الراديو

الإنسان ليس سلعة.. معًا للتوعية بجرائم الاتجار في البشر

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

بدأت ظاهرة الرق بالظهور في القرن الخامس عشر، وفي عام 1906م انتهى الاتجار بالبشر رسميًا، وأصبحت القوانين الدولية تمنع الاتجار بالبشر.

وأصبحت ظاهرة الاتجار بالبشر ظاهرة عالمية تؤرق المجتمعات والسلطات المجتمعية،حيث ظهرت عصابات منظمة تتاجر بالبشر وبأعضائهم البشرية استغلالًا لفاقتهم وحاجتهم، وهذا ما دعا دول العالم من خلال منظمة الأمم المتحدة وغبرها من المنظمات المتخصصة، أن تستنفر جهودها للوقوف في وجه هذه الظاهرة العالمية المستهجنة، والتي تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان.

شهر يناير هو شهر التوعية بجرائم الاتجار بالبشر، وبحسب الأمم المتحدة فإن الاتجار بالبشر هو أحد علل العالم الأكثر خزيًا، وهو إنتهاك دون رحمة لحقوق الإنسان يتضمن المتاجرة بحياة البشر وبيعها واستغلالها، وإهانتها، وتخريبها.

وليس هناك دولة محصنة، فملايين الأرواح على المحك، لذا فقد أكدت الأمم المتحدة أن “علينا اتخاذ موقف موحد وتسليط الضوء على هذه القضية، والزج بالمتاجرين وراء القضبان وتوفير الحماية والدعم الضحايا والمستضعفين”.

للتعليق على هذا الموضوع؛ استضافت الإعلامية “ليلى الحسيني”، عبر أثير راديو صوت العرب من أمريكا، الأستاذ “عماد حمد”، المدير التنفيذي للمجلس الأمريكي لحقوق الإنسان، لتسليط المزيد من الضوء على هذا الموضوع الشائك.

تجارة مخزية

* أستاذ عماد؛ نرحب بك معنا، ونستهل البداية لإلقاء الضوء على اختيار شهر يناير للتوعية بموضوع الاتجار بالبشر.

** أهلًا بكِ وبالسادة المستمعين، طبعًا.. شهر يناير هو شهر التوعية بالاتجار بالبشر كتحدي يواجه المجتمعات في العالم كله، وهو موضوع في غاية الأهمية والحساسية والدقة، وولاية ميتشجان من ضمنها.

بل إنها تعتبر هى الولاية رقم 2 في موضوع الاتجار بالبشر، والاتجار بالبشر هو تحدي مؤلم وموجع يواجه المجتمعات بأسرها، وليس فقط الجاليات العربية أو المسلمة بشكل خاص.

* أود أن أشير إلى أنه قد لفت نظري حديث وتساؤلات كثيرة، تسأل: ما هو الاتجار بالبشر؟، فكيف تعرّف لنا الاتجار بالبشر، خاصة لمن لا يعرف أو يدرك مدى خطورة هذا الأمر؟

** الاتجار بالبشر مثله مثل أي تجارة غير شرعية تقوم بها عصابة منظمة، رجال أعمال “مافيا”، لأجل المال وليس فقط لأي هدف آخر، بمعنى أنه مثلما توجد مجتمعات تواجه تحدي انتشار المخدرات، وغيرها من الآفات الاجتماعية المختلفة، فإن موضوع الاتجار بالبشر يعتبر أحدها، وكما سبق وأشرت في المقدمة، فإن هذا التحدي ليس جديدًا على المجتمعات، فهذا الأمر كان شائعًا، بل وكان مشرعًا.

الآن هذا قد حُرّمَ دوليًا، وأصبح غير قانوني، فتحول إلى مسار جديد، فقدت أصبحت تجارة البشر هى العبودية الجديدة، ولكن بقناعٍ جديد، فتجارة البشر تعني اختطاف البشر، وخاصةً صغار السن، والمتاجرة بهم، إما استغلالهم في قضايا العمل الجنسي أو بيع أعضائهم.

وهذه الظاهرة قد أصبحت منتشرة في كل بقاع العالم، خاصة في الدول الفقيرة، والدول التي هى عرضة للحروب والتشرذم، حتى المجتمعات المتطورة تعاني من هذه التحديات أيضًا.

ضحايا الاتجار بالبشر

* دعني أشير إلى أنه في الآونة الاخيرة قد تصاعدت ظاهرة الاتجار بالبشر في المجتمع الدولي، خاصة النساء والأطفال، فمن هم ضحايا الاتجار بالبشر؟، هل هم “الشريحة الأضعف” كما وصفت الأمم المتحدة؟

** بالدرجة الأولى فإن الأطفال، خاصة بعمر 12 إلى 14 سنة، هم أكثر ضحايا المتاجرة بالبشر، هذه الفئة هى أكثر فئة يُسلط عليها الجهد من قبل عصابات الاتجار بالبشر، هذا إلى جانب النساء، وأحيانا كبار السن، فالموضوع يعود في المقام الأول إلى مدى الفائدة التي ستعود على هذه العصابات من وراء جريمتهم.

هناك مناطق وبلدان تشهد حروبًا، فتكون عرضة أكثر لحالات الاختطاف والاستدراج، بطريقة أو بأخرى، تحت إعطاء أوهام وآمال زائفة للأطفال، من خلال الحديث عن مستقبل أفضل وأموال كثيرة وغيرها، وأمام هذه الإغراءات يقع الناس فريسة لهذا الموضوع، وأحيانا يتم الأمر تحت تهديد القوة، أو من خلال الاختطاف.

الأخطر في الأمر هو اختطاف الأطفال في سن صغيرة، لسرقة أعضاءهم الجسدية وبيعها، وهذه شائعة خطيرة في العالم كله، فهى تجارة بالملايين، وأحيانا الفقر المدقع يدفع الفقير إلى بيع جزء من جسده كي يحصل على الأموال، فالقضية في مجملها شائكة وحساسة، وتحتاج إلى توعية خاصة.

أرقام صادمة

* أرقام صادمة في تقارير صدرت وتصدر دائمًا، 35% ضحايا الاستغلال الجنسي، 40% ضحايا العمل القسري الذي يتضمن الاستغلال في الزراعة ومصانع النسيج، فكيف يغرر بهؤلاء الأطفال؟، ما هى الوسائل التي تستخدمها هذه المافيا وتجار البشر؟

** الأمر برمّته يقوم على الإغراءات، واستغلال الوضع النفسي أحيانًا، والوضع الاقتصادي القاسي الذي يعيشه هذا الانسان، بغض النظر عن العمر، ومحاولة إيهامه والتغرير به، فيتم استغلال هذا الانسان بألف طريقة وطريقة، وبذكاء حاد، واستدراجه ليصبح في النهاية أسير وضحية.

إلى جانب ذلك؛ هناك حالات الخطف، وإذا كنا نتابع نشرات الأخبار سنجد آلاف الصور التي تتحدث عن أطفال ونساء مفقودين، وغالبيتهم ينطبق عليهم المثل الذي يقول “خرج ولم يعد”، لأنه عندما يتم اختطاف هؤلاء الأشخاص، سواء بالإغراءات أو بالقوة الإجبارية، يتم وضعهم في أماكن محمية، وتحت ضغط نفسي شديد جدًا، ويتم عمل غسيل أدمغة لهم، لدرجة أنه يتم إقناعهم وإيهامهم بأنه إذا حاولوا الاتصال بأهلهم أو الشرطة أو بأي شخص للمساعدة، سيكون الثمن قتل أهلهم.

طبعًا لا أحد يتحمل هذه الضغوط، ويصبحون عبيدًا تحت سيطرة كاملة من تلك العصابات. الأخطر في الأمر، أنه يتم تجزئة أعضاء الجسم، وبيعها في حالة وجود طلب على أعضاء جسدية محددة مطلوبة في السوق السوداء للأعضاء البشرية.

مجتمعات متحضرة

* من قريب؛ سمعنا هنا في ميشجان عبر تليجراف، عن اكتشاف أحد المراكز التي تقوم بالاتجار في البشر، وقد تم الكشف عنه بعد أن شكّ الجيران في الأنشطة المريبة حوله. أيضا نسمع من حين لآخر عن شبكات دعارة في الولايات المتحدة أو المكسيك، ويتم فيها استغلال ومتاجرة بالنساء، وقد يتساءل البعض: أننا في بلاد متحضرة، كالولايات المتحدة، كيف لمثل هذه الأمور أن تحدث فيها؟

** على العكس تمامًا، فنحن نعيش في مجتمع كبير جدًا، وبه عدد سكان هائل، تقريبًا 350 مليون نسمة، به انفتاح تام على العالم، فالولايات المتحدة تواجه تحديات اجتماعية خطيرة جدًا، إسوة ببلدان أخرى في العالم.

وحتى المجتمعات الأوروبية المتطورة المتحضرة، التي يمكن أن تكون نسبة الجريمة بها أقل، تعاني من موضوع الاتجار بالبشر، فهذا الموضوع ظاهرة عالمية موجودة في كل المجتمعات، بنسبة متفاوتة.

الولايات المتحدة ساحة مفتوحة للتجارة، وإذا كنا نتحدث عن قضية خطيرة مثل المتاجرة بالبشر، فإن ثمة قضية أخرى توازيها في الخطورة وهى تجارة المخدرات، حيث ينتشر تعاطيها الآن وسط الأجيال الناشئة.

التوعية والارشاد

* خطورة هذه القضايا يستوقفني فيها عدم وجود توعية كافية في مثل هذه الموضوعات، خاصة وأن المؤسسات المجتمعية وسلطات القانون يجب أن تقوم بدور أكبر في التوعية والإرشاد، ما رأيك بهذا الأمر؟

** نحن في أمس الحاجة إلى التوعية، المؤسسات يجب أن تقوم بدور أكبر وأنشط في هذا الموضوع، وهذا لا ينفي أن الجميع يحاول الآن، وأعتقد أن الدوائر الأمنية باختلاف مستوياتها، سواء على مستوى الشرطة المحلية أو شرطة الولاية أو حتى الدوائر الفيدرالية، موجودون ومتكاتفون في هذا الصدد.

الآن لو أردنا أن نحيّد الدوائر الأمنية، وننظر للموضوع على مستوى الجالية العربية والإسلامية، سنجد أنه ليس هناك توعية كافية، وهناك حاجة ملحة جدًا للتوعية والإدراك والفهم، وهذا ما نقلنا من مرحلة النقاش إلى جولة جديدة ستكون في 25 يناير.

حيث سنتناول كيفية تدريب عدد من ابناء الجالية كي يصبحوا محاربين ومقاتلين ضد موضوع الاتجار بالبشر في أوساط الجالية، بحيث يكون لهؤلاء المشاركين المقدرة المعرفية والتقنية في محاربة هذه الظاهرة التي لم تسلم الجالية منها نهائيًا.

بلا ضمائر

* معنا الآن مداخلة تليفونية من إحدى المستمعات.

*** هذه جرائم بشعة، كيف يمكن لأفراد هذه العصابات أن يستحلوا لأنفسهم الأموال التي حصلوا عليها من وراء المتاجرة بأرواح البشر؟، أنا لا أتصور ذلك.

* شكرًا لكِ سيدتي؛ أنتِ تخاطبين أصحاب الضمائر الحية، ولكن أفراد مثل هذه العصابات لا ضمائر لديهم من الأساس، سأترك المجال للأستاذ “عماد” للتعقيب.

** أولًا؛ من الخطأ أن يعتقد أي إنسان أنه محصن، والمسؤولية الأولى والأساسية تقع على عاتق الأهل، وكيفية توطيد العلاقة مع أبناءهم، والتقرب منهم والتعامل معهم كأصدقاء، فنحن نعيش في مجتمع ملئ بالتحديات، وهناك ثقافة عامة مخيفة، وأمور تتخطى إرادة الأهل وطريقة تربيتهم.

ثانيًا؛ فإن الضحية ضحية، نحن أحيانًا نجلد الضحية وكأن الضحية اختارت أن تكون ضحية، فأي شخص فينا سواء أكان صغيرًا أو كبيرًا في السن، فالوقوع في هذا الفخ لا يعترف بالعمر، وإن كان الأطفال هم الأسهل في الإيقاع بهم، والآن نحن نعيش في عالم صغير جدًا بفضل شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وعلى مدار الساعة.

ولم يعد ممكنًا أن تحدث رقابة عائلية دقيقة على الأبناء، لمدة 24 ساعة، وحتى وإن تمكن الأهل من فعل ذلك داخل البيت، فمن المستحيل حدوثه خارجه، لذا لا يمكن أن نلوم الضحية، وحتى الدوائر الأمنية عندما تتعامل مع الضحايا، فإنها تعطي مجال واسع لمساعدة الضحايا وعلاجهم، فحتى هؤلاء من يتم احضارهم من بلدان أخرى إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني للمتاجرة بهم، ولكونهم ضحايا، فإن القانون الأمريكي يحميهم ويعطيهم إقامات، بل ويجنسهم أيضا، حتى يحميهم.

لذا من المؤسف؛ عندما نسمع عن الشئ، نندفع بشكل متعجل للوم الضحية، وكأن الضحية هى من اختارت أن تكون في هذا الموضع، أنا أعتقد أنه قد آن الآوان للجالية ولمؤسساتها أن تستثمر في المعرفة والإدراك بموضوع الاتجار بالبشر ومخاطره وآثاره التدميرية، ومن غير المسموح من الآن فصاعدًا أن يكون هذا الموضوع موضع خجل أو احراج، فجميعنا معرض للوقوع في هذا الأمر نظرًا لوجود طرق خلاقة ومتجددة لهذه العصابات.

فاعلية هامة

* قبل الختام؛ أودّ أن أسلط الضوء على الفعالية الهامة التي ستُقام في 25 يناير، Human Trafficking Awareness and Certification by Kelly Tallon Franklin، فهل لك أن تحدثنا عن هذه الفعالية؟

** نحن شعرنا بضرورة استمرار الحوار الصادق في هذا الموضوع الهام، وأن نعطي فرصة لمن يرغب أو يريد المشاركة الفعالة في هذا الأمر، لتسليط الأضواء على هذا التحدي وتعلم تقنياته، والحصول على شهادة تعطي هذا الشخص الإمكانية التقنية والمعرفية كتدريب مهني، ليصبح عين وأذن لمكافحة هذا التحدي الذي يواجهنا.

ونحن نركز على الجالية العربية بشكل عام، بكل أطيافها، لأن هذا الموضوع يعني الجميع، ولا يميز بين طائفة وأخرى أو مواطن وآخر، فهو يمكن أن يُطال أي ابن من أبناءنا، لذلك هذه فرصة ذهبية للمشاركة، والضيفة كانت هى إحدى الناجيات من محاولة اتجار بالبشر، وهى قادمة من كندا. وأعتقد أن هذه الدورة ستساهم كثيرًا في تحصين أبناءنا وأن تجعل جزء منا جنود يستطيعون محاربة هذه الظاهرة في أوساط جاليتنا.

 

* في الختام، جزيل الشكر لحضرتك، وأتمنى أن نلتقي مجددًا خلال شهر يناير للحديث أكثر عن هذا الموضوع، والتوعية به.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى