقامة الرسمية ولا ينخرط في أي أعمال غير قانونية.

والشيء الثاني أن يهتم بالتعليم والدراسة، فهما المفتاح لك إذا أردت الحصول على وظيفة جيدة ومركز مرموق، فبدون الدراسة لن تستطيع أن تعمل أي شيء، فالنظام الأمريكي لا يعترف تمامًا بالتعليم الذي يتم خارج أمريكا، فعند التقدم إلى الوظائف أو إلى أي مركز يسألونك: أين درست؟، وماذا درست؟، ولا ينظرون أبدًا إلى السيرة الذاتية لأي تعليم تلقيته خارج أمريكا، ماعدا طبعًا تخصصات معينة.

بداية صعبة

* هذه نقطة هامة أثارتها السيدة نشوى، فهنا نظام تعليم خاص، ومن يرغب في استغلال شهادته العلمية يجب عليه أن يعادلها، والكثير من الإشكاليات الأخرى. لكن دعوني أنتقل إلى الدكتورة هايدى حسين.. دكتورة أنت واجهتي مشاكل في البداية، ووجدتي صعوبات في الاندماج وفرض شخصيتك في هذا المجتمع المختلف، فكيف تعاملت في البداية عندما قدمت إلى أمريكا؟

** للأسف سمعت بعض الأشياء الخاطئة عن طبيعة الحياة هنا في أمريكا، ولم أقم بعمل خطة قوية وطويلة الأجل لكي أندمج بسرعة مع المجتمع الأمريكي، فقد كنت أعيش في البداية في المملكة العربية السعودية، وأتيت إلى هنا فوجدت فراغات كثيرة جدًا، ولم أكن أتخيل أن أمريكا بهذا الشكل، وأنا من الناس المتفائلين جدًا في حياتي، فبحكم عملي ومحاضراتي فأنا أعطى السعادة والأمل والتفاؤل لكل للناس.

وكان هذا الأمر سيؤثر علىّ وعلى أولادي، ولكني تخطيت هذا بأن بدأت باختيار الأشخاص الايجابيين للتعامل معهم، وبدأت أرى ما هو الشيء الصحيح وأفعله، فكل شخص منا بداخله جهاز استشعار يقول له ما هو الشيء الصحيح والشيء الخاطئ.

وبدأت وأنا هنا أرى كيف هي حقيقة الحياة أمريكا، ففي البداية واجهت مشاكل كثيرة جدًا، وحتى أولادي واجهوا مشاكل كثيرة في مدارسهم أبشعها العنصرية، ولا شك أن الحياة في أمريكا تختلف عن الحياة في المملكة العربية السعودية، ولو لم أكن شخصية متفائلة لكنت واجهت متاعب أكثر ولم استطع التغلب عليها.

الجانب المادي

* أسمحوا لي أن أستمع إلى ضيفنا الكريم والمستمع الوفي أسامة، هل يمكنك أن تخبرنا عن تجربة قدومك إلى أمريكا؟

** قدمت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2009، عن طريق برنامج الهجرة العشوائية، وهو الشيء الأكثر أمانًا أو الوسيلة القانونية الوحيدة التي يمكن أن تمكث بها بشكل قانوني في الولايات المتحدة.

وعندما أتيت إلى الولايات المتحدة كان عمري وقتها 30 عامًا، ولم يكن هناك مجال للدراسة، وهذا شيء غير جيد، لأن الدراسة ليس لها سن، خصوصًا هنا في الولايات المتحدة، فالدراسة مفتوحة للجميع.

ولكن طبعًا معظم من يأتي من مصر أو الدول العربية يكون قادمًا من بيئة معيشية صعبة، فيهتم بالجانب المادي أولاً من أجل دعم أهله أو للزواج، ثم يبدأ بالتفكير في عمل مشروع يدر عليها ربحًا. وهذا هو الطريق الذي يسلكه معظم المصريين في الولايات المتحدة، وخصوصًا في نيويورك.

الحلم الأمريكي

* يسافر الإنسان لتحقيق أحلامه وطموحاته، فهل مازال الحلم الأمريكي متاحًا في هذا البلد؟، ورغم المتغيرات وكل الأحداث التي مرت بها أمريكا هل مازال هناك حلم؟، سأبدأ مع دكتورة هايدي، هل تتصورين أن الحلم مازال موجودًا في أمريكا؟

** نعم مازال الحلم موجودًا، ولكن يجب أن نتقبل نحن الحياة هنا أولاً، فلو لم نتقبلها لن نستطيع أن نقوم بأي شيء في حياتنا، ويجب أن يكون بداخلنا هدف، فالحلم مازال موجودًا، لكن تحقيقه يتطلب منا الكثير من الأشياء، فلا يجب أن نكون كسالى، أو نتخيل أن الأشياء ستتحقق بسهولة.

* أتوجه بسؤالي للكاتب والصحفي والإعلامي أحمد مراد صاحب كتاب “كيف تسافر إلى أمريكا”، ما هي أفضل الطرق لتحقيق حلم السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية كما طرحتها في كتابك؟

** أوفر الحظوظ هي (اللوتاري) الهجرة العشوائية، فهي الطريقة الأكثر أمانًا والأرخص للإقامة الدائمة على أرض الولايات المتحدة الأمريكية، وتأتي بعدها الولادة في أمريكا، فحتى الآن أي شخص يولد على أراضي أمريكا يعتبر أمريكيًا.

وهنا أيضًا يجب أن نرى أنواع التأشيرات (الفيزا) التي تؤهلنا للدخول إلى أمريكا، وقد حاولت في كتابي أن أصحح معلومة بسيطة، فتأشيرة الهجرة العشوائية ليست هي الطريقة الوحيدة للدخول إلى أمريكا، بل هناك أكثر من تأشيرة، فهناك تأشيرة لرجال الدين، وتأشيرة للإعلاميين، وأخرى لرجال الأعمال، فأمريكا فيها متسع للجميع، وحتى الهجرة بالنقاط التي يتم إتباعها في كندا هي من الأشياء الموجودة في أمريكا ولكن لا يعلم الناس عنها شيئًا، فكثيرون لا يعلمون اسم التأشيرة التي يريدونها حتى يبحثوا عنها لدخول أمريكا من خلالها، فأمريكا فيها متسع للجميع باختلاف توجهاتهم وأعمارهم .

اندماج السيدات

* وهل وضحت في كتابك أنواع التأشيرات التي تؤهلنا للدخول إلى أمريكا؟

** بالطبع، هناك فصل كامل لأنواع التأشيرات المختلفة التي يمكن من خلالها لدخول إلى أمريكا. ولكن لي تعقيب بسيط على كلام الدكتورة هايدي، فنحن كعرب توجد عندنا مشكلة كبيرة بين أهدافنا وقيمنا، فقيمنا تختلف كل الاختلاف مع القيم الأمريكية، مما يقلل من فرص اندماجنا مع المجتمع الأمريكي.

لكنني أشيد في هذا الإطار بالسيدات العربيات، فهن أكثر سرعة في الاندماج من الرجل، فالأستاذة نشوى مدني كانت صاحبة فضل كبير علىّ، فهي التي أقنعتني أن أكمل دراستي بأمريكا، وأيضًا دكتورة هايدى أكملت دراستها رغم الصعوبات التي واجهتها، وأرى أن ذلك بسبب أن التزامات السيدات هنا أقل من الرجال، وذلك لأن الرجل هو الداعم الرئيسي لأسرته في أمريكا وفي البلد الأم، ولذلك فأنا أحيى المرأة العربية على جهودها في الاندماج في المجتمع الأمريكي.

استكمال التعليم

* سيدة نشوى مدني، من إدارة التعليم بنيويورك، هناك كثيرون يطمحون في استكمال تعليمهم هنا بأمريكا أو استغلال شهادتهم العلمية.. من خلال تجاربك وخبرتك ما هي  إمكانية استكمال التعليم هنا بأمريكا؟

** مشكلة استكمال التعليم موجودة لدى عدد كبير من أفراد الجالية العربية، وذلك بسبب الحالة الاقتصادية، فهم يحبون استغلال الوقت في العمل وإعالة الأسر، ولذلك لا يجدون وقتًا للدراسة، وأهم أسباب صعوبة الدراسة بأمريكا هي اللغة، فهناك أشخاص يأتون إلى أمريكا ومعهم لغة إنجليزية جيدة فيسهل عليهم استكمال الدراسة، بينما هناك أشخاص يأتون ولغتهم متوسطة أو منعدمة فيبدءون التعلم من المستوى الأول أو البدايات، وتكون اللغة صعبة عليهم، ويظلون يدرسونها سنوات عديدة حتى يضيع حلمهم في الدراسة.

وهناك أشخاص محظوظون، وهم من الدول التي تدعمهم في دراستهم، مثل ليبيا ودول الخليج، وهم أكثر حظًا في الدراسة، فهؤلاء الأشخاص غير محتاجين للعمل، فهم لا يدفعون أجر المسكن أو مصاريف الدراسة، ويستغلون وقتهم في الدراسة فينجحون، خاصة في دراسة الماجستير، لأن دراسة الماجستير بأمريكا غالية جدًا، فمن يحتاج لعمل ماجستير بأمريكا يجب أن يكون معه المبلغ المالي الكافي لإتمام عملية الدراسة، لأن ذلك يحتاج أبحاث وقراءات  وحضور، وهذا كله صعب.

الهجرة أم التأشيرة

* أوجه السؤال للأستاذ أسامة، أنت قدمت عن طريق أوراق اللوتارى، وهى أوراق قانونية تسمح لك بالاندماج في الحياة بسرعة بدون أية عراقيل، هل قمت باستغلال هذه الوضعية وأنت تحمل البطاقة الخضراء، ولديك إقامة هنا في أمريكا تتيح لك امتيازات؟

** في البداية أريد أن أجيب على سؤال طرحته، وهو هل الحلم الأمريكي ما زال موجودًا بالنسبة للعرب في أمريكا.. أحب أن أقول نعم هو موجود، فالأوضاع هنا مختلفة وأفضل بكثي بالطبع من الظروف والأوضاع في بلادنا العربية، فالطبيب على سبيل المثال في بلادنا لا يستطيع تحقيق ما يريده بسبب الروتين وقلة الإمكانيات، لكنه إذا أتى ليعمل بأمريكا فإنه سينجح نتيجة لتوافر الإمكانيات، والدليل على ذلك فشل علماء العرب في بلادهم ونجاحهم في الغرب نتيجة دعم الغرب لهم، ومنهم على سبيل المثال أحمد زويل وغيره.

الأمر الثاني أنا أرى أن الهجرة العشوائية أكثر أمانًا من التأشيرة، لأنها تعطى “الجرين كارد” وبعدها السيتزن، أما التأشيرة فهي تحتاج لتجديد، ويمكن عدم تجديدها. وعندما أتيت إلى أمريكا تأقلمت قليلاً، لكن كما ذكر أستاذ أحمد لم نستطع أن ننسى جذورنا المصرية وارتباطنا بأسرنا في مصر، والدليل على ذلك أنى لا استطيع أن أمكث هنا أكثر من ستة أشهر وأسافر إلى بلدي لأقضى بها ستة أشهر أو ثماني أشهر، وهذا أمر خاص بى نظرًا لارتباطي بأسرتي كثيرًا.

وكلنا نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية عبارة عن قارة، وهناك اختلاف في التوقيت والمناخ بها عن بلادنا العربية، ونظام الأكل كذلك يختلف هنا، فمعظم الأمريكيين يأكلون الطعام السريع ومن الصعب أن تجد زوجة أمريكية تطبخ لزوجها في البيت، فالكل يعتمد على طعام الشارع، وطبعًا هذا غير صحي بالمرة.

نظام غذائي مختلف

* السيدة سهام كمون المختصة في التغذية معنا مباشرة من نيويورك.. سيدة سهام ما هي نصائحك لمن يعيش هنا في أمريكا، فنحن قد اخترنا هذا البلد، وبه نظام غذائي مختلف عن بلداننا الشرقية، فما هي نصائحك حول التغذية لمستمعينا الكرام ومن هو متواجد في أمريكا أو من يرغب القدوم لأمريكا؟

** أنا عشت سنتين في نيويورك، وبحكم أنني أعيش في منطقة أكثرها عرب فقد عشت مع العرب في أمريكا وعشت مع الأمريكيين أنفسهم، وما لاحظته هنا في أمريكا أنني عندما أقول إنني أخصائية تغذية أجد ترحيبًا كبيرًا من جانب الأمريكيين، لأنهم يهتمون كثيرًا بالتغذية، ولأن في أمريكا نسبة كثيرة من الأمراض الموجودة في أمريكا تكون نتيجة سوء التغذية، وهذا يختلف عن فقر التغذية، ففقر التغذية هو أن يُحرم الناس من التغذية مثل المجاعات التي تحدث في أفريقيا أو البلدان الفقيرة، ولكن في أمريكا المشكلة هي سوء التغذية، وسوء التعامل مع الأغذية ونوعية الأكل التي تؤثر عليهم بمشاكل شخصية لأن الأشخاص في أمريكا يتناولون الطعام السريع لأن الطبخ لمدة طويلة أو القلي يؤثر سلبيًا على جودة الأكل ونوعية الأكل.

* الملاحظ أيضًا سيدة سهام الأحجام الكبيرة من “أكلات التصبيرة”، فعندما نذهب إلى السوبر ماركت نجد منها أحجام كبيرة ولا توجد أحجام صغيرة، فما هي ملاحظتك حول هذا النظام الغذائي؟

** بسبب نمط العيش السريع في أمريكا فالزوجة تعمل والزوج يعمل، والزوجة ليس عندها وقت لكي تأتي وتطبخ في البيت، وشركات الأطعمة هنا في أمريكا تعرف ذلك واستغلته بأن قدمت منتجات سريعة للناس، لأنهم يعرفون أن الناس تحتاج هذه المنتجات، ولكنها كلها مُصبّرات وكلها مواد كيميائية.

وعلب الطعام مثل الخضار المطبوخ أو غيره تفقد القيمة الغذائية إذا تم وضعها في علب لمدة يومين أو ثلاثة ، ويجب أن يتم تعليبها في ظروف معينة، ويمكن أن تؤثر هذه الظروف المعينة على الطعام بالسلب.

وعندما تؤثر سلبًا على الطعام يضطروا لإضافة أشياء أخرى للطعام حتى يحافظ على لونه وطعمه ونكهته، وهي إضافات غير صحية وضارة أكثر مما هي نافعة، لأنها تكوّن ترسبات بالجسم، وهذه الترسبات تسبب الكثير من الأمراض كالسكري وأمراض الضغط والكولسترول.

والمشكلة أننا كعرب ومهاجرين نأتي ببعض عاداتنا وتقاليدنا الغذائية من بلادنا، ولكن المشكلة هي الخطر الذي يهدد أولادنا، فهم يخرجون إلى الشارع، ويجربون ويأكلون الطعام السريع، وحتى لو افترضنا أننا في بعض الأوقات نريد أن نرتاح من الطبخ ونأكل إلى الخارج، فيجب أن نحاول الذهاب إلى الأماكن التي تقدم أكلاً صحيًا أكثر من أجل صحة أطفالنا.

اندماج الجيل الجديد

* دعونا نتطرق إلى الحديث عن كيفية التصرف مع أبنائنا هنا في أمريكا لكي نساعدهم على الاندماج مع المجتمع ونعطيهم الثقة في تحقيق مستقبل زاهر في هذا البلد الذي أحببناه وأستطاب لنا العيش فيه.

الآن دكتورة هايدي.. الجيل الجديد يختلف عن الجيل الذي هاجر لأمريكا، فكيف يمكن أن يندمج هذا الجيل الجديد في المجتمع الأمريكي، وما هي نصائحك للتعامل مع أبنائنا لتحقيق هذا الاندماج؟

** أولاً حتى يندمج أولادنا يجب أن نندمج نحن أولاً، فإذا أردنا أن نجعل أولادنا يقومون بشيء فيجب علينا أن نتكلم عنه نحن باقتناع، ولكن للأسف الشديد فإن أغلبنا يفتقد لغة الحوار الصحيحة داخل الأسرة.

ويجب أن نهتم بمشاكل أولادنا، فبعضنا يقول: كيف يكون لأولادنا مشاكل ونحن نوفر لهم كل شيء، ولكن في الحقيقة هناك مشاكل لأولادنا، ومشاكل كثيرة وكبيرة حتى بالنسبة لأعمارهم. ويجب أن نجيب على كل أسئلتهم، ولا نترك الانترنت والفيسبوك يجيبون لهم على هذه الأسئلة.

ومن المهم أن يعرف أولادنا أنه بما أننا قد أتينا بهم إلى هنا، وولدوا هنا وعاشوا هنا، فلا بد أن يندمجوا في هذا المجتمع، لكن بما يتناسب مع أفكارنا وقيمنا كعرب، ولكن يجب ألا ندعهم يكتئبوا أو يحزنوا.

وهناك الكثير من الآباء يأتون إلى ويسألون: لماذا بدأ الأولاد بالتمرد علي، وهذا بسبب أنهم أتوا بهم إلى هذا المجتمع ويريدون أن يضعوا قيودًا عليهم في الأشياء التي لا نتقبلها كعرب، ولكن يجب أن نتفاهم مع الأولاد ونسمعهم ونقنعهم بالحسنى.

فأولادنا هنا في أمريكا لا يمكن أن نجبرهم على شيء، فبعض الأولاد في البيوت العربية يهددون أهلهم بأنهم سيذهبون إلى المدرسة ويشتكوا للـsocial worker  أنهم يقوموا بأذيتهم سواء معنويًا أو ماديًا، ولا يجب أن تشعروا الأولاد بأنكم تخافون من هذا الموضوع، لأنه في بعض البيوت العربية نجد الأم تحذر الأب من أن الأولاد يمكن أن يقوموا بتقديم شكوى للمدرسة، وهذا خطأ لأنك تلفتين نظر الولد أو البنت لهذا.

كما أن الإتحاد بين الأب والأم في الأسرة مهم جدًا، وعليهما أن يضعا قواعد للأولاد حتى يسيروا عليها، وشيئًا فشيئًا سينساق الأولاد لأفكار الأب و الأم وسيسيرون على الخطة والبرنامج الذي وضعه الأب والأم لهم، لكن ليس من الجيد الضغط الكبير على الأب والأم، وعدم الاهتمام بأولادهم وانشغالهم بمشاكل الحياة، فيجب أن يعطوا لأولادهم الوقت الكافي حتى يصلوا لبر الأمان.

النجاح التعليمي

* أنتقل إلى السيدة نشوى مدني، وهي من إدارة التعليم بنيويورك، سيدة نشوى، ما هي نصائحك لمستمعينا الكرام حتى نضمن نجاح أبنائنا في التعليم؟

** بالنسبة للطلاب الذين يأتون في أعمار المراهقة أو أكبر بقليل تكون عندهم المشاكل التعليمية لديهم أقل من الأعمار الصغيرة، فالأعمار الصغيرة تندمج في المجتمع بسهولة أكثر، وتتقبل العادات والتقاليد أسرع، أما الشباب وهم بعمر الـ18 أو أكثر فيكون نجاحهم التعليمي أكثر من الطلاب الذين ولدوا هنا، بسبب أن مستوى التعليم في الدول العربية أقوى من مستوى التعليم في أمريكا.

فكثير من الطلاب الذين أتوا وهم كبار ودرسوا في بلدان عربية وأكملوا هنا حققوا نجاحًا باهرًا، ومنهم طلاب سجلوا معي، وعندما تخرجوا عملوا في أماكن مرموقة بجد واجتهاد، وأحب أن ألفت النظر إلى أن بلدان مثل دول الخليج العربي يأخذون التعليم بشكل أهدأ، أما بلدان مثل الجزائر ومصر واليمن فقد حققوا نجاحات، ولكل مجتهد نصيب.

وهنا توجد فرص كثيرة للعمل وإثبات الذات، والذي سينجح هو الشخص الذي سيأتي وعنده حماس وإرادة أنه سيدرس ويكمل تعليمه، ولا يضيع وقته في الأشياء الخاطئة والتافهة، ولا يأخذ السلبيات من المجتمع الأمريكي، ولا يضيع كل نهاية أسبوع في السهر مع الأصدقاء، ويستثمر وقته بشكل صحيح.

* سيدة نشوى، هناك معلومة تقول أن نسبة كبيرة من الجالية العربية تحصل على شهادات علمية قيمة في التكريم في آخر السنة؟.

** هذا صحيح، لذلك أقول أن التعليم في بلداننا العربية أقوى بكثير من هنا، وأسلوب التعليم نفسه أفضل، أيضًا رخصة القيادة هنا أسهل، فيكفي أن تجيب على 10 أسئلة من أصل 100 سؤال.

صعوبات الهجرة

* أتوجه للصحفي والإعلامي أحمد مراد، هب تجد أن كتابك الذي أصدرته مهم للمواطن الذي يهاجر إلى أمريكا للحصول على الجنسية الأمريكية؟

** أرى أنه إذا كان الحصول على الجنسية الأمريكية للقادرين عليها في الماضي سنة، فهي الآن فرض، خصوصًا بعد قرارات ترامب المستفزة جدًا بشأن الهجرة، وهناك فصل كامل في كتابي اسمه تأثير ترامب على قوانين الهجرة، فأي شيء في الهجرة سيكون اليوم أفضل من غدًا، واليوم سيكون أسوأ من البارحة.

فهل تعلم أنه إذا حصلت لك مشكلة وقام البوليس بالقبض عليك، فعندما تريد أن تقدم مرة أخرى يجب أن يكون قد مر عليك خمس سنوات تدفع الضرائب بشكل منتظم، وأن يكون ليس لك أي مشاكل مع الشرطة، وإذا حصلت مشكلة مع الشرطة لا قدر الله يجب أن تنتظر خمس سنوات أخرى، لذلك من المهم جدا في بداية وجودك في أمريكا ألا تقوم بأي شيء غير قانوني، وتكون حريصًا على إتباع النظام، حتى لا يكون عندك أي مشاكل.

أنا أريد فقط أن أعقب على شيء بسيط قالته دكتورة هايدي أنه حتى يندمج أولادنا يجب أن نندمج نحن أولاً، فقد حصل لي موقف أن ابني الصغير سألني هل بابا نويل حقيقي أم لا؟، فقلت له بابا نويل ليس حقيقيًا، فقال لي: ولكني سألت مُدرستي وقالت لي إنه حقيقة، ولكنه لا يأتي لنا لأننا عرب. وقد تأثرت كثيرًا من هذا الموقف.

لذلك أقول أنه يجب أن يكون هناك قرب بين البيت والمدرسة، ويجب أن نحضر اجتماعات أولياء الأمور، ونرى ماذا يقولون، ونناقش الطفل في أفكاره، ونناقش المدرسين في الأفكار التي يضعونها  عقل الأولاد، لأننا هكذا ننعزل عن أولادنا، ولا نعرف ما هي أفكارهم حتى نصححها.

* سؤالي الختامي سيكون للصديق أسامة، الذي يزورنا هنا في راديو صوت العرب من أمريكا، معك الآن الجرين كارد، وهي لا تخولك للانتخاب وممارسة بعض الأنشطة السياسية، فعندما تحصل على الجنسية الأمريكية هل ستساهم وتنتخب؟

** بالتأكيد طبعًا يجب أن أساهم وأنتخب، لأن هنا النظام الديمقراطي من أحسن الأنظمة الديمقراطية في العالم، وبالنسبة لانتخابات الكونجرس يكون هناك أثنين من كل ولاية، فلك أن تتخيل أن الولاية تعدادها أكثر من 6 أو 8 مليون، وأثنين فقط ينجحان. فيجب أن يكون صوتك مؤثر بأن تختار الأصلح والأحسن لخدمة منطقتك، وتتأكد من ذلك سواء من خلال البرنامج الانتخابي التابع له، أو تذهب وترى ماذا الذي سيقدمه.

شيء أخير أود أن أعلق عليه، فقد تكلمت دكتورة هايدي عن كيفية تربية الأبناء فأرى من وجهه نظري أن المسئولية أساسًا تقع على الأب والأم، بمعنى أنهم يعلمونه كيف يعيش الابن في المجتمع الأمريكي ويأخذ الإيجابيات ويترك السلبيات، ويأخذ من الأمريكيين الإتقان في العمل والضمير في العمل، وأنه ليس هناك فساد أو سرقة، ونبعد عن بعض الأشياء الأخرى، وهذا يرجع إلى الأب تحديدًا. كما أننا نسينا الحديث عن الأديان، فبالنسبة لنا كمسلمين هناك البعض من الدول العربية المسلمة لا يصلون أصلاً، فالله موجود في كل مكان، وليس لأنك في الولايات المتحدة الأمريكية تتخلى عن دينك.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى