الراديو

كارثة تعليمية جديدة في انتظار اللاجئين السوريين

د. ناهد غزول تدعو للمساهمة في مبادرة "مدرستي حياتي" لمساعدة الطلاب المحتاجين

أجرى اللقاء: ليلى الحسيني- أعده للنشر: هارون محمد

هل أصبحنا أمام كارثة إنسانية تعليمية أخرى للاجئين السوريين؟، سؤال طرحته الدكتورة ناهد غزول الأستاذ المساعد بجامعة الزيتونة بالأردن، عن الوضع التعليمي للاجئين السوريين في المدارس والجامعات، خاصة بعد أن توقفت منحة الاتحاد الأوروبي الجامعية، ولم يتم توفير الأدوات والوسائل التعليمية التقليدية للطلبة السوريين في المدارس، كالكتب، والدفاتر، والأقلام، والحقائب، والزي المدرسي.

ولأن أغلب اللاجئين لا يعملون ولا يتوفر لهم دخل مادي فهذا يعني حرمان أولادهم من الالتحاق بالتعليم الأساسي، لعجزهم عن توفير مستلزمات التعليم الخاصة بهم، في حين تشدد الإدارة المدرسية على الطلبة بأن يلتزموا بارتداء الزي المدرسي وإحضار الحقائب والكتب.

للمساهمة في حل هذه المشكلة وجهت الدكتورة ناهد غزول نداءً إلى الجمعيات العاملة في مجال الإغاثة وإلى الجالية العربية بأمريكا للمساهمة في مبادرة “مدرستي حياتي” التي تسعى من خلالها إلى مساعدة الطلاب المحتاجين، من خلال جمع ما هو متوفر من أعوام سابقة من دفاتر بها أوراق بيضاء، وحقائب، وأقلام، وكتب، وزي مدرسي مستخدم ولكنه لا يزال بحالة جيدة ولم يعد أولادنا بحاجته، لنعين به طالبًا محتاجًا ليعود إلى مدرسته.

للحديث عن هذه المبادرة استضافت الإعلامية ليلى الحسيني الدكتورة ناهد غزول، عبر أثير راديو “صوت العرب من أميركا”.

توقف الدعم

* دكتورة، هل يمكن أن توضحي لنا لماذا تفاقمت المشكلة هذا العام؟

** المشكلة أننا فوجئنا بأن الجهة الداعمة لمبادرة “تعليم السوريين” توقفت عن تزويد بعض الطلبة، وليس جميعهم، بالأدوات والمستلزمات الدراسية، وقد تواصلت مع بعض الأهالي، وجدت أن بعض أبناءهم في الصف العاشر أو الحادي عشر تم تزويدهم بالكتب والزي والدفاتر، ولكن الأولاد في السنوات الأولى من الفصل الأول حتى الثامن أو التاسع لم يحصلوا على شيء، وفي أماكن أخرى لم يحصل جميع الطلاب على أي شيء.

* وأين هذه الأماكن التي يوجد بها طلاب لم يحصلوا على أي مستلزمات مدرسية؟

** بمختلف أنحاء العاصمة الأردنية عمّان، وفي منطقتي المفرق وإربد. ومعظم الذين تواصلوا معي هم في مختلف الأماكن بمدينة عمّان، ونحن هنا نتحدث عن العاصمة والتي من المفترض أن تكون فيها الخدمات التعليمية أفضل من كل النواحي، حتى من حيث نوعية المدرسين والقاعات الصفية، ومع ذلك لم يحصل هؤلاء الطلاب على شيء.

وبالنسبة للمدرسة فهي على حق في طلبها بالتزام الطلاب، فلا يمكن للطالب أن يأتي إلى المدرسة بدون كتاب، أو يأتي إلى الصف بدون دفاتر، أو حتى حقيبة، أو عدم ارتداء الزي المدرسي بعد مضي أسبوع على بدء الدوام.

أما بالنسبة للأهالي فهم في ضائقة مالية لا يُحسدون عليها، فقد تم تخفيض تصاريح العمل للسوريين، والكثير منهم لا يعملون إلا بشكل مؤقت، ثم ينتقلون من عمل إلى آخر، وبأجور تغطي بالكاد نفقات المنزل وفاتورة الكهرباء والماء.

وتوقفت المفوضية عن إعطاء الكوبونات الغذائية لأكثر من 50 بالمائة من اللاجئين السوريين، ومن يملك الكوبون الغذائي يقوم ببيعه بمجمله أو أغلبيته من أجل أن يوفر لولد واحد من أولاده متطلبات العملية التعليمية، ودائما يختارون الطفل الأكبر سنًا.

غياب المبادرة والضمير

* من المؤسف جدا أن يُحرَم طفل من مدرسته بسبب عد امتلاكه لدفتر أو قلم أو زي مدرسي، لكن ما الحل؟.

** لدي معلومات وثيقة أن المفوضية تحصل على دعم يصل أحيانًا إلى مئات الملايين، وأتساءل: لماذا لا يتم تسخير جزء من مبالغ المفوضية أو حتى اليونيسف من أجل التعليم؟، ولماذا يتم تمويل الحروب خاصة في الدول العربية ولا يتم تمويل التعليم؟.

ولماذا نسعى نحن وراء المبادرات الأوروبية والأميركية وغيرها، ولا نجد في الوطن العربي مبادرة تعليمية ولا أي دعم للتعليم؟، لماذا؟، فالمنح دراسية المتوفرة تعتبر ضئيلة جدًا أمام الأعداد التي قد تفوق 80 ألف طالب ينتظرون أن يلتحقوا بالجامعة.

* دكتورة، كونك مطلعة على الكثير من الملفات الإنسانية، أين الضمير الإنساني مما يجري في العراق أو في سوريا أو اليمن؟

** للأسف الضمير غائب، لكن يبقى السؤال، هل الضمير العربي غائب وجوبًا أم جوازا؟. فنحن في العالم العربي للأسف قتلنا الجهل وحب السلطة، فمن يتمسك بالسلطة مستعد لأن يبيد البشر والحجر من أجل البقاء في منصبه، وتستفيد الدول الغربية من اختلاف الشعوب وتناحرها وتفرقها ومن ثرواتها، وفي النهاية نجد إسرائيل هي المستفيدة في المنطقة، بسبب الجهل العربي، وفيما يتطور العالم بسبب العلم والتكنولوجيا، لا يجد أطفالنا أدوات مدرسية ليكملوا تعليمهم.

منظومة خاطئة

* من المحزن بالطبع أن نبحث عن كتب وقرطاسية لطلبة جيل بأكمله، فهناك أكثر من 5 مليون طفل سوري خارج المنظومة التعليمية، فماذا سينتج هذا الجيل غير العنف والجهل، والانضمام إلى الفئات الظلامية التي تشوه صورتنا في العالم؟

** أحب أن أنوه إلى أنه ليس كل طلابنا الموجودين على مقاعد الدراسة حاليًا قادرين على القراءة، فهناك مثلا طالب في الصف السادس لا يجيد القراءة، وأنا هنا أتساءل: لماذا يتم افتتاح مدارس من الساعة الثالثة إلى الساعة السادسة؟، ماذا سيتعلم الطالب التوجيهي في 3 ساعات؟، بينما المدرسة النظامية يبلغ عدد حصصها 7-8 حصة دراسية، فالطالب السوري لا يأخذ نصف الحصة التعليمية.

وبسبب عدم وجود تمويل مالي لدفع رواتب المدرسين يتم تعين مدرس أردني هو في الأصل يقوم بالتدريس منذ الصباح، ولذلك يكون مرهقًا، كما لا يوجد تمويل مالي لافتتاح مدارس خاصة بالسوريين، وذلك رغم علمي بوجود هذا التمويل، ولكن هل توقف؟ وللأسف هذا السؤال لا أستطيع الإجابة عليه.

في النهاية نجد أن الطالب يحصل على الكفاف، والكثير من أهالي الطلبة يخبروني بأن أبناءهم في الصف السادس، ولا يستطيعون القراءة على الإطلاق، وهذا شيء مخيف جدًا، لأننا إن لم نعلم هذا الجيل فسوف نفقده ولن يعود غلينا مجددًا، وسيسألنا لماذا سأعود وأنا لا أملك العلم ولا الحرفة ولا المال، ولا أملك أي عامل من عوامل الأمان؟، فإن أردنا منه نحن العودة فلابد أن نوفر له بيئة علمية أمنة، وهذا ما نفتقده.

طرق الحل

* من نخاطب هنا، إذا كان هناك غياب لأي دور أممي في مسألة سوريا، فقد توقفت عن دعم الاحتياجات الأساسية للاجئين، وكذلك لم تعد كوبونات الغذاء متوفرة للكثير من العائلات، ولا نستطيع أن نطالب الجمعيات الإغاثية والأفراد لحل المشكلة بشكل منفرد، فأزمة سوريا هي أزمة القرن. وللأسف كل بلد في الوطن العربي مشغول بمشاكله. فماذا يمكن أن نقدم لدعم مبادرتك والمساهمة ولو بإرجاع طفل واحد إلى مقاعد الدراسة؟

** أرى حل المشكلة بطريقين، الأول طريق دولي، من خلال تفعيل دور الأمم المتحدة  التي أرى أنها نائمة وغير متحدة، فعلى الأقل يجب أن يكون لها دور في الشأن الطبي والتعليمي، خاصة بعد فشلها في إيقاف الحروب بمناطق النزاع.

والطريق الثاني هو دور المجتمع المدني، من خلال توفير الدعم المالي والجهات التي تساعد فعلاً في الإغاثة والمساعدة في المجالين التعليمي والصحي. ونحن نناشد المنظمات سواء في أميركا أو في الدول العربية أن تساهم فيفي توفير القرطاسية والزي المدرسي للطلاب المحتاجين.

مبادرة للإنقاذ

* لو أردت أن أطلق مبادرة بالتعاون مع منظمتين أثق فيهما كمؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية ومؤسسة رحمة للإغاثة، كم يكلف عودة الطفل إلى مدرسته؟

** في حدود 70 دولارًا.

* 70 دولارًا فقط نستطيع بها أن نؤمن عودة أحد الطلبة إلى مقاعد الدراسة؟.

** هذا معدل ما بين الابتدائي والثانوي؛ فنظرًا لاختلاف سعر الكتب والدفاتر نأخذ المرحلة المتوسطة والتي يحتاج الطالب فيها لما يعادل 70 دولارًا لتوفير الكتب والدفاتر والحقيبة والزي، وعند شرائي كمية أستطيع أن أخذ خصومات على هذه المستلزمات.

* هل يمكن أن تكون هذه المبادرة بالتعاون معكِ، فأنتِ تتمتعين بمصداقية كبيرة على مستوى الأردن والعالم العربي، وتقدمين خدمة بلا مقابل من أجل أن الحفاظ على هذا الجيل.

** على الرحب والسعة، فنحن نتعاون جميعً من أجل هذه المهمة الإنسانية.

التعليم والمستقبل

* ولكن هل يمكن أن يعي العالم هذه المصيبة الكبرى التي ستلحق بأكثر من 5 ملايين طفل سوري خارج منظومة التعليم، صحيح أن الأكل والشرب مهم، ولكن التعليم أيضًا مهم جدًا، ويجب ألا نغفل عنه لأنه مستقبل جيل بأكمله.

** صحيح، فمثلا الطبيب في أميركا ربما يكون دخله الشهري يعادل راتب عشر سنوات أو عشرين سنة لعامل مهنة أخرى، فالتعليم يساعد الإنسان على أن يشتري الدواء والغذاء، وأن يؤمن لأسرته المأوى الذي يناسب مع دخله الشهري. فنحن نولد المعرفة من أجل بناء الأمم وتوفير الحياة الكريمة للإنسان، وأنا أعي هذه الكلمات فالعلم هو الذي يولد كل شيء.

ولكن عندما أجد أن هناك طالب توجيهي لا يستطيع أن يفرق بين حرفي الضاد والظاء ويقول بأنه نجح وتخرج، فيجب أن أخشى على هذا الجيل، ومن أن يستغل المتطرفون هذا الفراغ العلمي بزرع أفكار تودي بنا جميعا إلى الهاوية. فنحن عندما نحصن الشاب بالعلم سيكون من الصعب النيل منهم.

والأهل هنا لهم دور مهم لتعويض العجز الذي قد يكون بالمدارس، فالطالب الذي لا يستطيع القراءة وهو بالصف السادس يعتبر أميّ وليس متعلم، فنحن لا نريد توليد هذا الجيل. ففي عام 2000 كانت سوريا بلد علم، وكانت مرمريتا بالتحديد أول قرية في العالم لا يوجد فيها أي أميّ. ونحن الآن نعود 20 أو 30 سنة إلى الوراء، وبأرقام مخيفة من الأميين تصل إلى الملايين، وعلى الأقل علينا أن نحاول من خلال هذه المبادرة أن نتدارك الأمر ونهيئ متطلبات العملية التعليمية للطلاب.

نداء إنساني

* كم عدد الطلبة الذين يحتاجون المساعدة للعودة إلى مقاعد الدراسة تقريبًا؟

** في الأردن يوجد حوالي أكثر من 10 آلاف طالب، والآن أخبرتنا منظمة “إسلامك ريليف” في عمّان أنها تتوقع أن يصلها 10 آلاف حقيبة ربما يكون فيها بعض القرطاسية، والتي يتم إرسالها عن طريق البحر للفلسطينيين.

وأنا كسورية لا أفرق بين فلسطيني أو سوري أو عراقي أو يمني، ولكني أحاول أن أخصص المسألة لأكون فعالة أكثر، فسوف نحاول توزيعها على المخيمات العشوائية وبقية المخيمات مثل الزعتري والأزرق والركبان، وغيرها من المخيمات المتواجدة في الأطراف، ومن ثم سنتوجه إلى المدن، فإن استطعت أن تقدم مساعدة لمائة طالب فهذا عدد جيد، ومن ثم شخص آخر سيقدم الدعم لمائة طالب، وبالتالي سنستطيع أن نؤمن الدعم لمائتي طالب ونساعدهم في العودة إلى المدرسة.

* أضم صوتي إلى صوتِك، وإن شاء الله سأعمل على هذه المبادرة مع المنظمات الإغاثية، وأتوجه للنداء لمؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية، ومؤسسة رحمة للإغاثة تحديدًا، ليكون لهم دور في هذا الموضوع، وأيضًا لا أنسى أن أوجه هذا النداء للمساهمة في مبادرة “مدرستي حياتي” إلى جاليتي الحبيبة التي تستمع إليَّ، وأشكر الجالية الطيبة والخيّرة والتي أرى أنها إن شاء الله ستتفاعل مع هذه المبادرة، وأشكرك دكتورة ناهد على الجهد المبذول والتركيز بشكل خاص على موضوع التعليم.

للمتابعة عبر اليوتيوب :

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وللمتابعة عبر الساوند كلاود :

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى