الراديوطبيبك الخاص

التنويم المغناطيسي.. عِلمٌ مهم أم شعوذة ووسيلة للنصب؟

أجرى الحوار: مروة مقبول ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة جديدة ومميزة من برنامج “فنجان قهوة”، نكشف لكم فيها الكثير من الحقائق حول موضوع التنويم المغناطيسي، وعلاقته بالصحة النفسية، وذلك بصحبة المدرب في مجال التنويم الإيحائي “نهاد رجب”، في حوار من إعداد وتقديم الإعلامية “مروة مقبول”.

التنويم الإيحائي
واجه التنويم الإيحائي، أو التنويم المغناطيسي، الكثير من الانتقادات، فهناك من يرى أنه مجرد شعوذة أو وسيلة للنصب والاحتيال، وهناك من يصنفه في خانة العلوم الزائفة، ولكن في النهاية تكونت هذه الصورة الخاطئة نتيجة قلة الأبحاث العلمية عن أهميته من ناحية، وعدم معرفة الناس بماهيته وخصائصه من ناحية أخرى.

حيث التصقت صورة التنويم الإيحائي بشخصيات معينة ظهرت في الروايات والأفلام القديمة، أولئك الناس الذين يحملون ساعات جيب متأرجحة، وينَوِّمون الأشخاص، ويجعلونهم خاضعين لرغباتهم، بحيث يتحدثون ويتحركون وفق أوامرهم، وينفذون أيضا كل ما يُطلب منهم.

في بداية حديثه؛ أوضح “نهاد رجب” أن التنويم الإيحائي كتقنية قد ظُلِمَت كثيرًا، وذلك بسبب تصوير التنويم الإيحائي بطريقة خاطئة في أذهان الناس، أو أنه خيال علمي وغير موجود، كما أنهم ربطوا التنويم الإيحائي بالتنويم المغناطيسي.

الفرق بين الإيحائي والمغناطيسي
لإيضاح الفارق بين التنويم الإيحائي والتنويم المغناطيسي؛ قال “رجب”: “قديمًا في القرن الثامن عشر كان الناس يستخدمون حجر المغناطيس لعلاج مرضى السل، بناءً على اعتقاد منهم بأن مرض السل عبارة عن دم فاسد، فإذا خرج هذا الدم الفاسد من الجسم، سَيُشفى المريض، ولذلك كانوا يستخدمون المغناطيس لإيقاف ضرر هذا الدم”.

وأضاف أنه في أحد الأيام، جاء طبيب يُدعى “فرانز انطوان ميسمر” يبحث عن المغناطيس، فلم يجده، فوجد عصا، فمررها، ووجد أن الدم أيضا قد توقف، وبدلًا من أن يقول “ميسمر” أن الامر لا علاقة له بالمغناطيس، قال ان هذا بسبب المغناطيسية الحيوانية Animal magnetism، واعتقد أن كل إنسان فينا لديه قوة مغناطيسية تمكنه من التأثير على الناس.

فالتنويم المغناطيسي الذي كان “ميسمر” يمارسه، كان عبارة عن أنه يحضر شخصًا ويجعله ينام على السرير، ثم يمرر حجر المغناطيس على أماكن الألم لديه، كي يعالجه، ويخلصه من هذا الألم.

بعد ذلك؛ جاء “جيمس برايد” وقال إن الأمر لا علاقة له بالمغناطيس، وبدأ يتحدث عن حالة الـtrance state، وقال إن التنويم هو دخول الشخص في حالة مختلفة عن الوعي العادي، وفي هذه اللحظة يكون الشخص متقبلًا لكل الاقتراحات.

ومن هنا قام بتغيير الاسم من التنويم المغناطيسي إلى monoideaism أو التركيز على فكرة واحدة، فالعقل عندما يدخل في هذه الحالة يستقبل حينها كل الأفكار المرتبطة بهذه الفكرة الواحدة.

ومن هنا تم تغيير الاسم، وأصبح الاسم المستخدم عربيًا هو التنويم الإيحائي، أي إدخال الشخص في حالة تشبه النوم، ثم نبدأ في إعطائه إيحاءات لها تأثير على العقل والسلوكيات لاحقًا في حياته.

تعريف التنويم
تعريف التنويم أو الـ Hypnosis طبقًا لـ (American Psychological Association (APA هو حالة ذهنية مختلفة يصبح فيها الشخص متقبلًا وبقدر كبير للاقتراحات والتوجيهات الموجهة اليه، وهي حالة تعليمية، ويتعلم فيها الفرد كيف يمكنه التغلب على مشاكله الخاصة وتوليد سلوكيات جديدة إيجابية.

وهنا أضاف “رجب” أنه يجب تجنب العنصر المقاوم، مع ضرورة تجهيز الشخص وزرع مجموعة من الأفكار الإيجابية في عقله، لأن هذا يعني أن الشخص يجب أن يكون مستعدًا، وفي حاجة إلى هذا الأمر، وأشار إلى أن التنويم يتعامل مع شخص غير نائم، وإنما لديه حالة عالية جدًا من الوعي والإدراك والتركيز على فكرة واحدة.

استخدامات التنويم الإيحائي
وحول ما يعالجه التنويم الإيحائي واستخداماته؛ قال “رجب” إنه يستخدم كعامل مساعد قبل العمليات الجراحية، وتخفيف الآلام بعد العمليات الجراحية، وكعامل مساعد في الولادة والتخسيس وحالات الخوف المرضي، وكذلك مع بعض حالات السرطان، وأكد مجددًا أنه يستخدم كدعم وليس كعلاج.

أما بخصوص الفرق بين التنويم الإيحائي التقليدي والـ Clinical Hypnosis، فأوضح قائلًا إن “التنويم التقليدي فيه يغمض الشخص عينيه، ويسترخي ويركز على ثقته في نفسه وقدراته، ومن ثمّ يتم إعطائه بعض الرسائل والإشارات حتى يكون إنسانًا أفضل، أما في الـ Clinical Hypnosis فنبدأ بنفس الطريقة، لكننا ندخل في جذور المشكلة، كي نحلّها من تلك النقطة”.

الوعي والإقبال
حول مدى الوعي والإقبال على هذه الطريقة للعلاج في العالم العربي؛ قال “رجب” إنه بالمقارنة بين الآن وعام 2006، فإن الأمر تطور بشكل كبير جدًا، حيث أصبح الناس يقبلون على التنويم بوعي متفتح وبأعداد كبيرة، وذلك بسبب تأثيره.

فللأسف كان الناس يخافون أن يذهبوا لممارسي الـHypnosis، ولا يؤمنون بحقيقة وفاعلية التنويم من الأساس، ولكن مع كثرة التوعية حول التنويم أصبح الأمر مختلفًا تمامًا.

أما بالنسبة للأطباء والأوساط العلمية.. فإن العلاج بالتنويم قد بدأ منذ وقت قديم جدًا، منذ أيام “فرويد”، وقد تطور الأمر كثيرًا وصارت هناك مدارس مختلفة للعلاج بالتنويم، وأوضح “رجب” خلال الحلقة بعض هذه الطرق الجديدة للتنويم.

العلاج النفسي والتنويم
عن كيفية التفريق بين العلاج النفسي والعلاج بالتنويم الإيحائي، ومتى يمكن للشخص أن يذهب للمعالج النفسي، ومتي يجب عليه أن يذهب لممارس التنويم الإيحائي؛ قال “رجب” إن هذا الأمر يبدأ من عند المعالج النفسي، حيث يبدأ الأمر أولًا بالطبيب النفسي لعلاج الأعراض بالأدوية، ثم بعدها يتم تحويل الشخص إلى ممارس التنويم الإيحائي.

وتحدث “رجب” عن بعض الفروق في التقبل والاستعداد من الأشخاص لتلقي العلاج بالتنويم الإيحائي بين الدول العربية والدول الغربية مثل كندا والولايات المتحدة، مرجعًا السبب جزئيًا إلى التوترات والضغوط التي يتعرض لها الناس وحبهم لتقمص دور الضحية دائمًا، بالإضافة إلى مدى تقبلهم للاقتراحات والنصائح.

تأثير التنويم الإيحائي
عن كيفية إتمام جلسة التنويم الإيحائي؛ قام “رجب” بشرح المصطلحات الخاصة بجلسات التنويم الإيحائي، مشيرًا إلى أن أول مرحلة هى الـ induction، وفيها يتم تعديل الحالة الذهنية للوصول إلى الحالة الذهني المثالية لاستقبال المقترحات، بالنسبة لمرحلة المقترحات فإنها لا تكون بسيطة، ويشارك فيها الشخص أيضًا من خلال التعديل عبر الحذف أو الزيادة.

بعد الانتهاء من الجلسات يكون هناك تأثير عظيم على الشخص، ولكن يجب التأكد من أننا لا نتعامل مع أمراض نفسية، فالتعامل يكون مع شخص واعي جدًا ولديه ما يكفي من التركيز والاستعداد لتغيير حياته.

وأوضح “رجب” أنه من الممكن أن يقوم الشخص بمعالجة نفسه بنفسه بواسطة التنويم الإيحائي، ولكن الأمر يحتاج منه إلى تعلم ذلك جيدًا في البداية، كما أن المقاومة الذاتية للعقل تكون أكبر، لذلك فإن وجود شخص آخر يعطي نتائج أسرع وأفضل.

التنويم والطاقة الجسدية
أوضح “رجب” أنه يمكن شحن ومعالجة الطاقة الجسدية من خلال التنويم الإيحائي، كما تطرق إلى إجابة السؤال الأصعب “من أنت؟!”.

حيث أوضح أن علم النفس بيّن أنه لا توجد إجابة واضحة لهذا السؤال، مشيرًا إلى انشغال الشخص لدرجة تجعله لا يهتم بنفسه، كما تطرق “رجب” إلى أهمية ممارسة اللعب في حياة الناس، وعلاقته بعمر الشخص وحالته النفسية، وعلاقة اللعب بسؤال “من أنت؟”.

وتحدث “رجب” عن مجال دراسته، وعن بدايات دخوله إلى مجال التنويم الإيحائي منذ 14 عامًا، وكيف كان له تأثير واضح على حياته وتفكيره.

الموسيقى والتنويم الإيحائي
وعن علاقة الموسيقى بالتنويم الإيحائي؛ قال “رجب” إن الموسيقى مؤثرة جدًا، وهناك نوع من الموسيقى اسمه Binaural Beats، وهى ليست موسيقى بالمعنى المتعارف عليه، وإنما هى تحثّ الموجات العقلية، وتقنع العقل بأن هذه الموجات قادمة منه (أيّ من العقل نفسه)، لذا يمكن أن يستمع الشخص إلى موسيقى معينة تدخله في حالة من السعادة، لذلك يسمونها Digital drugs.

وأضاف أن هناك موسيقى استرخائية، وموسيقى الأصوات الطبيعية وغيرها، ولكنه أكد على أن صوت ممارس الـHypnosis عندما يكون هو الموسيقى في حد ذاته للشخص المتلقي، يعطى نتائج أفضل، لأن هذا يجعل المتلقي يستقبل المقترحات بشكل أفضل، ويقتنع أسرع.

التأثر والمشاعر
في الغرب؛ قد تكون المشاعر جافة بعض الشئ إلى حدٍ ما، فهل من الممكن أن يقوم التنويم الإيحائي بإعادة هذه المشاعر إلى طبيعتها؟

أجاب “رجب” أننا لا يمكننا أن نمنع أنفسنا من التأثر، خاصة من المحيط حولنا، فنحن نتأثر بما هو موجود حولنا بشكل لا إرادي، فنحن كائنات خاضعة، ومتقبلة للمقترحات والأوامر.

بعض الأشخاص عندما يسافرون للخارج، يتكيفون مع محيط غربتهم، ومع الاستمرار لفترة أطول يتعودون على ما همّ فيه، ولذلك فإنهم عندما يعودون إلى بلادهم يكون من الصعب عليهم جدًا أن يتكيفوا مع بيئتهم الجديدة، وهنا يأتي دور الـHypnosis في معالجة هذه النقطة، ومساعدتهم على التكيف، من خلال الحنين إلى الماضي nostalgia.

وفي ختام اللقاء؛ أعطى المدرب في مجال التنويم الايحائي “نهاد رجب” بعض النصائح الهامة للمستمعين.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى