الراديو

مرض السرطان وفرص الإنجاب.. نصائح هامة

 د. فائق نيكولاس شمَا يجيب: كيف يمكن لمريض السرطان الحفاظ على خصوبته؟

 

راديو صوت العرب من أمريكا – أجرى اللقاء: ليلى الحسيني

أعده للنشر: هارون محمد ومروة مقبول – تحرير: علي البلهاسي

هل يمكن لمريضة السرطان أن تتخذ قرارًا بالحمل؟.. هذا السؤال كان محور اللقاء الشهري لبرنامج “طبيب وراء الميكروفون”، عبر أثير راديو صوت العرب من أمريكا، مع الدكتور فائق نيكولاس شمّا، الحاصل على البورد الأميركي في أمراض العقم، وأخصائي الغدد الصماء والأمراض التناسلية، وهو أحد المتخصصين الرواد في مجال الغدد الصماء واختصاصي العقم في أميركا والشرق الأوسط، ومؤسس مراكز IVF Michigan Center.

كنا قد ناقشنا مع الدكتور “شما” في اللقاء السابق موضوعًا هامًا، وهو الخصوبة عند الرجل والمرأة، والأمراض التي يمكن أن تؤثر عليها، خاصة وأن هناك دراسات تفيد بتراجع معدلات الخصوبة عالميًا، وتناولنا في هذا الإطار الأمراض المزمنة وتأثيرها على الخصوبة، وكيف نتعامل معها عند حدوث حمل.

واليوم نطرح سؤالاً هامًا يتعلق بهذا الموضوع، وهو: هل يمكن لمريضة السرطان أن تتخذ قرارًا بالحمل؟، وما هي فرص المرأة في الحمل إذا كانت تتلقى العلاج الكيماوي بسبب السرطان؟، وهل يمكن إنجاب طفل سليم بعد العلاج الكيماوي؟، وما مدى إمكانية تأثير العلاج الكيماوي على خصوبة الرجل؟.

صدمة السرطان

* دعنا نبدأ دكتور بالحديث عن أهمية أن يكون المريض إيجابيًا، فنحن للأسف تحدث لنا صدمة إذا علمنا أننا قد أصبنا بمرض ما، فما بالنا بمريض السرطان؟، هل تتفق معي دكتور أن التعامل بقدر من الإيجابية في استقبال المرض يعزز فرص الشفاء؟

** للإجابة على سؤالك أطرح أمرين مهمين، الأول أن التغلب على أي مرض يتطلب التدخل الطبي لعلاجه، لكن الأهم هو إيجابية تعامل المريض مع المرض، والتي بدونها لن يفيد العلاج بالأدوية. والأمر الثاني أن الإحصائيات تقول إن الأطفال من عمر سنة إلى  15 سنة إذا أصيبوا بالسرطان فإن 80% منهم يتم شفائهم تمامًا، ويعيشون بعدها حياة طبيعية، وإذا قارنا نسبة المصابين بالسرطان إلى نسبة الذين يتوفون بسببه سنجد أن ثلث المصابين فقط يتوفون بسبب السرطان، أما الثلثين فيتم شفاؤهم ويعيشون حياة طويلة .

وما أريد أن أقوله هنا أن إيجابية التعاطي مع المرض، تساعد الإنسان أن يتجاوب مع العلاج وتزيد نسبة الشفاء من أي مرض، سواء كان العقم أو السرطان أو الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط.

إيجابية المريض

** هذا يعني أهمية رد فعل الإيجابي بالنسبة للمريض، لكن هذا قد يبدو صعبًا بالنسبة للبعض، فأنا مثلاً إذا اكتشفت أني مصابة بمرض مزمن ستحدث لي صدمة عاطفية ونفسية وجسدية، وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى أعتاد على إصابتي بالمرض. وهناك دراسة بجامعة “وست كانسيس” تقول بأن الأشخاص الذين يمارسون التفكير الإيجابي يكافحون الأمراض بشكل أفضل بكثير من الأشخاص الذين يدخلون في اكتئاب حاد بسبب الإصابة بالسرطان أو العقم أو بأي مرض آخر.

من هنا أريد أن أعرف منك دكتور كيف يمكن أن نتجاوز الصدمة، وأن نتعامل بإيجابية مع المرض ومع العلاج حتى ننجو من هذا المرض ونعيش حياتنا؟

** صحيح، فالفكر الإيجابي يتطور إلى فعل إيجابي، فمثلاً قد يصاب مرض الضغط بصدمة فيسارع بالبحث عن أدوية للعلاج منه، في حين أنه لو تعامل مع المرض بإيجابية فسيكتشف أنه يمكنه التخلص من الضغط بإنقاص وزنه. فالتفكير الإيجابي مهم جدًا، وهو لا يعني فقط فكر الإنسان تجاه مرضه، ولكن فكره الإيجابي تجاه عائلته والناس الذين يحبونه، وفكر هؤلاء تجاه مرضه.

* يسمع المريض ممن حوله كلمات عديدة يمكن أن تؤثر عليه بصورة سلبية، مثل كلمة “الله يعينه” و”يا حرام”. فكيف يمكننا أن نتعاطف مع المريض بشكل صحيح، ونساعده على تجاوز هذه المرحلة الصعبة في حياته؟.

** هناك في الإنجليزي كلمات مثل (empathy)، و(Sympathy). وليس علينا فقط أن نبكي على الأطلال وعلى الناس الذين يعانون من مرض أو مشاكل معينة. فلابد علينا أن نشعر بهم ونساعدهم على أن يتجاوزوا هذه المرحلة، وهذا أمر مهم جدًا، وأتمنى من مجتمعنا أن يكون أكثر وعيًا وتجاوبًا في مثل هذا الأمر.

السرطان والخصوبة

* يعتبر مرض السرطان ثاني أكثر أسباب الوفاة انتشارًا في الولايات المتحدة، لكن معدلات النجاة من العديد من أنواع السرطان بدأت في التحسن، ويرجع الفضل في ذلك إلى تطور وسائل اكتشاف السرطان وعلاجه، ما مصداقية هذه المعلومة دكتور؟

** معلومة صحيحة، لكن نسبة الوفيات بسبب هذا المرض تصل تقريبا إلى الثلث بين المصابين، ومعنى هذا أن أغلب المصابين يعيشون ولا يموتون بسبب المرض.

* هل توجد علاقة مباشرة بين أمراض السرطان والخصوبة؟

** دعينا هنا نفرق بين الرجال والنساء، فبالنسبة للنساء يمكن أن نقول إن المصابات منهن بالعقم لسببين معينين يكن أكثر عرضة للإصابة بأمراض السرطان خاصة في المبايض، وهناك سببين على الأرجح لهذا الأمر، الأول أنهن يعانين من تكيس المبايض أكثر بكثير من غيرهن، والسبب الثاني أنه يمكن أن يكون لديهن شيء اسمه Endometriosis، أو متلازمة تعدد التكيسات، وهما من أسباب زيادة نسبة الإصابة بالسرطان عند النساء.

أما عند الرجال فالعقم ليس له علاقة كثيرة بالأمراض السرطانية إلا في حالتين معينتين، فهناك رجال تكون الخصية لديهم في البطن، بمعنى أنها لا تكون ظاهرة أسفل البطن، وهذا أيضًا يصيب 3 بالمائة من الحالات. حيث أنها عندما تكون في وسط البطن تكون مُعرضة للكثير من الأمراض السرطانية، حتى إذا نزلت فيما بعد، وذلك لأنها ظلت فترة كبيرة داخل البطن، وبالتالي تكون أكثر عُرضه معرض أكثر للإصابة لأمراض سرطانية بالخصية بالذات. ولا توجد علاقة غير هذين السببين بين الأمراض السرطانية عند الرجال أو النساء، ولهما علاقة فقط بسرطان الخصية عند الرجال وسرطان المبيض والثدي عند النساء.

* ماذا تقصد بالسيدة التي لديها عقم؟

**هناك نساء عندهن عقم Infertility، فإذا كانت السيدة لا تستطيع الإنجاب لأن لديها تكيس المبايض ولم تأتها العادة منتظمة فهي معرضة للإصابة بسرطان الثدي أكثر بمرتين من غيرها، ومعرضة أيضا للإصابة بسرطان الرحم، وإذا لم تأتها العادة بصورة منتظمة وكانت تأتي مرة واحدة في السنة، فغشاء الرحم سيكبر كثيرًا ويصاب بأمراض سرطانية وأمراض خبيثة بسبب عدم انتظام الدورة الشهرية.

* إذًا لا علاقة مباشرة بين العقم والإصابة بالسرطان إلا من خلال الحالات التي ذكرتها دكتور.

** صحيح.

خصوبة الرجال

* دكتور دعنا نبدأ بالرجال، فما التأثير المباشر بالنسبة للسرطان على الخصوبة والعلاج، وما هي آلية التعامل معه؟

** يتأثر الرجل بالفترة التي يصاب بها بالسرطان، فإذا أصيب الولد بالسرطان قبل مرحلة البلوغ، أي قبل سن 12 أو 13 سنة، فهذا يخلق له مشكلة صحية، لعدة أسباب أولها أنه لا يمكن أن يتم الاستئصال له قبل أن يتكون لديه سائل منوي، فنحن نريد أولاً سائل منوي لكي نجمده، ثانيًا أن أدوية الأمراض السرطانية للأولاد، خاصة التي لها علاقة بأمراض سرطان الدم، تؤثر في أغلب الحالات على قدرة عمل الخصية المسئولة عن تكوين السائل المنوي، وهناك دراسات تقول إنه في هذه الحالات نأخذ عينة من الخصية ويتم تجميدها، حتى يمكن بعد فترة أن نستخدمها لتكون نطفة، ولكن هذه الدراسات لا تزال قيد الاكتمال، وليس لدينا حتى الآن وسيلة لحل هذه المشكلة.

* هذا يعني أن الأطفال الذين يمكن أن يصابوا بسرطان في عمر صغير، ويتلقون العلاج الكيماوي، يمكن أن يؤثر ذلك على الطفل وقدرته على الإنجاب لاحقا، وهذا أمر خطير لابد أن يصل الطب إلى حل له.

** لا توجد الكثير من الحلول لهذه المشكلة، ولكن أحد الحلول أن يتم إعطاء الولد علاج كيماوي لا يؤثر كثيرًا على عمل الخصية فيما بعد، ولكن أحيانا تكون هناك حالات تتطلب علاج كامل حتى وإن كان له تأثير على الخصوبة، فحياة الإنسان أكثر أهمية من مسألة قدرته أو عدم قدرته على الإنجاب لاحقًا، فالمهم أن يعيش.

ولكن إذا أصيب الأولاد بهذا المرض في عمر 12 – 18 سنة، أي في فترة البلوغ التي ستطيعون فيها تكوين سائل منوي، وإذا تبين أنهم مصابون بسرطان من أي نوع، فهناك الكثير من الأسئلة والأجوبة التي يجب أن نعمل عليها بشكل سريع، منها أولاً أنه إذا كان هناك مجال لأن يتم تأجل العلاج إلى يومين أو ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة، حتى يستطيع الولد أن يعطينا سائل منوي قدر المستطاع يمكن تجميده، حتى إذا أراد أن ينجب فيما بعد يكون لدينا سائل منوي خاص به. وهناك أمراض لا يمكن أن يتم تأجيلها لمدة 5 أيام، وهناك حالات طارئة تأتينا ويقولون لنا أن الطفل سيكون بالمستشفى بعد يوم أو يومين، وسيبدأ بالعلاج الكيماوي.

* هذه النقطة مهمة جدًا، وطالما نحن في بلد متقدم طبيًا، فيجب أن نفكر في المستقبل، و أن الولد عندما يتم شفاؤه إن شاء الله يمكنه أن ينجب عن طريق السائل المنوي الذي أخذناه منه وتم تجميده، وهذا أمر يجب أن يكون هناك وعي وانتباه له، وأن تتم متابعته مع الطبيب، فهل هذا صحيح دكتور؟

** هذا أمر مهم جدًا، ولا بد أن تتم استشارة الطبيب المعالج للمرض الخبيث، لمعرفة هل يستطيع الأهل تأجيل علاج الولد من المرض الخبيث إلى حين أخذ سائل منوي منه، وأحيانًا يتطلب الأمر استشارة مباشرة سريعة مع أطباء مثلنا، فيحدث أن يتصل الأهل بي علي الساعة 5 مساء ويقولون إن الولد في المستشفى ونريد أن نجمد له السائل المنوي، وتكون هذه حالة طارئة.

* التنسيق طبعا مع الدكتور المعالج هي النقطة الأولى، وأحيانًا تكون هذه المعلومة غير معروفة بالنسبة لنا، فما هي نسبة من يعرفون بهذا الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية؟

** هناك دراسة أجريت مؤخرًا أظهرت أن 30 بالمائة فقط يعرفون أن هناك مجال للاحتفاظ بسائل منوي، وهذا يعني أن الثلثين لا يعلمون، فلماذا لا نخبر الأهل أن هناك مجال أن الولد يستطيع أن ينجب وليس لديه مشكلة أبدًا.

طفل الأنبوب

* هل يمكن أن تواجه عملية الإنجاب بواسطة السائل المنوي أية مشاكل؟

** هناك حالات قد تواجه مشاكل، فعلى سبيل المثال نعرف أن سرطان الخصية يصيب الرجال عادة في عمر صغير، أي بين عمر 20 إلى 40 عامًا تقريبًا، وهناك دراسات أثبتت أن الولد أو  الرجل المصاب بسرطان الخصية لا يكون سائله المنوي بحالة جيدة. وهذا أمر مهم جدًا، لأنه عندما نجمد مثل هذا السائل المنوي لابد أن نقول للأهل أن هناك مشكلة، فمن الممكن أن يضطر هذا الرجل بعد فترة أن ينجب عن طريق طفل أنبوب أو أي شيء ليستفيد من هذه الكمية القليلة أو الضئيلة التي يملكها من السائل المنوي، لأن 60 بالمائة من هذه الحالات يكون فيها السائل المنوي غير جيد.

* كما فهمت منك دكتور فإنه عندما يتم تجميد السائل المنوي، يكون الحل الوحيد للإنجاب بعد الشفاء هو طفل الأنبوب، هل ما فهمته صحيح؟.

** ليس دائمًا، ولكن سأوضح لكِ لماذا يكون طفل الأنبوب دائمًا هو الحل الأفضل. فعلى سبيل المثال إذا كان لدينا عينتان من السائل المنوي، ستنحصر فرصة المريض في القدرة على الإنجاب على هاتين العينتين. ونحن الرجال نستطيع تكوين ألف نطفة كل ثانية ولكني أعطيك مثل في كل ثانية إذا لم تكن لدينا مشاكل صحية، ولكن المريض لديه عينتان فقط، وإذا أجرينا عملية تلقيح insemination ستكون نسبة النجاح 4 أو 3 بالمائة، بينما فرص نجاح طفل الأنبوب 70 بالمائة، إذًا فأيهما أفضل؟!، أكيد طفل الأنبوب.

فطفل الأنبوب في مثل هذه الحالات يكون أحسن وأوفر كثيرًا من عمل تلقيح بالرحم، لأن فرص نجح التلقيح ضئيلة جدًا، خاصة وأن قدرة السائل المنوي تكون ضعيفة في حالات كثيرة من الأمراض السرطانية.

وبالنسبة للرجال لابد أن نذكر أن العلاج الكيماوي في عمر كبير أيضًا يؤثر على قدرة الرجل على تكوين النطفة، كما تؤثر في ذلك أيضًا الجرعة الإشعاعية، ونحن نقيس كمية الجرعة الإشعاعية بمقدار نسميه جراي (Gray)، فإذا تعرض رجل لمقدار إشعاع 1.5 جراي تقريبا، هذا فهذا يمكن أن يؤثر على السائل المنوي، وإذا تعرض لـ 1 جراي يمكن أن ينتظر من سنة إلى سنتين ليكون قادرًا على تكوين نطفة. وإذا تعرض لإشعاع بمقدار 5 جراي،  فيمكن أن يحتاج من 5 إلى 6 سنوات ليكون قادرًا على تكوين نطفة.

فإذا تعرض شخص لجرعة إشعاعية خاصة عن الخصية للرجال أو عند المبيض للنساء، فإن هذه هذا يؤثر كثيرًا على قدرة الخصية على تكوين نطفة، وقدرة المبيض على تكوين بويضات.

العلاج والزواج

* لدي سؤال من مستمع يقول إنه مصاب بسرطان بالدم، ومازال في مرحلة الخطوبة، فما مدى تأثير العلاج الكيماوي على حياته الزوجية وعلى قدرته على الإنجاب، وما نصيحتك له؟

** لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال لأسباب بسيطة، وهي أنني لا أعرف نوع السرطان المصاب به، فهناك الكثير من الأمراض السرطانية، وكل مرض له علاج كيمائي أو علاج بالأشعاع أو بالعمليات.

والمفروض أن الأطباء الذين يقومون بعلاجه أن يكونوا حريصين على عدم تأثر قدرته على الإنجاب في المستقبل بنوع العلاج الذي يتلقاه، فمثلاً إذا كان هذا الشخص قد بدأ العلاج الكيماوي دون أن تؤخذ منه عينة سائل منوي لتجميدها فهذه مشكلة، لأن العلاج سيكون قد أثر عليه، وتأثير العلاج الكيماوي ليس فقط على قدرة الخصية على تكوين النطفة، وإنما يؤثر أيضًا على جينات النطفة، لذلك نقول للرجال الذين يأخذون علاج كيماوي أن ينتظروا على الأقل لمدة سنة بعد انتهاء العلاج الكيماوي قبل أن يجربوا أن ينجبوا.

* بالنسبة للمستمع الذي سألنا، أعتقد أن سؤاله له شق ثاني، وهو تأثير العلاج الكيماوي على قدرته على الزواج، هل هناك علاقة مباشرة؟

** لن تكون هناك أي مشاكل بالنسبة لقدرته على الزواج أو قدرته على الجماع والمعاشرة الجنسية، إلا في حالة واحدة، وهي إذا كان العلاج له تأثير على الرأس، وبالتالي لن تكون هناك هرمونات لتفرز الخصية هرمون التستوستيرون، أي هرمون الذكورة، وإذا توقفت الخصية عن إنتاج التستوستيرون ستقل القدرة على المعاشرة.

المواد الكيماوية

* قبل أن ننتقل من الرجال إلى النساء، نود أن تعطينا نصيحة لمن اكتشف بأنه مصاب بالسرطان، فقد أشرت مسبقا أن المواد الكيماوية وليست الأشعة فقط تؤثر كثيرًا على الخصوبة وطبيعة العمل والطعام، وأتمنى أن تذكر المستمعين أن التعرض لكل المواد الكيماوية وللأشعة يمكن أن يؤثر على الخصوبة بشكل عام، أليس كذلك؟

** الأرجح أن المواد الكيماوية أحد السببين الرئيسيين في ذلك، وإلا فلماذا تقل نسبة الخصوبة عند الرجل في الولايات المتحدة وفي العالم، ولماذا تراجع عدد النطف في السنوات الخمسين الماضية بنسبة 50 بالمائة. طبعًا السبب الأول والأخير هو المواد الكيماوية التي نتعرض إليها في المجتمع، ومن المهم أن نتفادى قدر المستطاع الأشياء الأخرى التي تؤثر على الخصوبة، فمثلا كيف يعقل أن يكون هناك رجل مصاب بالسرطان ويدخن، كيف نقوم بهذه الممارسات مع أنها تؤثر سلبا على حياتنا وصحتنا وقدرتنا القدرة على الإنجاب.

* إذاً دكتور إذا أردنا أن نلخص نصيحتك لمستمعينا من الرجال، ماذا تقول لهم الآن؟

** أول نصيحة مهمة جدًا أن الأهل عليهم أن ينتبهوا، لأن هناك مجال يستطيعون من خلاله أن يساعدوا أولادهم وذويهم ليتخطوا الأمراض السرطانية، والعلاجات المتوافرة حاليًا جيدة، ولكن إذا استطاعوا أن يتخطوا مرض السرطان فيجب ألا ينسوا أن هناك مجال لتجميد السائل المنوي لكي يتم استعماله في المستقبل، حتى يستطيع هذا الولد أو الرجل الإنجاب فيما بعد. وهناك من يتأثر بالضغوط النفسية للمرض ويقول: أنا لازم أعيش أولاً وليس هذا وقت التفكير في الإنجاب، لكن من المهم تجاوز هذه الضغوط والتفكير في علاج متكامل يستطيع الإنسان من خلاله أن يعيش ويشفى من السرطان، ويستطيع أن ينجب أيضًا في المستقبل ويعيش حياة كاملة.

خصوبة النساء

* أسئلة كثيرة وردت إلى البرنامج تتعلق بالحمل والخصوبة عند النساء، ومنها هل من المستحسن الحمل خلال العلاج من السرطان؟، وهل يمكن أن يؤذي هذا العلاج الجنين؟، وما الذي يجب مراعاته عند الحمل؟، وهل هناك نوع معين من السرطان لا يمكن معه الحمل؟، وهل الحمل بعد الشفاء من السرطان أمر ممكن؟،

الأسئلة كثيرة دكتور، ولكن دعنا نبدأ بسؤال هل من المستحسن الحمل خلال العلاج من السرطان؟، فربما اكتشفت قبل الحمل أنني مصابة بالسرطان، هل يمكن وقتها أن أحمل؟

** بالنسبة لموضوع الشرطان وتأثيره على الخصوبة والحمل عند النساء السؤال الأول ليس هو هل يمكن أن تحمل المرأة أم لا؟، وإنما متى يمكن أن تصاب المرأة بالسرطان؟، فمثلاً بعض النساء يعتقدن أن سرطان الثدي يحدث بعد توقف العادة الشهرية، ولكن 25 بالمائة يصبن به في عمر صغير.

أما بالنسبة للحمل بعد الإصابة بالسرطان فالأمر يتوقف على نوع السرطان، فإذا أصيبت المرأة بالسرطان وأرادت إجراء عمليات تؤثر على قدرة المبيض في إنتاج البويضات، سيكون هناك مجال عندها للحمل والإنجاب، لكن هذا الأمر عند النساء معقد أكثر من الرجال، لأن الرجال يعطونا السائل المنوي ونقوم بتجميده، ولكن بالنسبة للنساء يجب أن يتعاطوا م منشطات كل 10 – 15 يوم، مثلما يحدث عند إجراء عملية طفل الأنبوب، وعندما تنتج البويضات  نأخذ هذه البويضات ونجمدها. وإذا كانت المرأة متزوجة وأصيبت بالسرطان، فيمكن أن يتم تجميد هذه البويضات ليس فقط كبويضات، وإنما يمكن تجميدها كأجنة، لأن هذه أفضل بكثير من تجميدها كبويضات.

* إذًا دكتور فالسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا كسيدات، هو ماذا أفعل إذا علمت بأني مصابة بالسرطان؟

** أولا يجب أن تقرري أي نوع من السرطان أصيبتِ به، فإذا كان سرطان له علاقة بالهرمونات مثل سرطان المبيض أو سرطان الثدي أو سرطان الرحم، فالأمر هنا يختلف. فالأمر يتوقف على نوع السرطان ومكانه، فمثلاً بالنسبة لسرطان الثدي هناك أنواع منه يكون الهرمون فيها إيجابي (أوستجين – بروجسترون).

مثلاً، في حالة سرطان المبيض لابد أن يتم استئصال المبيض، وإذا تم استئصاله فلن تستطيع المرأة تكوين البويضات، وأيضً في حالة سرطان الرحم إذا تم استئصال سرطان الرحم أو تعرض لأشعة، فالرحم لن يعمل. فكل شيء يتوقف على مكان السرطان ونوعه. ثم نأتي إلى مرحلة العلاج سواء كان كيماويًا أو جراحيًا أو إشعاعيًا، فكل هذا لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار. وأهم سؤال هو: هل نستطيع أن ننتظر قبل البدء بالعلاج؟، وكم من الوقت يمكننا أن ننتظر؟، وما الفائدة من العلاج؟.

آلية العلاج

* هناك عدد كبير من السرطانات، وبالتأكيد تختلف آلية العلاج والتعامل معها، وهذه نقطة مهمة مهمة يجب أن نركز معك عليها دكتور.. فبماذا تنصح؟

** هناك نوعين مهمين من الأمراض منتشرين لدى الكثير من النساء، وهما سرطان الثدي ومرض الغدة الدرقية، فبعد أن يتم استئصال الغدة تعطى النساء نوع من اليود يؤثر كثيرًا بالسلب على قدرة المرأة على الإنجاب، ويمتد هذا التأثير تقريبا لمدة سنة كاملة، لأن عنصر اليود يظل في الجسم لفترة طويلة، فلا تستطيع المرأة أن تحمل، ولا يجب أن تحمل، لأن اليود يؤثر كثيرًا على الطفل وهو في الرحم وعلى الغدة الدرقية لديه، ورغم أنه مع العلاج يتعافى 95 بالمائة من النساء ولا يحدث لديهن أي تأثير سلبي لاحقًا، لكن الأفضل بالنسبة لهن هو الانتظار لحين التأكد من عدم وجود أي آثار سلبية يمكن أن تؤثر على الحمل أو على الجنين.

والمرض الثاني هو سرطان الثدي، فربما يتم أخذ بويضات من المريضة وتجميدها، ولكن هذا لا يعني أنها بمجرد أن تنتهي من العلاج تستطيع الحمل ووضع الأجنة بالرحم، فهذا غير ممكن، لأنه بعد العلاج هناك أدوية لابد أن تستمر لفترة معينة لتثبت لنا أن العلاج نجح، وربما يتطلب الأمر الانتظار لمدة 5 سنوات حتى نتأكد من أن السرطان لم يعود مرة أخرى للجسم، وبعدها نقرر ما إذا كان يمكن للمتعافية من المرض أن تحمل وتنجب أطفال، لأن الحمل يؤثر كثيرًا على سرطان الثدي من ناحية الهرمونات التي يتم إفرازها في فترة الحمل، لذلك ننتظر لكي نتأكد من عدم عودة المرض الخبيث قبل أن نجعلها تحمل مرة أخرى.

* إذًا دكتور إذا عرفت أنني مصابة بمرض السرطان، فنوع المرض ومكانه وكيفية ومدة العلاج جميعها عوامل تؤثر في إمكانية أن أحمل أم لا؟

** صحيح، أعطيك مثال على ذلك، فدائما ما يأتينا نساء يقلن إنهن مصابات بالسرطان وأخذن العلاج الكيماوي أو الأشعة أو قمن بجراحة مما أدى لتوقف المبيض عن العمل كليًا، فأصبحن في فترة تسمى بالإنجليزية Menopause، فهؤلاء ليس لديهن مجال للحمل أبدا إلا إذا استعملن بويضات أو أجنة تم تجميدها مسبقًا، أو يستعملن بويضات من امرأة أخرى إذا كان الرحم لا يزال سليمًا. وهذه الحالات لابد على النساء أن يكن على دراية بها ويتعاملن معها بطريقة إيجابية.

استغلال الفرصة

* لو أن هناك سيدة غير متزوجة ومصابة بالسرطان وتم علاجها، فكما قلت أن 30 بالمائة من الدراسات تقول لها أن العلاج الكيماوي يمكن أن يفقدها القدرة على أن تصبح أم مستقبلا.. هل هذا صحيح؟

** لا، ربما فهمتي موضوع الـ 30 بالمائة خطأ، فأنا أقصد أن 30 بالمائة فقط يتم إخبارهن أن لديهن مجال آخر للإنجاب عن طريق تجميد البويضات، و70% لا يتم إخبارهن بذلك.

* صحيح دكتور، فالأغلبية لا تجد من يخبرها بذلك، وأنا لدي حالة خاصة بإحدى الصديقات من خارج أميركا أصيبت بسرطان العقد الليمفاوية، وشفيت شفاء تامًا والحمد لله، ولكن بعد العلاج لم يذكروا لها هذا الأمر الخاص بتجميد البويضات. وهي في عمر 29 سنة حاليًا لكنها اكتشفت أن الدورة الشهرية لا تأتيها بانتظام، وقالوا لها إنها لا يمكن أن تحمل بعد ذلك، وكان الموضوع كارثي بالنسبة لها، فرغم أنها كانت سعيدة جدا بأن الله شفاها من السرطان، إلا أنها أصيبت باكتئاب حاد بسبب الخبر الصاعق بأنها لا تستطيع الحمل ولا تستطيع أن تصبح أم في المستقبل.

** هذا ما نقوله اليوم للناس، لأن أغلب الأطباء وحتى في أميركا، لا يذكرون للنساء أو الرجال من المصابين بالسرطان أن هناك مجال لأن يتفادوا هذا الوضع الكئيب لاحقًا إذا تم تجميد البويضات أو السائل المنوي، ولكن لا يجدون من يقول لهم ذلك، وربما يعلمون ذلك بعد فوات الأوان، فإذا توقفت العادة الشهرية وتوقف عمل المبايض وماتت كل البويضات فستكون هذه  مشكلة عقم لا نستطيع أن نتفاداها إلا إذا استعملنا بويضات من امرأة أخرى، وهذه الأشياء هناك من يتقبلها وهناك من لا يتقبلها لأسباب دينية أو نفسية.

* إذن دكتور، دعنا نتوقف عند حالة السيدة غير المتزوجة المصابة بالسرطان، والتي تعرضت لأشعة أو كيماوي في علاجها، ولم يخبرها أحد بأن العلاج سيؤثر على فرصها في الإنجاب مستقبلاً، ربما لا يوجد حل آخر أمامها، هل هذا صحيح؟.

** لا يوجد حل آخر، فالحل كان يمكن أن يقال لها قبل إعطاءها العلاج، والمشكلة أن الحل الذي يمكن أن نقوله للمرأة قد لا نستطيع أن ننفذه، فمثلا إذا أصيبت امرأة بسرطان الدم، وتلقت العلاج في فترة بين سن 24 و48 سنة، فلن يكو هناك وقت لأخذ بويضات من المبيض، والحل الوحيد في مثل هذه الحالات أن يتم إجراء عملية لها ويتم أخذ جزء من المبيض وتجميده. لكن هذه الطريقة لا زالت قيد الدراسة لمعرفة ما إذا كان هذا الجزء الذي أخذناه من المبيض نستطيع أن ننتج منه بويضات لتكون أجنة في المستقبل. وأحيانا يكون الحمل خطر على حياة المرأة، لذلك فالعلاج يجب أن ننظر إليه من كل النواحي لنقرر ما إذا كان العلاج مناسب لحالة الشخص أم لا.

المريضة الحامل

* كنا نعتقد أن المرض نفسه هو الذي يؤدي إلى العقم، لكن تبين أن العلاج هو الذي يؤدي إلى العقم، هل هذا الكلام دقيق دكتور أم لا؟

** صحيح، لكن ليس دائمًا، فمثلا إذا أصيبت امرأة بسرطان الرحم وليس عنق الرحم، فعلاجه سيكون استئصال الرحم، وهنا سيكون المرض هو السبب في العقم، وهناك نقطة لم نذكرها، وهي ما ماذا يحدث إذا ظهر السرطان والمرأة حامل، فهذه مشكلة صعبة جدًا.

* يمكن أن نترك هذه النقطة للحلقة القادمة دكتور إذا كان الموضوع يتطلب وقتًا.

** لا.. دعيني أخبركِ، فهذه الحالة التي ذكرناها الآن لها علاقة بموضوع النساء والعقم، وأنا لست متخصصًا جدًا في هذا الموضوع لأخبرك ماذا سيحدث أو ما العلاجات التي يمكن إعطاؤها للمرأة إذا حدث لها سرطان وهي حامل، فهذه الحالة لا نعالجها من ناحية العقم، فنحن عادة نحولهم إلى أطباء آخرين متخصصين في الأمراض السرطانية في وقت الحمل، لمعرفة ما هو تأثير السرطان على المرأة إذا ظلت حاملة لتسعة أشهر، وهل يجب أن نوقف الحمل حتى ننقذ المرأة من المرض السرطاني.

* دكتور.. هل يمكنني أن أشاركك حالة لإحدى صديقاتي في شيكاغو لم تكن مصابة بالسرطان، وحملت، لكنها أصيبت بالسرطان وهي في الشهر السادس، فانتظرت شهرًا ثم أجرت عملية ولادة قيصرية، لتبدأ بعدها العلاج الكيماوي، ومازالت حتى الآن تتلقى العلاج، لكنها تسأل: هل أستطيع أن أحمل في الفترة القادمة أم لا؟، وتسأل أيضًا: أنا لدي بنتين، فهل السرطان يصيبهما أم لا؟، وهل ينتقل هذا المرض للمولود أم لا؟، هل يمكن أن تفيدها في هذا الموضوع؟.

** سؤالها وجيه، لكن الإجابة عليه تتطلب أولاً معرفة نوع السرطان المصابة به.

* مصابة بسرطان الثدي.

** سرطان الثدي هو “أوستجين بوزاتيف، بروجسترون بوزاتيف”، لذلك فلا يجب عليها أن تحمل لفترة لا تقل عن 5 سنوات لنتأكد من أن السرطان لن يعود، ويمكن وقتها أن يكون سنها قد أصبح كبيرًا وقدرتها على الإنجاب ضعيفة، ولكن إذا تبقى لديها بويضات يمكن أن نأخذ منها بويضات بعد فترة معينة ونجمدها، وإذا أخبرها الأطباء أنها تستطيع أن تحمل تستطيع أن تأخذ البويضات لتحمل. لكن بصفة عامة يتوقف التعامل مع كل حالة على نوع السرطان، فحتى سرطان الثدي له عدة أنواع.

* إذن دكتور إذا أردت أن تعطي نصيحة للسيدات فيما يتعلق بموضوع السرطان وقرار الحمل فماذا تقول لهن في الختام؟

** سأجيب أولاً على سؤال صديقتك بشأن انتقال مرض السرطان من الأم للطفل، وأقول إن هذا يتوقف على ما إذا كان لديها أسباب جينية، بمعنى إذا كان هناك خطأ جيني عندها فقد تنقله لطفلها لاحقًا، لكن في الحالات العادية من النادر جدًا أن تصاب المرأة بسرطان ينتقل للطفل في الرحم وهي حامل. وأنا أعرف نوع واحد في هذا الإطار اسمه melanoma ينتقل إلى الرحم. وهاتين الحالتين لابد أن يتم أخذهما بعين الاعتبار.

وأريد أن أنهي الحلقة بالقول أولاً: إن أغلب الأمراض السرطانية والخبيثة التي تحدث في عمر صغير يستطيع الإنسان أن يتجاوزها إذا تم علاجه بطريقة سليمة وسريعة، وثانيا: إن الرجال والنساء الذين يصابون بأمراض سرطانية في عمر صغير لديهم مجال بعد البلوغ أن يؤخذ منهم سائل منوي أو بويضات أو أجنة ويتم تجميدها، وننتظر حتى يقرر أطباء السرطان أنهم أصبحوا قادرين على الإنجاب، فيستطيعوا وقتها أن يستفيدوا من هذه الفرصة، فالعلاج موجود لكن لابد أن يكون متكاملاً وبواسطة عدة أطباء متخصصين في هذا الموضوع.

* شكرًا لك دكتور. وإلى اللقاء في حلقة قادمة إن شاء الله.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى