الراديو

شاهد عيان على محبة وتآخي المسلمين والمسيحيين في أعياد الميلاد

جهاد خير: لا فرق بين مسيحي ومسلم في بيت ساحور وفي كل فلسطين

الجانب الإسرائيلي يعتدي علينا ويهدم بيوتنا كما يفعل مع المسلمين

نرفض سعي إسرائيل لتفريغ الأرض من المسيحيين لتحويل الصراع إلى صراع ديني

نقول لكل العالم: لن تكون هناك دولة في غزة، ولن تكون هناك دولة بدون غزة

أجرى الحوار: سامح الهادي ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

على بُعد كيلو متر واحد من مدينة بيت لحم، مهد السيد المسيح عليه السلام، تقع بلدة بيت ساحور، وهي بلدة فلسطينية صغيرة تضرب أروع الأمثلة في تحقيق اللُحمة والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، في مشهد إنساني يستحق أن نلقي الضوء عليه بمناسبة أعياد الميلاد وقرب حلول عام جديد.

في هذا الإطار حَظِي راديو صوت العرب من أمريكا، بمقابلة حصرية، أجراها الإعلامي “سامح الهادي”، مع رئيس بلدية بيت ساحور “جهاد خير”، في أول زيارة له إلى الولايات المتحدة.

لقاء هام ومميز يُلقي الضوء على التعامل الإنساني الرائع بين المسلمين والمسيحيين، ووحدة العيش والمصير المشترك، وطقوس احتفالات عيد الميلاد في منطقة مهد السيد المسيح في كل من بيت لحم والقدس وبيت ساحور وبيت جالا.

كما تناول اللقاء أهمية التناغم والانسجام بين مكونات السكان المحليين في بيت ساحور، وتطرق لعدة محاور، منها أهداف زيارة السيد “جهاد خير” لأمريكا، وتجربته في تطبيق نظام الإدارة الرشيدة في بيت ساحور، وموقع البلدة على الخارطة السياحية والاقتصادية الفلسطينية.

كما ناقش اللقاء دور الجالية العربية بأمريكا في دعم صمود المدينة وتطورها، وفي هذا الإطار قام السيد “علاء أبو رحمة “، المدير الإداري لمنظمة الحياة للإغاثة والتنمية، بإلقاء الضوء على بعض المشاريع التنموية التي تنفذها المنظمة في بلدية ساحور، والتي تم الاتفاق عليها بالشراكة مع مجلس البلدية.

بطاقة تعريف

* في البداية نرحب بضيفنا العزيز، وللتعريف به وإن كان غنيًا عن التعريف، فهو السيد “جهاد خير”، وهو حاصل على درجة الماجستير مرتين، الأولى من جامعة القدس في تخصص الإدارة والسياسات الصحية، والثانية من جامعة جلاسكو في اسكتلندا في تخصص التخطيط الاستراتيجي وإدارة الجودة.

عمله كرئيس لبلدية بيت ساحور قائم على التواصل الاجتماعي والمباشر مع سكان المدينة، محاولًا وضع تجربة في الإدارة تضفي على هذه المدينة الكثير من التميز.

وسيحدثنا السيد جهاد في هذا اللقاء عن مجموعة من المحاور التي سنكتشف من خلالها كيف يمكن أن نقدم نموذجًا في الإدارة يتسم بتخطي المعاناة، في ظل الوضع الذي تعيشه فلسطين. والآن دعونا نعطي لضيفنا الفرصة ليقدم نفسه لنا بشكل كامل.

** في البداية؛ أنا قبل أن أكون رئيس بلدية، أنا مواطن فلسطيني عربي من مدينة بيت ساحور بمحافظة بيت لحم، استلمت رئاسة بلدية بيت ساحور بتاريخ 1/6/2017م، أي قبل أكثر من سنتين، ومنذ استلامي للمجلس البلدي في هذه المدينة التاريخية والسياحية والدينية العريقة وأنا أحاول أن أقدم كل ما أستطيع من عمل وانتماء لهذه المدينة التي تستحق منا كل الخير.

لذا فقد عملت على خطة تنموية إستراتيجية، مقسمة إلى 4 محاور أساسية، من أجل أن تكون بيت ساحور مدينة جذب سياحي لكل الزائرين من جميع أنحاء العالم.

وكما تفضلت حضرتك فأنا حاصل على درجة الماجستير، وكنت أستعد للبدء في دراسة درجة الدكتوراه، ولكن جاء النصيب بأن أكون في منصب رئيس لبلدية بيت ساحور، فاضطررت للتفرغ لخدمة أهلنا في المدينة.

مكانة جغرافية مميزة

* مدينة بيت ساحور هي مدينة ذات طابع خاص، فهي قريبة من بيت لحم، وكلنا يعلم المكانة الدينية العظيمة لبيت لحم، هل ترى أن هذا القرب مفيد كقرب نجم صغير من نجم أكبر؟، أم أنه مضر كون بيت لحم تستحوذ على كل الاهتمام؟

** مدينة بيت لحم هي مركز المحافظة، وهى الأساس، ولكن مدينة بيت ساحور هي جزء من محافظة بيت لحم، وهى الأقرب لمدينة بيت لحم التي هي مهد المسيح، وبها كنيسة المهد، ولكن مدينة بيت ساحور هي مدينة حقل الرعاة ومدينة البشارة أيضًا، فهي التي حملت بشارة الملاك عندما بشر الرعاة بميلاد السيد المسيح.

وقد وُلِدَ المسيح بمدينة بيت لحم، وهى تبعد عن بيت ساحور مسافة أقل من كيلو متر واحد، وأنا أرى أن التقارب بين المدينتين هو تقارب تكاملي، كما أنه نقطة قوة للجذب السياحي لبيت ساحور، وتقريبًا 95% ممن يزورون كنيسة المهد يأتون لزيارة كنيسة حقل الرعاة في مدينة بيت ساحور.

التركيبة السكانية

* بما أننا اقتربنا في  حديثنا من الإحصائيات، دعني أستعرض معك بعض الأرقام التي زودتنا بها مصادرنا، ففي آخر تعداد سكاني لعام 2010 كان عدد السكان 15 ألف نسمة، حدثنا عن بُعد هذا الرقم من حيث التركيبة السكانية وعلاقة الإثنيات وأداؤها في التكامل، فلسنا في مجتمع مثالي في كل الأحوال.

** مدينة بيت ساحور حجمها صغير، ولكن مكانتها كبيرة، وبأهلها أكبر، فمساحتها داخل المخطط الهيكلي للمدينة 5200 دونم، أما مساحتها الحقيقية فهي 8500 دونم، بالإضافة إلى مساحات من الأراضي في المنطقة “ج”، فكما تعرف فإن اتفاقية أوسلو قد قسمت المناطق الفلسطينية إلى “أ” و”ب” و”ج”، وتقريبا 2500 دونم من بيت ساحور تقع في المنطقة “ج” والسلطات الإسرائيلية تضع يدها عليها.

بالنسبة للتعداد السكاني 15 ألف نسمة، وهم مقسمون إلى مجموعة من الحمائل والعشائر، العائلات الأساسية هي 4 حمائل رئيسية في الجانب المسيحي، وهى القزحة والمراجدة والمصالحة والجرايسة، واثنتان في الجانب الإسلامي، وهى عائلة جبران وعائلة الشعبات، وأيضا يوجد مجموعة من النازحين الفلسطينيين الذي نزحوا من مناطق أخرى، وهم جزء لا يتجزأ من أهل مدينة بيت ساحور، لأنه في ظل وجود الاحتلال فإننا جميعًا نعتبر لاجئين.

علاقة تآخي ومحبة

* حدثنا قليلًا عن العلاقة بين هذه التركيبة السكانية في ظل الضغط الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية، كيف هو شكل العلاقة فيما بينهم؟، وكيف هي العلاقة مع مجلس المدينة؟

** في البداية، لا فرق بين مسيحي ومسلم في الأراضي الفلسطينية، والشعب الفلسطيني هو شعب نموذجي في التآخي بين كل الطوائف، ومدينة بيت ساحور هي مدينة نموذجية، لأن العلاقة بين مسلميها ومسيحييها، وإن كانت الأغلبية فيها هم من الجانب المسيحي حوالي 80%، إلا أنها علاقة تآخى وتعايش على مستوى عالي جدًا.

من الناحية الاجتماعية هناك تعايش كامل في الأفراح والأحزان، وفي النضال السياسي قدمنا جميعًا الشهداء، حتى على مستوى المجلس البلدي هناك 3 أعضاء مسلمين من أصل 12 عضوًا، نضع خططنا الإستراتيجية معًا، فلا فرق في مدينة بيت ساحور بين الجمعية الأرثوذكسية المسيحية، والنادي المسيحي، والجمعية الخيرية الإسلامية.

تفرقة خبيثة

* ألا تميز إسرائيل في التعامل بين المسلمين والمسيحيين؟

** إسرائيل تحاول أن تضع فارق بين الطرفين، وتحاول زرع الفتنة، من خلال الجواسيس والعملاء، وهناك بعض النفوس المريضة التي تحاول شق الصف، لكن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أكبر من كل هذه الفتن، واليوم يقدم الشعب الفلسطيني الشهداء من المسلمين والمسيحيين من أجل نيل حريته وتحقيق المصير.

ونحن نقول لإسرائيل ولكل من يحاول زرع الفتنة، إن المسيحيين هم أساس الوجود في أرض فلسطين، وهم فسيفساء الشعب الفلسطيني، ولكن أيضًا المسلمون هم قوة وحاضنة الشعب الفلسطيني، لأن عدد المسلمين أكبر من المسيحيين في فلسطين، وإن كان عدد المسيحيين أكبر في بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا، وهذه المدن الثلاث هي بوابة فلسطين السياحية إلى العالم.

عنف وهدم

* أستكشف من خلال حديثك أنكم تتبعون مبدأ قريب إلى حد كبير من الحكم الرشيد في الإدارة، وهذا يأخذني إلى كيفية تعامل السلطات الإسرائيلية معكم، هل يقدمون الخدمات إليكم، أم يعرقلون مساعيكم، أم ماذا؟

** للأسف فإن الجانب الإسرائيلي يدعي أحيانًا أنه يقدم تسهيلات للشعب الفلسطيني ويسمح للهيئات المحلية بالبناء في المناطق “ج”، ولكن في الحقيقة لا توجد تسهيلات، بل توجد ممارسة للعنف، وتوجد ضغوطات هائلة على الفلسطينيين، وهذا يتمثل بوضوح في الحصار الاقتصادي والأزمة المالية، والهمجية في هدم المنازل الفلسطينية في مختلف المناطق.

الجانب الإسرائيلي لا يفرق بين مسلم أو مسيحي عند القيام بأعمال الهدم والعنف، فمثلًا قبل حوالي شهر تم هدم بيوت مسلمين في وادي الحمص، وقبل أسبوعين تم هدم مطعم سياحي لمواطن مسيحي في بيت جالا.

فعمليات الهدم لا تفرق بين الاثنين، ومنتشرة في كل المدن والبلدات، حتى نحن في مجلس مدينة بيت ساحور قبل 3 سنوات كنا قد أقمنا “مسلخ” في المدينة بتكلفة 250 ألف دولار لتنظيم عمل المسالخ، فقامت السلطات الإسرائيلية بهدمه.

رد الفعل

* عندما تقع مثل هذه الحوادث التي تشتبك فيها إرادة الإدارة التي تقوم بالإشراف على الأرض مع مخرجات التنمية التي تبذل فيها الإدارة المحلية والسكان الكثير من الجهد، كيف تتصرفون؟، وما هو رد فعلكم؟

** أولًا نحاول أن نحمي هذه الأراضي من خلال إحياء البنية التحتية الموجودة فيها، وحاليًا بمجلسنا الحالي في بيت ساحور نحاول عمل مخطط هيكلي جديد على مساحة 5200 دونم، ونسعى إلى توسعته إلى 8000 أو 8500 دونم، عبر ضم مناطق “ج” إلى المخطط، والمصادقة على هذا المخطط من هيئة التنظيم الأعلى ووزارة الحكم المحلي.

وذلك حتى نستطيع إحياء البنية التحتية وشق الطرق وتأهيلها وزرع أعمدة إنارة وتوصيل شبكات مياه وصرف صحي، حتى يمكن استغلال هذه الأراضي وتوسع أهل المدينة فيها.

وفي نفس الوقت نحاول أن نتواصل مع الجانب الإسرائيلي من خلال القيادة الفلسطينية ووزارة الشئون المدنية كي نصرف ملايين الدولارات لإتمام هذه الأعمال.

مصادر الدخل

* إذن تبحثون عن توسعة للمدينة، مع الاستفادة من القرب الجغرافي من مدينة بيت لحم، لكن ما هي مصادر الدخل التي تخولكم لتنفيذ هذا التخطيط الذي يمكن وصفه بالمتحمس لهذه المدينة؟

** هناك عدة مصادر للدخل لما يخص الهيئات المحلية بشكل عام، وليس فقط بلدية بيت ساحور، أولًا هناك التمويل المركزي، وهى التحويلات المالية التي تأتي من وزارة المالية، وهى تأتي من الضرائب التي يدفعها المواطن في بيت ساحور، وهى تشكل الكم الأكبر من صندوق البلدية لدينا.

أيضا هناك تراخيص الأبنية وتراخيص المحلات التجارية الجديدة، إلى جانب العقارات التي تستثمر فيها البلدية لخدمة المجتمع المدني وتحقيق مبدأ التنمية المستدامة، وهذا لا يتعارض مع سلطة البلدية التنظيمية،

ويحدث ذلك في ظل وجود شح في الموارد المالية والحصار الاقتصادي الخانق، لذا كان يجب أن نخرج من عنق الزجاجة وأن نفكر خارج الصندوق، من خلال الشراكة مع القطاع الخاص لخلق الفرص البديلة لتنشيط الاقتصاد وخلق فرص العمل.

مقارنة تاريخية

* نعود بالتاريخ قديمًا بعض الشيء، في عام 1942م دخلت مدينة بيت ساحور تحت الإشراف الأردني، وكانت سلطة الإدارة هناك خاضعة للسلطات الأردنية، وإذا قارنتم الوضع تاريخيًا، وأعرف أن هذه الحقبة ربما نُقلت لكم عبر الوثائق والكتب، من ناحية الإدارة ومعطياتها بما هو حاليًا، كيف ترون هذه المقارنة؟

** أكيد لا توجد مقارنة، فالأردن وفلسطين هم شعب واحد، والأردن بالنسبة لفلسطين هي الرئة الشرقية التي نتنفس منها، فعلى سبيل المثال أنا كرئيس بلدية ممنوع من الخروج من فلسطين عن طريق المطار في القدس، فأنا أنطلق إلى دول العالم من خلال الأردن، فالأردن يشكل منفذ الخروج لفلسطيني الضفة الغربية.

ونحن والأردن تاريخيًا شعب واحد، ومن فرقنا وقسمنا هو الاحتلال، كلنا شعب عربي واحد، وبلاد الشام كانت جميعها دولة واحدة، وخريطة فلسطين الجغرافية معروفة للجميع، ولكن للأسف حوّلتها إسرائيل إلى كونتنات متفرقة بسبب جدار الفصل العنصري، وما نتمناه اليوم هو أن نتحرر مثلنا مثل كل شعوب العالم التي تحررت.

التعامل مع النقد

* سيد “جهاد”؛ أنت حاليًا كرئيس للبلدية تتواصل مع المواطنين والزائرين، صحيح أننا لا يمكن أن نصل إلى مستوى المدينة الفاضلة، فلن يرضى عنك الكل مهما فعلت، فكيف تتعامل مع النقد إذا ما وصل إليك؟

** بشكل عام إرضاء الناس غاية لا تُدرك، ولكن ما يجب أن يبحث عنه المسؤول دائمًا هو إرضاء الله أولًا، وضميره ثانيًا، فنحن نعمل ومن يعمل يُخطئ، ولكن هناك فرق بين الخطأ المقصود والخطأ غير المقصود الناتج عن العمل، فكلنا بشر وكلنا خطاءون.

وبالتأكيد عندما يكون النقد بناء فإنني أتقبله، والدليل على ذلك أننا خلال إعداد الخطة التنموية الإستراتيجية للمدينة أشركنا معنا أكثر 85 كفاءة من المجتمع المحلي، وكانوا مساهمين معنا في إعدادها.

وحاليًا نعمل على المخطط الهيكلي لتوسيع حدود المدينة، وشاركنا فيه أيضًا كفاءات من مدينة بيت ساحور من مختلف المجالات، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أننا نشرك مجتمعنا المحلي، ونقبل نقده ونقاشه ونأخذه في الاعتبار.

وفي النهاية نحن نتعلم دائمًا، وأنا أتعلم من أخطاء غيري ممن سبقوني، ومن بعدي سيأتي رئيس بلدية ومجلس بلدي يغطي الاحتياجات التي لم أغطها خلال فترة رئاستي.

تواصل رقمي

* حدثنا عن كيفية التواصل بين مجلس بلدية مدينة بيت ساحور والمواطنين في هذا العصر الرقمي الحديث؟، وهل لكم من يتابع في البلدية ماذا يُكتب عنكم على الانترنت، خصوصًا من فئة الشباب؟

** أولًا؛ الميزانية المقررة للبلدية معلنة على الانترنت عبر الموقع الالكتروني الخاص بالبلدية، ويمكن للجميع الإطلاع عليها ومراجعتها، وهناك دائرتين أساسيتين في البلدية للمتابعة الرقمية مع الجمهور، الدائرة الأولى وهي مركز خدمات الجمهور، الذي يقدم الخدمات المباشرة للمواطنين، والثانية هي دائرة العلاقات العامة، التي تقوم بمتابعة الصفحة الرسمية للبلدية، والتي يتواصل معها المواطنون، ويرسلون شكاويهم واستفساراتهم وطلباتهم المباشرة.

* هل رقم هاتفك الشخصي متاح للمواطنين والمقيمين في بيت ساحور؟

** نعم متاح ومعمم، ولم أغيّر رقمي الشخصي الموجود من قبل أن أصبح رئيسًا للبلدية أو بعدها، حتى يستطيع كل مواطن في المدينة أن يصل إلى رئيس بلدية بيت ساحور، وبالمناسبة هذه السياسة يتبعها أيضًا رئيس الوزراء “د. محمد أشتية” ووزراؤه، فهواتفهم متاحة مع كل المواطنين لمن يرغب في التواصل المباشر معهم.

ونحن حاليًا في بلدية بيت ساحور، نعمل بطريقة أن تدور الخدمة حول المواطن، وليس أن يدور المواطن حول الخدمة، وذلك عن طريق أن يكون المواطن في المركز، فلا يجب أن يدور المواطن على الأقسام والمكاتب المختلفة حتى يحصل على الخدمة، بل العكس هو ما يجب أن يحدث.

خارج الحصار

* بيت ساحور قريبة من بيت لحم التي تستحوذ على سمعة عالمية، ونحن نعلم أنه ليست كل الأراضي الفلسطينية تحت سطوة الحصار، لكن هل الحياة في بيت لحم أسهل خارج دائرة الحصار، أم أنها تعاني أيضًا كما تعاني بيت ساحور وباقي المدن الفلسطينية، مثل غزة على سبيل المثال؟

** نحن في بيت ساحور وبيت لحم وبيت جالا وكل المناطق الفلسطينية داخل الضفة الغربية نعيش نفس الظروف، فالذي يفصل بيت ساحور عن بيت لحم هو شارع، فالرصيف من الناحية الشمالية يخص بيت ساحور، ومن الناحية الجنوبية يخص بيت لحم، فنحن نعيش كجيران وإخوة وأقارب، نعيش نفس الهموم والتحديات والحصار والضغوط.

لكن إذا قارنتنا بغزة، هناك فرق كبير، فالحصار الاقتصادي والسياسي الاجتماعي الذي يُمارس على غزة لا أعتقد أن هناك شعب في العالم قد رأى مثله، وأنا أقول للسلطات الإسرائيلية ولكل من يحاول أن يقسم هذا الشعب، إننا كشعب فلسطيني ـ بعيدًا عن السلطة ـ نقول لكل العالم إنه لن تكون هناك دولة في غزة، ولن تكون هناك دولة بدون غزة، إما دولة فلسطينية من البحر إلى النهر، بوجود الضفة الغربية وغزة، وإما أن نبقى شعب محتل وليتحمل الاحتلال مسؤوليته.

إشراف ورعاية

* بالعودة إلى حديثنا عن الإشراف الأردني على المقدسات الدينية، هذا الإشراف الذي استحوذت عليه الأردن بحكم الطبيعية والجغرافيا والعلاقات منذ العام 1967م، كيف ترى الإشراف الأردني على المقدسات المسيحية في بيت ساحور وبيت لحم؟

** بالنسبة للرعاية الأردنية للمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية هي تتمركز في القدس، وخصوصًا المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وهذه الرعاية لم نر منها إلا كل خير، فصدقًا الطريقة التي يتعامل بها الملك والمملكة الأردنية والشعب الأردني مع فلسطين لا نحمل لها سوى كل احترام وتقدير، ولكن نعود إلى نفس المشكلة وهى أن الجانب الإسرائيلي لا يحترم لا رعاية أردني، ولا رعاية فلسطينية، ولا رعاية عربية حتى.

الجانب الإسرائيلي ينتهك الحقوق الفلسطينية أينما مُدت يده، يضرب بسيف من حديد على كل ما استطاع أن يعتدي عليه، فعلى سبيل المثال اعتدوا في مدخل كنيسة القيامة على الرهبان المسيحيين، وتعرض رجال الدين المسيحي للضرب، واقتحموا المسجد الأقصى أكثر من مرة، واعتقلوا المفتي واعتدوا على المصلين أكثر من مرة، فالإسرائيلي لا يحترم أي شيء، وهذه الرسالة يجب أن تصل إلى كل العالم.

ضد الهجرة

* سيد “جهاد”؛ أنت مسيحي، وتعيش في بيت ساحور، فأين وُلِدًت ونشأت؟، وهل فكرت يومًا في الهجرة إلى خارج فلسطين؟

** أنا وُلِدًت في مدينة بيت ساحور ونشأت وتربيت فيها، ولم أفكر يومًا في تركها، أو ترك فلسطين عمومًا، لأننا ضد الهجرة، وخصوصًا هجرة المسيحيين من الأراضي المقدسة، لأن هناك سياسة إسرائيلية واضحة لتفريغ الأرض من المسيحيين، وتحويل الصراع إلى صراع ديني، وهذا ما نرفضه، فالوجود المسيحي بالأراضي الفلسطينية مهم، فهو يكشف أن المسيحيين يضطهدون مثلهم مثل المسلمين من قِبَل السلطات الإسرائيلية.

وكل التسهيلات التي يقدمها الجانب الإسرائيلي، حتى بالتعاون مع الدول الأوروبية والأجنبية من أجل إعطاء تسهيلات للمسيحيين كي يخرجوا من أرضهم، ونحن نقول لأهلنا، وهذه كانت رسالتي في مؤتمر المغتربين، يجب أن تضعوا نصب أعينكم شعار واحد وهو “راجعين يا دار”، سواء اليوم، أو غدًا، أو بعد سنوات.

ولو لاحظت ستجد أن محافظة بيت لحم، بمدنها الثلاثة : بيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا، مستهدفة، لأنها بوابة فلسطين السياحية إلى العالم، ولأن معظم سكانها من المسيحيين، ولو لاحظت أيضا ستجد أن عدد سكانها في عام 2011 كان رقم يختلف عن الرقم الموجود في عام 2015، وذلك بسبب هجرة عدد كبير من المسيحيين، وخصوصًا من مدينة بيت لحم، بسبب التسهيلات التي تُقدم للمواطنين للهجرة.

لذا، فأنا أناشد الرئيس محمود عباس والحكومة الفلسطينية بأن يلتفتوا إلى هذا الأمر، وأن يهتموا بتوفير فرص العمل للشباب، وأن يحتووا الشباب الفلسطيني، وبالأخص المسيحيين، لكي لا يترك الشاب بلده في سبيل السعي إلى فرصة عمل أو حياة أفضل.

معالم بيت ساحور

* الآن نحن نقترب من موسم الأعياد وهى مناسبات شديدة الخصوصية للكثير من المسيحيين حول العالم، إذا ما جاءتك الفرصة لتدعو الناس من حول العالم لزيارة بيت ساحور، ما هي المعالم التي تدعوهم لزيارتها في بيت ساحور حتى تكتمل الرحلة من ناحية الذاكرة النفسية والاجتماعية وتترك أثرًا في نفوسهم؟

** نحن ندعو كل العالم لزيارة بيت ساحور، وفلسطين بشكل عام التي هي مهد الديانات والحضارات، وبالنسبة للمعالم الموجودة في بيت ساحور، فأهمها: كنيسة حقل الرعاة، وبئر السيدة العذراء وهو المكان الذي حدثت فيه أعجوبة السيدة العذراء عندما مرت بمدينة بيت ساحور، وأرادت أن تشرب مياه ولم يكن بالبئر مياه، فصلت، فإذا بالمياه تندفع من قاع البئر إلى فوهته.

وأيضا هناك كنيسة بئر السيدة العذراء، وهى مزار للمسلمين قبل المسيحيين، حيث يتوافد إليها السياح من جميع أنحاء العالم، والذي يصل عددهم من 2.5 إلى 3 مليون سائح في السنة، والتي نأمل أن يزداد عددهم خلال الأعوام القادمة، وهناك البلدة القديمة بمدينة بيت ساحور، والتي نقوم حاليًا بترميم بيوتها القديمة حفاظًا على هويتها وتاريخها بالتعاون مع مركز حفظ التراث.

والأسبوع القادم، لدينا مهرجان يسمى مهرجان “سوق حكاية” سيُقام في البلدة القديمة، وستعرض فيه كل المنتجات المحلية، وكل الصناعات الحرفية التي يقوم صغار الحرفيون وربات المنازل بإنتاجها، كترويج للصناعات المحلية والاستفادة من خبرات أصحاب الحرف اليدوية.

موسم الأعياد

* كيف تستعد بيت ساحور للأعياد؟، وما هي مظاهر الأعياد فيها؟، وما هي الأماكن التي تنصح بزيارتها لمن يقوم بزيارة بيت لحم ويريد أن يذهب إلى بيت ساحور خلال موسم الأعياد؟

** استعدادات أعياد الميلاد المجيدة في محافظة بيت لحم بشكل عام، يشارك فيها أبناء فلسطين من مختلف المناطق، كما يشارك فيها زائرين من خارجها، وقد يفوق عددهم 3 مليون زائر، بالنسبة لنا في بيت ساحور فإن المجلس البلدي يستعد لموسم الأعياد بالشراكة مع المجتمع المحلي، وعلى رأسها مجلس الكنائس والمجموعات الكشفية.

نفتتح هذه الاحتفالات في بداية شهر ديسمبر من كل عام، وذلك بإنارة شجرة الميلاد، وفي هذا اليوم تجتمع كل الشخصيات الاعتبارية والمؤسسات في بيت ساحور وتمشي في مسيرة كبيرة جدًا تجوب شوارع بيت ساحور، وتحظى بيت ساحور بزيارة أكثر من 5 ألاف زائر من مختلف البلديات المتوأمة معنا على مستوى العالم، ونحن بالمناسبة لدينا 30 مدينة متوائمة مع مدينة بيت ساحور.

هذه المسيرة تكون بقيادة المجموعات الكشفية ومجموعات العزف الموسيقي، وتنطلق المسيرة من بلدية بيت ساحور وتنتهي في مركز المدينة حيث يتم إنارة شجرة عيد الميلاد، وقبل الإنارة يكون هناك احتفال مدته ساعتين، تتخلله المعزوفات والتراتيل الدينية، ومن ثمّ تنطلق أيام الاحتفالات وتوزيع الهدايا على الأطفال ومؤسسات ذوي الإعاقة وتنتشر المعايدات بين الجميع.

هذا بالإضافة إلى مسيرة واحتفال استقبال البطرك في ساحة المهد، حيث كل المدن المسيحية وكل الشعب الفلسطيني في محافظة بيت لحم يتوجه إلى ساحة المهد لاستقبال غبطة البطريرك، وأيضا يكون مسيرة كشفية محمولة بالأعلام والموسيقى والأيقونات المسيحية، ويكون هناك أيضا مسيرة الشموع التي تنطلق من كنيسة حقل الرعاة، وتكون يوم العيد أو قبله بيوم واحد، وهى تهدف إلى أن يعمّ السلام وينتشر في كل مكان.

رسالة أخيرة

* قبل الختام؛ ماذا تريد أن توجه كرسالة أخيرة إلى كل العرب الموجودين في أمريكا خلال موسم الأعياد؟

** أقول لكل أهلنا.. بمناسبة حلول أعياد الميلاد المجيدة، كل عام وأنتم بألف خير، وأتمنى لكم حياة مباركة مليئة بالحب والخير والسلام، وأن يعمّ السلام في أرض السلام، وأن تنعاد علينا هذه الأعياد وتكون قد تحققت أمنيات الشعب الفلسطيني بالحرية والسلام والأمن والأمان والاستقرار، وأن تتحرر قدسنا الحبيبة وتعود عاصمة لدولة فلسطين.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى