الراديو

العراق ينتفض- هل تنتهي الاحتجاجات بزوال أسبابها أم أن الأسوأ لم يأت بعد؟

 ناشطون وإعلاميون عراقيون: الاحتجاجات رد فعل متأخر على تدهور الأوضاع ومرشحة للتصاعد

خاص- راديو صوت العرب من أمريكا

رغم مرور نحو أسبوعين على انطلاقها، لا زالت حدة الاحتجاجات الشعبية تتصاعد في مدن متفرقة بالعراق. وكانت شرارة الاحتجاجات قد انطلقت في الثامن من يوليو الجاري في البصرة، وامتدت بعدها لتشمل مدن أخرى في جنوب البلاد، وما لبثت أن زحفت شمالا ووصلت للعاصمة بغداد.

أسباب الاحتجاجات كما هو مُعلن تركزت على مشكلات نقص الخدمات والبطالة ومواجهة الفساد في البلد الذي يحتل المرتبة الـ12 على لائحة الفساد العالمي. وارتفعت المطالب خلال التظاهرات بإصلاح منظومة الكهرباء والمياه، وتوفير الوظائف، وإقالة مسئولين متهمين بالفساد وإحالتهم للقضاء، بينما وعدت السلطات باتخاذ إجراءات لمعالجة تلك الأزمات.

 عنف متبادل

اتخذت الاحتجاجات منحى العنف بعد أن تخللتها أعمال شغب، تضمنت حرق إطارات واقتحام مقار حكومية وأخرى لأحزاب. وصب المتظاهرون جام غضبهم على الأحزاب والفصائل المسلحة، إذ تم إحراق بعض المقرات والمكاتب في المدن التي شهدت الاحتجاجات.

وأدانت السلطات أعمال الشغب واعتبرت القائمين بها “مندسين” تسللوا بين المتظاهرين لمهاجمة “الأموال العامة”، فيما استخدمت القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، لتفريق التظاهرات.

من جانبها قالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق إن 13 مدنيًا قتلوا، وأصيب 618 آخرون بينهم عناصر في قوات الأمن، منذ انطلاق التظاهرات الاحتجاجية. وقال المتحدث باسم المفوضية علي البياتي إن “السلطات اعتقلت أكثر من 600 متظاهر، بعضهم قال إنه تعرض للإهانة والضرب، فيما أكد آخرون إنهم اعتقلوا رغم عدم مشاركتهم في التظاهرات”.

ويرى مراقبون أن الأمر الذي يميز هذه التظاهرات أنها انطلقت من مناطق تعتبر معقل الأحزاب الشيعية، وهي الجهة المسيطرة على الحكم بالعراق منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. فما هي دلالات ذلك؟، وإلى أي مدى يمكن أن تتطور هذه الاحتجاجات؟، هل ستنتهي بزوال أسبابها، أم أننا أمام مخاض ثورة؟.

“راديو صوت العرب من أمريكا” يحاول الإجابة على هذه التساؤلات، من خلال مداخلة خاصة مع اثنين من الإعلاميين والناشطين العراقيين، وهما الصحفية والناشطة الحقوقية إستبرق العزاوي والصحفي القاسم ماضي.

لماذا يحتجون؟

بعد الانتصار الذي أعلنته الحكومة على داعش، بدأ الجميع ينتظر تحقيق الاستقرار في العراق   الذي من المفترض أنه قد تحرر، وأصبحت له حكومة ترعى مصالح مواطنيه وتعالج مشاكله من خلال القيام بإصلاحات. لكن الاحتجاجات المشتعلة حاليًا بسبب الفساد وسوء الخدمات تقول غير ذلك، وتكشف أن المواطن العراقي لا يحصل على احتياجاته الأساسية.

* بدايتنا مع الصحفية والناشطة الحقوقية إستبرق العزاوي، لتوضح لنا ما الذي يحدث في العراق؟، وما هي أسبابه؟

** عند الحديث عن المشهد العراقي لا بد من توافر جانب الموضوعية، ففي النهاية أنا مواطنة عراقية، ولا أنتمي إلى أي حزب منذ العهد البائد وحتى العهد الحالي. وأرى أن ما يمر به العراق منذ عام 2003 وحتى الآن هو فصل جديد في مأساة من نوع آخر.

وحال العراق حاليًا ينطبق عليه المثل المصري الذي يقول “طلع من حفرة ووقع في دحديرة”، فقد خرجنا من حقبة حكم حزب “البعث” المنحل في العراق، والحكم الديكتاتوري الاستبدادي الذي شهد الكثير من المآسي منها الحروب والحصار.

وبعد أن خرجنا من هذه الحقبة كنا نأمل في حدوث التغيير الحقيقي، وأن نقيم دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان، وتكون فيها الشفافية هي أساس عمل جميع المؤسسات العراقية. لكن ما لاحظناه بعد مضي 15 عامًا من عمر التغيير، أن مخرجات هذه العملية هي أن العراق قد دخل في كهف الجهل والظلام والتخلف والفقر والطائفية، وأصبح يعاني صراعات من نوع جديد.

فهل يعقل أن تصل إيرادات النفط السنوية في العراق إلى 140 مليار دولار، ولا زلنا نشاهد حتى الآن هناك مباني طينية للمدارس في جنوب العراق ونحن في القرن الحادي والعشرين!

لقد زادت الفجوة بشكل غير مسبوق بين الطبقة الفاحشة بالثراء، وهي طبقة الأحزاب ومن يعمل معهم، وطبقة أخرى مدقعة بالفقر، ووصلت مستويات البطالة إلى نسب كارثية، والعراق الذي يوجد به الرافدين يعاني أهله العطش، العراق الذي لم يشهد في تاريخه أي مشكلات طائفية بين أبناء المجتمع، جاءت الأحزاب لتزرع الفرقة بين أبنائه وتعمل على تفخيخه طائفيًا عبر الإيديولوجية الطائفية، ومن خلال الميليشيات، وحاليًا تعبث أكثر من 150 ميليشيا في العراق وتعمل فوق القانون.

 15 عامًا لم نضع إستراتيجية في كل القطاعات لإعادة تأهيلها بعد أن عانت من حروب وفترة حصار قاسية. وفي الحقيقة فإن الوضع في العراق أصبح لا يُطاق، وهذه الاحتجاجات هي مجرد ردود أفعال متأخرة، فدائمًا أنا أراهن على الشعب والشباب، ومهما تم ممارسة عمليات لتغييب المواطن فكريًا، سيعود ليدرك المشهد الكارثي الذي أصبح يعيش فيه.

تغيير شامل

* أستاذ قاسم، هل ترى أن الحكومات المتعاقبة فشلت في إدارة موارد العراق واستغلالها لتحسين مستوى معيشة المواطن؟

** يوجد بالعراق 503 كتلة حزبية كبيرة أو ما يمكن أن نطلق عليهم (الحيتان الكبيرة) التي تمتلك السيطرة على كتل صغيرة تسمى (الحيتان الصغيرة) وهؤلاء هم المستفيدون من موارد العراق. أما المواطن العراقي فلا يجد قوت يومه. وحينما يتخرج الشاب الجامعي لا يجد فرصة للعمل.

هذه الأحزاب التي كانت تتكون من أفراد تم نفيها خارج العراق في دول سواء عربية أو أوروبية أو حتى في أمريكا وأسماؤهم معروفة. وهذه البطون الجائعة دخلت فقط لاستثمار النهب والقتل والعشوائيات. فلا يوجد لديها أي خطط، فالوزير يسرق الأموال ويضعها فقط في جعبة الكتلة الحزبية التابع لها والتي هي أساس البلاء.

من ناحية أخرى نجد أن دولة القانون هي التي تسيء للقانون، بمعنى أن هذه الأحزاب تتعامل مع مشاكل الناس بالتجهيل والتسطيح، وبالتالي لم نصل إلى حلول لمدة 15 سنة، حيث تتعامل هذه الأحزاب منفردة من تلقاء نفسها دون اللجوء إلى خطط أو وضع قوانين تخدم الدولة.

هذه التراكمات أوجدت على الساحة العراقية مجموعة من الشباب المحبط. فلو نظرنا إلى الأخبار سنجد أن هؤلاء الشباب بعمر الزهور بين 14 و 15 سنة، يشاركون في الاحتجاجات كمحاولة لتوصيل أفكاره إلى المسئولين في الحكومة، لكن نجد في المقابل أن الحكومة تواجه هؤلاء الشباب بالرصاص، فسقط العديد من الشهداء وهم يطالبون بحقوقهم في تظاهرات سلمية.

نحن أمام تغيير شامل، وحتى تنتهي هذه المرحلة على الشعب العراقي أن يجد بدائل لحل أزمته وإنهاء الخلاف. أنا لا أريد أن أقارن الوضع في العراق بما حدث في مصر أو بعض الدول الأخرى. فبعد الاحتلال، سيطرت هذه الأحزاب سيطرة تامة على كل مفاصل الدولة. والآن وجد الشباب فرصة للتغيير، والمقاومة مستمرة. ونطالب أن تظل هذه المقاومة سلمية حتى النهاية.

ويمكننا أن نقول إن الثورة في العراق الآن هي ثورة شعب، وليست طوائف أو فئات، وهي تناضل ضد الفساد والأحزاب التي تتحكم بمصير هذا البلد الغني بثرواته. وهناك تقرير يصنف العراق من بين أكثر الدول فسادًا على المستوى العالمي، لذلك فهو يعاني رغم أنه يملك ثاني أكبر احتياطي من النفط في العالم بعد السعودية.

ثروة ضائعة

* أين تذهب هذه الثروات من وجهة نظرك أستاذة إستبرق؟

** العراق يصدر 4 مليون برميل يوميًا في الوقت الراهن، ولديه القدرة على تصدير أكثر من ذلك. لكن إيرادات النفط يتم سرقتها للأسف، وأود أن أشير إلى أنه من وقت لأخر تطلعنا التقارير على حجم الأموال المهربة إلى الخارج، والولايات المتحدة الأمريكية تصدر مثل هذه التقارير.

فالتقرير الأخير للولايات المتحدة يوضح بالأرقام حيتان الأحزاب الذين قام كل فرد منهم بجمع ما يقارب 70 مليار دولار، وأقل مبلغ جمعه واحد منهم هو 9 مليار. وعلى مدي 15 عامًا لم نشاهد إعادة اعمار أو إعادة تاهيل للبنية التحتية المتهالكة. ولم نرى أي ملمح عمراني أو مشروعات لبناء جسور، أو صرف صحي أو حتى مستشفيات غير التي كنا نشاهدها في الحقبة الماضية.

فالجزء الكبير من أموال البلاد يتم تهريبه لصالح هؤلاء الحيتان عن طريق غسيل الأموال والعديد من الطرق الأخرى غير القانونية. وهناك بالتأكيد تعاون بين الثلة الفاسدة التي تحكم العراق اليوم وتنسيق بينها وبين دول أخرى فيما يتعلق بغسل الأموال وتهريبها.

التدخل الإيراني

* كيف ترين رفض العراقيين للتدخل الإيراني تحديدًا، فلأول مرة نشهد الجنوب العراقي وهو ذو أغلبية شيعية يندد بالدور الإيراني في العراق، خاصة بعد ما رفضت إيران أن تمد العراق بالكهرباء بسبب عدم وفاءه بالتزاماته؟

** فيما يتعلق بالعلاقة بين العراق وإيران فهي علاقة ملتبسة حقًا، بسبب أن شلة الأحزاب التي تحكم العراق هي أحزاب خرجت أساسًا من العباءة الإيرانية. ومنذ أن تسلمت السلطة في العراق حتى هذه اللحظة تراعي المصالح الإيرانية أكثر مما تراعي المصالح العراقية. كما أنها تتبنى أجندة إيرانية في مختلف المحافل على حساب الأجندة العراقية الوطنية.

وما عبر عنه المتظاهرون هو في الحقيقة  تنديد بنقص الخدمات وتدهور الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء، وكذلك فرص العمل. حيث أيقنوا أيضًا أن العلاقة الإيرانية العراقية هي علاقة غير سليمة وغير قائمة على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية. فإيران تضع لمساتها على العملية السياسية وعلى الجانب العسكري والاقتصادي.

فالآن على سبيل المثال نجد أنها تقطع الكهرباء عن العراق للعام الثاني، فهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها إيران بذلك، فقد قطعت الكهرباء العام الماضي بحجة أن الحكومة العراقية تأخرت في تسديد التزاماتها المالية.

الدور الخليجي

* السؤال إلى السيد القاسم، بعض المراقبين يقولون إن دول الخليج تحاول أن يكون لها دور في العراق. فالسعودية والكويت عرضتا مد العراق بالكهرباء والمساهمة في إعادة الإعمار، فلماذا تم رفض الدور السعودي أو الخليجي بشكل عام؟

** وفقا للتقارير، أرسل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وفدا ً إلى السعودية، وبناء عليه أمرت السعودية بمد خط كهرباء إلى الجنوب تحديدًا. ولكن الحكومة الشيعية تعرقل ذلك، وعندما أذكر هنا الحكومة الشيعية فأنا أقصد السياسي الشيعي، فالكثير من المواطنين الشيعة متنورين وأدباء وفنانين، ونحن الآن نبكي على بغداد التي هجرها العلماء والفقهاء والمثقفون واحتلها الحكام الفاسدون.

وأنا كعراقي مثقف ومسرحي وكاتب، أجد الآن الفنان والمثقف العراقي يعاني الأمرين، وذلك لأن القادمين الجدد الذين تولوا دفة الحكم هم أئمة الجهل والتخلف والانحطاط، حتى أنهم بعيدون كل البعد عن الدين الإسلامي رغم أنهم يعلنون أنهم متدينون ولديهم أحزاب دينية.

سبل الحل

* إذن كيف يخرج العراق من الوضع الراهن من وجهة نظركما؟

** يقول السيد القاسم إن هناك احتجاجات على مستوى كل الطوائف بلا استثناء، وتشكيك بنتائج الانتخابات، فكل المتواجدين في ساحة التحرير هم من الأنبار والموصل والمحافظات الغربية، وهذا دليل على أن الثورة شاملة ضد كل من يخرب العملية السياسية، وضد كل التيارات الفاسدة في العراق.

لذلك هناك نية عارمة للتغيير، حتى وإن بدا أن رئيس الوزراء يعطي الكثير من المنح والمساعدات لمحافظة البصرة والنجف، فهناك رفض للحلول الجزئية.

** بينما تقول إستبرق العزاوي إن نخبة الحكم الفاسدة في الحقبة الماضية بالعراق كانت تعتقد أن الشعب سيصمت وسيظل صامتًا، ولكن بعد ما حدث لا أعتقد أن المواطن العراقي سيصمت بعد الآن. وكل من يواجه ظروف صعبة بسبب الأداء الحكومي السيئ سينتفض.

إذن الحل يكمن في الصحوة الشعبية، ونبذ الفرقة والطائفية، وأن يكون هناك تحديد للأهداف.. للإجابة على السؤال الأهم وهو: ماذا يريد الشعب العراقي؟.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى