الراديو

د . شادي ظاظا : التهجير القسري.. هل يرسم مشهد النهاية في الحرب السورية

نقدم الطعام والدواء مجانا للنازحين على الحدود السورية

النازحين والتغيير الديموغرافي أهم مظاهر الأزمة السورية

أجرى الحوار : ليلى الحسيني

أعد الحوار للنشر : هارون محمد / مروة مقبول – تحرير : مجدي فكري

*يستمر الوضع الكارثي في سوريا واليمن وفي العديد من البلدان التي تعاني نزاعات مسلحة، ولكن الوضع في سوريا كارثي بكل معنى الكلمة ، ومن لا يرى ذلك فهناك مشكلة.

بالأمس مررت على أحدى الحسابات على الفيس بوك لفتاة مترجمة في قبرص، اليونان، تعمل متطوعة في المنظمات الإغاثية اليونانية، ذات عمر 18 سنة  وممن يستقبلون اللاجئين، كلماتها كانت تدمي القلب، حيث دعت تلك الفتاة في كلماتها إلى وقف الحرب و الابادة الجماعية التي تحدث في حق الشعب السوري و تطالب المجتمع الدولي بحماية هؤلاء الأطفال الذين يتم قتلهم بوحشية و أن يتحلى الجميع بإنسانيتهم ليجدوا حلا لتلك الأزمة..

 وقالت ببراءة شديدة باللغة الانجليزية:

“Stop the war, stop the massacre, stop the criminal weapons, and stop killing the innocent people. We have seen children being killed severely, we have seen people suffering, and we need to stop all of this! How can to stop this, just find the human inside of you and you will see the true picture”.

**مأساة النازحين

*ارتفع عدد النازحين السوريين على الشريط الحدودي مع الأردن إلى 160 ألف في منطقة سهول درعا، والحدود المتاخمة للمنطقة الشمالية مع المملكة الأردنية بحسب ما أكدته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وبحسب مراقبين هرب الآلاف إلى الشريط الحدودي مع الجولان المحتل؛ فرارا من القصف على قرى الجنوب السوري والعمليات العسكرية التي بدأت في 19 حزيران/ يونيه  في ظل نقص كبير المساعدات.

وعلى الطرف الآخر من الحدود على الجولان المحتل تقع مخيمات القنيطرة، ومخيم العودة الذي أسسه مدنيون في عام 2013؛ هربا من المعارك.

**شهود عيان على المأساة  

وحول هذا الموضوع المأساوي ،و للاطلاع على هذه الأعمال الإغاثية في منطقة القنيطرة والجنوب السوري ينضم إلينا الدكتور شادي ظاظا مؤسس منظمة رحمة الإغاثية ، والذي بادرناه بهذا السؤال الصعب .

**إلى متى ستستمر هذه المآسي؟، خصوصا وأنتم تعملون على الأرض.

** الذي يكون له تواصل على الأرض يكون  مطلعا ً على حيثيات وتفاصيل الأمور بشكل كبير، وهذا يشكل ضغطاً نفسيا ً علينا بشكل كبير جدا؛ ونحن نشاهد  نفس السناريو في حلب، الغوطة،  درعا، وفي القنيطرة. الضحية الأولى  في هذه الأحداث هم الأطفال والنساء والشيوخ بما فيهم من مرضى ومحتاجين وحالات حرجة. يتعرض أهلنا الآن في الجنوب السوري إلى حملة كبيرة من النزوح، وذكرت الأعداد تقريبا 160 ألف نازح، لكن العدد وصل إلى ما يفوق 200 ألف نازح.

مخيمات حدودية … وإعانات مجانية

** الآن أنشأت مخيمات في ريف القنيطرة، كل مخيم يضم حوالي 1000 عائلة تقريبا ، وهؤلاء نزحوا من مناطق درعا إلى ريف القنيطرة متجهين إلى المنطقة القريبة إلى حدود بلاد محتلة؛ ليجدوا ملجأ وملاذا، وحتى لا يطالهم قصف، ولكي يكونوا قريبين من المناطق التي لا يستطيع الطيران أن يستهدفهم فيها. حقيقة الناس في حالة فزع وهلع كبير جدا. لدينا نقص كبير في الاحتياجات، فكما تعلمين لدينا مخبز هناك، والذي يحاول أن يكفي الحاجة الضرورية من الخبز للناس، لذلك رفعنا إلى طنين طحين كل يوم، وكل هذا يوزع مجانا.

** وصف الحالة الإنسانية هناك هي كارثية بكل معنى الكلمة. يخاف الناس أن يعودوا  إلى درعا؛ لعدم وجود تفاصيل واضحة أو حتى اتفاقات تضمن للأهالي عدم التعرض لهم أو المحاسبة. الأمور لا زالت ضبابية.

مأساة اللاجئين في أوروبا

*بالأمس تواصلت مع هذه الفتاة، فقالت لي أنها تشاهد مآسي النازحين في اليونان، فالدول الأوروبية لم تعد تفتح المجال للجوء. طالت الأزمة. للأسف الأطفال جائعين؛ وهناك نقص بالموارد، وحتى أن هناك نقص كبير في تمويل الأمم المتحدة. حتى أننا نتواصل بالقدر القليل مع الناس ونوصل لهم الصورة كما هي.

تغيير ديموغرافي في سوريا

هل هناك تغير ديموغرافي؟، وبكل شفافية، هل نشهد إعادة تغير سوريا ذات التنوع  الطائفي والعرقي والديني الكبير؟، إذا ما الهدف من هذا التهجير؟

** طبعا هذه النكبات التي تنتقل من منطقة إلى أخرى، بدء ً من حمص ثم حلب ثم بقية المناطق وخروج أهالي داريا والمعضمية ومضايا والغوطة. هذه حالة تهجير مقصودة؛ بهدف إحداث التغيير الديمغرافي للسكان الأصليين لهذه البلاد، ومن الصعب التنبؤ بالقاطنين الجدد؛ لأنه للأسف سوريا أصبحت بلدا ً متاحا ً ومباحا ً للذهاب إليها، وهذا سيكون له تأثيرات كارثية على مستقبل البلاد.

عودة اللاجئين

فما هو مصير النازحين واللاجئين؟، وكيف سيعود من ذهب إلى أوروبا؟، وهل ستكون هناك فرصة للعودة؟، إذا تكلمنا على 200 ألف لاجئ على حدود سوريا الجنوبية في ريف القنيطرة، فهم يخافون أن يعودوا 90 كيلو متر إلى درعا.

*لا توجد ضمانات دولية. هناك غياب كامل في دور المظلة الدولية عن ما يجرى في الأحداث، هي فقط روسيا و إيران و تركيا وغيرها هم من يتحكمون بمصير السوريين..

لعبة المصالح

**هي مصالح إقليمية، و السوريون يشاهدون تقسيم هذه الكعكة، وقد لا يكون لديهم أمل في نيل و لو قطعة صغيرة منها. للأسف أصبح أصحاب الأرض هم الغرباء و المتطفلون على القضية، و روسيا و إيران والدول الأخرى هم الذين يقررون مصير هذا الشعب، وكأنه بلد مستباح ، ( فمن أخذ البلاد بغير حربٍ هان عليه تسليم البلاد” .

** للأسف الوضع الذي يجري في سوريا لا يبشر بالخير أبدا؛ فالجزء الكبير يتحمله السوريون بأنفسهم بجميع أطيافهم وبكل مواقعهم، فأصبح هناك ملل شديد من القضية، على سبيل المثال هنا في أميركا لا يريد أن يذكر أو يتذكر هذا الأمر لأنه يعود عليه بذكريات سيئة تنغص عليه هناء العيش هنا، فهذا التنكر سيقطفه السوريون في مستقبلهم لأنهم تنازلوا عن قضية ما كان لهم أن يتنازلوا عنها. من يريد عرضه وبلاده يجب عليه أن يصبر وأن يكون لديه همة عالية في محاربة من يريد أن يأخذ ثروة بلاده ويغيرها ديمغرافيا.

**اللعبة أكبر منا كأشخاص. ولكن مازلنا نستطيع أن نوصل رسالة أهلنا المستضعفين في سوريا ولو كانت بالكلمة، ومن خلال البرنامج الذي تقدموه وبحضورك الذي أعتبره حامل الرسائل التي تنهض في إحياء القضية السورية، نريد أن نسمع ونذكر العالم بهذه القصة المحزنة، ونقول للناس أن سوريا للسوريين. ولا يمكن لأحد أن يضع حدا ً في تحديد مصير السوريين إلا السوريين، وفي النهاية يعود الحق لأهل الأرض، ولو أتت الدنيا كلها لا تستطيع أن تأخذ الأرض منا مهما تبدلت الظروف. وما بني على باطل يبقى باطلا ولو أمتد بهم الأمر لمائة عام.

خطورة التغيير الديموغرافي

*أود أن أنبه عن التقرير الخطير الذي شاهدته بشأن التغير الديموغرافي الذي يشمل كل السوريين بكل أطيافهم، مسيحيين، أكراد، دروز، سنة، وشيعة، يتم إفراغ المناطق التي فيها الأكثرية من كل هذه الطوائف حتى العلويين، أي إفراغها من سكانها الأصلين ويتم التبديل الديموغرافي في سوريا، هذا الموضوع مخطط بعناية شديدة. إن لم ينتبه السوريون والعرب وأصحاب الحق في هذه  القضية إلى ما يجري فستكون هناك مشكلة لأجيال قادمة، دكتور شادي، فما تعليقك بشأن هذا الموضوع؟

** هذا التغير ممنهج، ويهدف إلى تحديد الذين ينتمون إلى هذه البلاد سواء الذين ولدوا فيها أو كانوا مالكين الجنسية السورية. تحدد الجنسية بنسبة الولاء للنظام الموجود. سوريا جعلت بهذا التنوع الطائفي والثقافي والحضاري الممتد عمقه إلى ألاف السنين، فلم يستطع أحد أن يغير هذه البنية لأنها بنيت على هذا التنوع. الموضوع ليس طائفيا أبدا، إنما يستهدف كل السوريين بكل طوائفهم، والخاسرون سيكونون من جميع الطوائف وليس من طائفة واحدة وإن كان التركيز وبنسبة أكبر على الطائفة السنية في سوريا. وإن عملنا معا من أجل إنقاذ بلدنا فسيكون الربح للجميع، فليس هناك طائفة معينة لها نصيب الأسد في هذه القسمة، فمثلا الطائفة العلوية هي أكثر الطوائف تضررا.

*قد يكون ولاءهم سببه الخوف فقط. فالكل متضرر.

200 ألف نازح

*ما مصير النازحين؟، هل عادوا إلى درعا؟، أم ما زالوا على الحدود؟، هناك من يقول أنهم عادوا، والبعض يقول أن الهجرة زادت واحتياجاتها. أنتم تعملون على الأرض، فماذا يحدث؟

** أكثر من 90 بالمئة يرفض العودة؛ هؤلاء متخوفون على مصير عائلاتهم لعدم وجود اتفاق واضح على الأرض أو حتى يرسم معالم تضمن سلامتهم. هؤلاء موجودين في ريف القنيطرة وعددهم تجاوز 200 ألف إنسان، 9 مخيمات أنشأت حديثا من أجل استيعاب هذه العائلات.

الطعام والدواء مجانا للنازحين

** بالنسبة للوضع الإنساني، هؤلاء الناس بحاجة كل شيء، ومن حسن الحظ أنه لدينا مخبز يقدم الخبز بشكل يومي مجانا، يحتاجون إلى مواد أخرى من أجل أن يأمنوا الحاجات الأساسية من الطعام والشراب ولباس. وهناك نسبة من الناس المرضى وبالتعاون مع بعض المنظمات الطبية استطعنا أن ننشئ مركزين ليستوعب هؤلاء الناس، وهناك عيادات طبية متنقلة مع منظمة ” ليدي كلوفر” ومنظمة “أوسوم”، هذه المنظمات تعمل في تلك المنطقة وبيننا شراكات، فهي تعمل على توفير الأدوية وتقديم المساعدات الطبية لهؤلاء الناس.

**لا نستطيع أن نشاهد فقط فلابد لنا أن نتحرك، وأن نمد يد العون لهؤلاء النازحين في الداخل السوري من أجل أن نساعدهم بهذه الفترة على الأقل حتى يتبين مصيرهم. هناك أنباء عن أن بعض المنظمات تقوم باعداد مخيم كبير يضم حوالي 3 آلاف خيمة في تلك المنطقة، ويبدوا أن هذه المنظمات لديها معلومات أن النازحين سيكونون موجودين هناك لفترة أطول . الأيام القليلة القادمة ممكن أن تبين تفاصيل ومعالم أوضح لمستقبل هؤلاء النازحين.

إحتياجات أساسية

*ما هي الاحتياجات الأساسية لهؤلاء النازحين في الجنوب؟ ذكرت الدقيق والمواد الإغاثية الأساسية، و ماذا أيضا؟

** نعم، مثلا اليوم نعد سلال غذائية تتكون من بعض المعلبات وبعض الحاجات الأساسية، مثل السكر، الشاي، والزيت، ومن الأشياء التي يمكن للنازح أن يستخدمها لتكفيه في يومه بالإضافة إلى بطانية وفراش بسيط حتى يضعه في الخيمة، فهذه الأشياء بسيطة جدا وغير مكلفة، وتكلف للعائلة الواحدة تقريبا 50 دولار، تكفيهم من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. لو استطعنا أن نقدم لهم هذه المساعدة فهذا شيء جيد، فهو ينفعهم ويعينهم في هذه الفترة العصيبة التي يمرون بها. إن شاء الله يعود النازحون إلى بيوتهم وأعمالهم و يستتب الأمن هناك، ونطمح أن تهدأ الأمور في تلك المنطقة؛ فالأعداد كبيرة ولا تستطيع الدول الشقيقة أن تتحمل هذا العبء، لذلك نريد أن يبقى في سوريا ولا يخرج ويلجأ إلى الهجرة إلى الدول المجاورة وإلى الجولان أو أوروبا. إذا استطعنا أن نقدم هذه المساعدة البسيطة ربما قد يطمئن ويبقى ويتابع مستجدات تلك المنطقة.

50 دولار للسلة الغذائية

*كم تكلفة السلة الغذائية التي ممكن لها أن تساعد الناس حاليا؟

** 50 دولار، وتغطي هذه السلة إلى 5-6 أشخاص بحاجاتهم الغذائية الأساسية، وأيضا نقدم لهم بعض مواد التنظيف لتعينهم على المحافظة على النظافة. كما تعلمي أن المناطق هناك غير مؤهلة مما قد يؤدي إلى أنتشار الأمراض، فإذا لم نستطيع  أن نؤمن لهم أشياء تعتني بنظافة الأجسام والمكان فستنتشر الأمراض لتكون كارثة جديدة عليهم.

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى